تم أفتتاح المؤتمر الدولى بالسعودية لمكافحة الإرهاب الذى يضم أكثر من ستين دولة ومنظمة ، ليتباحثوا ويتفاوضوا ويتناقشوا ويتجادلوا ويصفقوا ويصفقوا كثيراً لبعضهم البعض ويتبادلوا التهانى والأمانى بلقاء قريب فى العام القادم يجلبون معهم فيه الكثير من الحلوى والورود والزهور التى زرعها الإرهاب فى العالم ليدرسوها من جديد والأحتفال بالذكرى السنوية الأولى لمؤتمر مكافحة الإرهاب .
ينعقد هذا المؤتمر ويتبادر إلى الذهن أن المناخ السياسى العربى قد حدثت فيه إصلاحات أو تغييرات جذرية ، لكن هل حقاً هناك تغييرات فى سياسات الدول العربية فى مواجهة الإرهاب ؟ بنظرة بسيطة للخريطة الإعلامية العربية يتضح أستمرار نفس النهج السابق فى تغذية الإرهاب ودعمه وإعطائه مساحات واسعة من الحرية والعمل السرى والعلنى ، وليس صحيحاً كما يقال ويتم الترويج له بأن مصر أو الأردن لهم تجارب ناجحة فى القضاء على الإرهاب ، بل هو نجاح ظاهرى لأن الفكر والجماعات الإرهابية موجودة سواء فى عالمنا العربى أو خارجه وتعمل فى تغيير أساليبها وأولوياتها وفلسفاتها وتنتظر الوقت المناسب للخروج إلى الواقع العربى بشكل جديد يتفق والمرحلة الحالية .
من وسائل خداع النفس وخداع الآخرين ، قول الرئيس المصرى مبارك فى أحدى تصريحاته بأن الإرهاب " ظاهرة كونية " وكما قال عمر موسى فى هذا المؤتمر بعالمية الإرهاب ، إنها مجرد شطارة فى العقلية العربية التى تلقى بغسيلها القذر المصنوع عربياً على حبال الآخرين الكافرين ، وكان من الأكرم والأشرف للعرب الأعتراف بأن الإرهاب ليس ظاهرة بل صناعة محلية عربية للأسف ، أنتجتها دكتاتورية الثقافة العربية فى عصورها المتعاقبة منذ ألف وأربعمائة سنة وحتى يومنا هذا ، تلك الأنظمة المتوارثة أباً عن جد ، وعلى العرب الأعتراف بحاجتهم إلى مساعدة ذوى الخبرة من دول العالم المتقدم فى العلم والحضارة الإنسانية والمتأخر فى الدين والعلوم الدينية والله أعلم !
يقنع العرب أنفسهم بأنهم يكافحون ويحاربون الإرهاب ويدافعون عن القيم والأخلاق الدينية بحظر الكتب ومصادرتها من جهات الرقابة ، ويصل التناقض قمته عندما تحظر الرقابة المصرية فى معرض القاهرة للكتاب الدولى كتب تم السماح بها فى بلاد مؤلفيها فى نفس الوقت التى تسمح بنشر كتب تم حظرها فى بلاد مؤلفيها ، وهذا نوع آخر من وسائل مكافحة الإرهاب أو مساعدته على البقاء حياً وتدعيم سلطاته فى المجتمعات والمؤسسات العربية .
سيتبارى الرؤساء العرب فى إلقاء كلمات عصماء يصورون أنظمتهم وشعوبهم فى أحسن تصوير ، وفى إبراز دور أنظمتهم فى مكافحة الإرهاب وتجارب دولهم ضد الإرهاب تلك التجارب التى لم يسبقهم إليها أحد فى فنون التعذيب ، وسيتبارى رؤساء الوفود العربية فى إبراز أن الشعوب العربية هى الشعوب الوحيدة بين شعوب الأرض المحبة للسلام ، وأنها الشعوب الوحيدة التى كانت ضحية للإرهاب والإرهابيين ، ويجب إدانة الأعمال الإرهابية وسيختتم المؤتمر " الدولى " لمكافحة الإرهاب بالتوصيات التى سنجدها محفوظة فى أرشيف المؤتمرات العربية بشتى ألوانها ومنها الإدانة والشجب والأتحاد ضد قوى الإرهاب والضرب بيد من حديد على منابع الإرهاب وضرورة التكاتف لإنشاء المراكز والمعاهد والكليات لمكافحة ودراسة الإرهاب .. والله أكبر !
يصرخ الزعماء العرب بأنهم يطاردون الأفكار والجماعات الإرهابية للقضاء عليها ، ويتناسون أن المجتمعات العربية بكاملها ترضع ألف باء الإرهاب ، لو أراد واضعى مناهج التعليم مثلاً الحديث عن القيم التربوية يرفضون كلمة تربوية ويتستبدلونها بعبارة القيم الدينية ، والتعليم نفسه تم تقسيمه إلى تعليم رسمى وتعليم دينى وأمتلئت البلاد بالمعاهد الدينية وتعددت الأسماء والصفات ، ويكفى أن يقول أحدهم لتبرير ذلك بأن " شعب هذه الدولة أو ذاك يهفو قلبه إلى التعليم الدينى وأصبحت الحياة الفاضلة هى الحياة الدينية وما دون ذلك يجب أن يعملوا على سحقه وإزالته من الوجود .
وسط الحماسة والفخر والكبرياء العربى يبرز لنا سؤال : هل إقامة مؤتمر كهذا بالسعودية بالذات سيضيف جديداً وأموالها وأموال غيرها من الدول البترولية مستمرة فى تمويل منظمات تدعم الإرهاب فى كل مكان بالعالم المتقدم والنائم فى سذاجته وسماحته وديمقراطيته وحريته ؟ هل يسخرون من عقول الشعوب التى حولوها من عقول بشرية إلى عقول دينية ؟
كان واضحاً عدم أكتراث غالبية الدول العربية ببث الجلسة الأفتتاحية عبر فضائياتها العربية اللهم إلا فضائية السعودية وقناة العربية ، عدم المبالاة بأفتتاح المؤتمر يعكس الصورة الحقيقية للأنظمة العربية المنافقة التى لها وجوه كثيرة ، وهذا يوضح دور تلك الأنظمة فى إطلاق الحرية لأفكار الإرهاب لتعمل وتثقف أجيال من الأطفال والشباب بفكر يناهض الإنسانية ، وهذا يؤكد أن الدول العربية حتى لحظتنا هذه لم تصدر برلماناتها ومجالسها التشريعية أى قانون يجرم الإرهاب ويعتبره جريمة كبرى ضد الإنسانية ، لأن النفاق العربى ما زال يبحث عن مفهوم محدد للإرهاب وحتى يصل الفلاسفة العرب إلى تحديد مصطلح ومفهوم الإرهاب نتمنى أن يظل فى منطقتنا العربية بعضاً من الإنسانية وشيئاً من الخجل على هذا الضمير " العربى " .
2005 / 2 / 6
التعليقات (0)