مواضيع اليوم

مؤتمر إدانة الطبيعة للإنسان

جمعة الشاوش

2009-12-08 08:02:30

0

مؤتمر إدانة الطبيعة للإنسان
عيون العالم قاطبة تتجه صوب "كوبنهاج"-الدنمارك-لا للاستمتاع بعروض في التزحلق على الثليج،ولا لانجذاب للدّجاج الدّنماركي و"عواطفه" الجليدية...إنما لاحتضانها تظاهرة عالمية ضخمة انطلقت الاثنين 7/12 لتستغرق أسبوعين كاملين ولتنشغل بما "أفسده الإنسان" في الكون وتحديدا على كوكبنا الأرضي...
صيحة الفزع التي نبّهتْ،ولا تزال،للأخطار المناخية الكارثية التي تستهدف الأرض بيابستها ومحيطاتها وكائناتها،كانت وراء حالة استنفار لافتة للمختصين في الشأن البيئي سرعان ما وجدتْ لها صدًى واسعا في الإعلام واهتمامات قُوَى المجتمعات المدنية النشيطة بما حوّلها إلى اهتمام سياسي بامتياز...فنشأت أحزاب "خضراء" وتداركت أخرى أمرها بإدراج هذا البند البيئي ضمن أغراضها الانتخابية.ولنفس الغرض المعلن نشأ كمّ هائل من الجمعيات والمنظمات من أشهرها "قرينبيس" فضلا عن المطبوعات ووسائل التحسيس الأخرى وأَدرج المنتظم الأممي ضمن قائمة أولوياته تدبّر شأن الاحتباس الحراري والنفايات السامة...ومعلوم أنّ الاهتمام السياسي بأيّ شأن لا تغيب عنه غاياته"السياساوية"...
في خضمّ انزعاج غربي بالأساس من غضب الطبيعة وفضيحة الكارثة البيئية تتالت الندوات والقمم والمؤتمرات لتبحث في كيفية "منع حدوث تدخّل من فعل الإنسان يُشكّل خطورة على نظام مناخ الأرض".ا..
ولعلّه كان من أبرزها مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية الذي أُطلقتْ عليه تسمية "قمّة الأرض" واحتضنته "ريو" البرازيلية (1992) وأسفر عن اتفاقيّة إطارية غير ملزمة ثمّ مؤتمر "كيوتو" اليابانية و"بروتوكوله" الشهير (1997)..ووصولا إلى مؤتمر كوبانهاجن،حاليا،تكون البشرية قد أنفقت وقتا كافيا في الصراخ والاستجداء والتّوسّل لفعل أيّ شيء جادّ يُجنّب كوكبنا الأرضي كارثة مدمّرة محقّقة،إن لم يكن قد فات الأوان.ا..
تقول أخبار وكالات الأنباء العالمية أن هذا الحدث البيئي الذي نعيش على وقْعه هام ومتميّز بمشاركة 192 دولة وبحضور حوالي 37 ألف نفر من المهتمين وبتشريفه بالتتويج من قبل نحو مائة من رؤساء وقادة دول العالم من بينهم الرئيس الأمريكي بملامحه "الأوباماوية" ذات الجذور الإفريقية والتوسيم النرويجي (حيث تتمّ قُبيْل حلوله بالدنمارك مراسم تسليمه جائزة نوبل للسلام) ...
فضلا عن الحفاوة الدنماركية التي لها طقوس دجاجها خصوصا أنّ احتفالات رأس السنة الميلادية على الأبواب،فإنّ هذه التظاهرة العالمية ستضع صنّاع القرار الحقيقيين أمام مسؤولياتهم التاريخية،إن بقي للتاريخ من يُدوّنه ويقرؤه،غير ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحروالطوفان والتصحّر وحرائق الغابات وانقراض الآلاف من الكائنات الحيّة بفعل الاحتباس الحراري...
لكن أيُّ مسؤولية تاريخية والجدل على أشدّه لتحديد مقترف الجريمة؟..
من لوّث الأرض وهدّدها بالفناء؟
التهمة،طبعا،لا يُمكن توجيهها للدول المتخلّفة،لأنّه،مهما اجتهدت النوايا المواربة على حشرها في خانة المعنيين بالجريمة،فإنّ براءتها واضحة يُفصح عنها بالأساس تخلّفها المزمن(أي الدول النامية أو المتخلّفة)...هكذا الطبيعة المستهدَفة شاءت أن تُنصف المتخلفين ولا تُحمّلهم وزْر جشع الأقوياء وبُناة حضارة العصر التي قامت على ثورة صناعية صاغها فكر آمن بالمادة واستهان بالضوابط الروحية والأخلاقية رغما عن التحذير المبكّر الذي جاء من أحد علماء الغرب الشهيرين في القرن السادس عشر"رابليه" حين قال ما معناه:"علم بلا ضمير تدمير للروح"،وبالتالي عربدة في الكون وهلاك للبشرية ...
المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الثورة الصناعية التي لوّثت الأرض والمناخ لقرون مضت وما تزال،وهي ثورة متوحّشة انفردت بها أوروبا "العجوز" وتتحمّل نتائجها تاريخيا وأخلاقيا...وقد جرّت لإثمها صنيعتها أميركا التي ما لبثت أن أخذت عنها قصب السبق لتحتلّ مرتبة متقدّمة في تسميم الطبيعة وسحر الكون ولينافسها في هذا الإفك عمالقة صاعدون من قبيل الصين والهند،وليُفرض خيار "التقدّم الحضاري" أو بالأحرى "التهوّر الحضاري" منطقه على سائر دول العالم...وحتى المتقاعسين أو العاجزين عن تجسيم هذا الخيار البغيض تأتيهم تكنولوجية التلويث من الأقوياء معلّبةً في شكل معامل وأدوات مصنّعة ونفايات نووية وغازات تُدفن في رحم تربة أوطانهم أو بحارها...
مدن الضباب تكتسح العالم بمداخنها،وقرْض الأراضي بغريزة الفئران تحوّلَ إلى فعل بشري هستيري مُحيّر.ا..
أما المحتجّون المنادون بأنّ "الطبيعة لاتعرف القبح والفضائع،فهما من فعل الإنسان"على حدّ تعبير"مارك تواين"،هؤلاء المحتجون الذين يُعلّقون الأمل على تشكيل "اقتصاد عصر ما بعد الكربون" و "التكنلوجيا النظيفة" والغذاء البيولوجي والعودة إلى "عذارة الأرض" وحتى بدائية الإنسان في تعامله مع الطبيعة،هم حالمون...وحُقّ لهم أن يحلموا فلم تبق فسحة للعيش إلا بالحلم...

إلا أنّ الخشية،كلّ الخشية،أن تتفتّق مواهب أقوياء العالم في مؤتمر كوبنهاجن على تحميل المسؤولية أو قسطا غير يسير منها لما آل إليه المناخ من احتباس حراري على الدول العربية والإسلامية المنتجة للنفط،بتعلّة أنّ هذا النفط أسهم إلى حدّ كبير في تلويث الكرة الأرضية ومحيطاتها،بما يعني "الإشفاق عليها" إنْ سمحت لها بالاستمرار في ضخّ نفطها مقابل فاتورة مُكْلفة...خصوصا إذا اضطُرّت أميركا،تحت ضغط الفضيحة لا وخز الضمير،إلى الإسهام الجدّي في دفع تكلفة التدخّل العاجل للحيلولة دون كارثة كونيّة مُحققّة،وهي التي كانت،كعادتها،قد أدارت ظهرها لمن أمضوا على بروتوكول كيوتو،ولا تستطيع اليوم،ورئيسها يتأبّط جائزة نوبل أن تفعل فعلها المعتاد...
وتحسّبا من العداء المتزايد للعرب والمسلمين فليس هناك ما لا يُبرّر التّوجّس والتّخوّف من أن يلحهقم أذًى من أيّ قمة عالمية ومن أيّ قرار يُصاغ بتأثير من الغرب،وعليه قد تكون النصيحة بالسبق لتبرئة ساحتهم من تُهمة محتملة مطلوبة...وهي تبرئة لا تحتاج إلى جهد كبير سوى:
-التذكير بأنّ طاقة النفط ليست اكتشافا عربيا ولا إسلاميا وكذلك الشأن في التنقيب عنها وتصنيعها وضخّها واستنزافها...
-حضور مؤتمر كوبنهاجن بخيمة عربية تُنصب في ساحة تظاهرته الرسميّة(وهي تقاليد لا يزال يحرص عليها قادة عرب...) لتُذكّر بالإرث الإيكولوجي،وحبّذا أن تُسند بناقة صبورة وفرس أصيل وأن يكون مضمون الخطاب العربي المعلقات السبع أو العشر وأن تُستهلّ بمعلّقة امرىء القيس:قفا نبْك من ذكرى حبيب ومنزل///بسقْط اللّوى بين الدَّخول وحوْمل ...فناظمها أمير يُمكن تفويضه وإيحاءات مطلعها بيئيّة...
وقد يكون من المناسب ختم البيان العربي بمطلع معلّقة عمرو بن كلثوم:ألا هُبّي بصحنك فاصبحينا ///ولا تُبقي خمور الأندرينا...ذلك أنّ برد طقس كوبنهاجن والكرم العربي قد يجدا ظالّتهما في "خمر الأندرون"..
ولا بأس من التذكير بأنّ المئذنة ليست رسما كاريكاتوريا مؤذيا وحاقدا...وهي لاتعلوها مدخنة تُلوّث الفضاء الجميل بخلاف مداخن مصانع الغرب الكبريتية والنووية...وهي أي المئذنة إذ تعلو فلتبُثَّّ بلاغا يدعو إلى "الفلاح"...

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !