لحظات انسانيه في حياة الشعراء..2
المهلهل التغلبي :
ما اكثر ما عرف الشعر العربي الاحساس بالمأساة ! وما اكثر ما عرفت الاحاسيس رحيل الاخوه رحيلا ابديا؛ لا عوده بعده ،ولكي تتجلى لنا عظمة الروح اكثر فأكثر، ارى من الضروري ان لا نكتفي بالمقارنه بين شاعر وآخر بل ارى ان نبتعد اكثر ونجلو صورا أخرى في مواقف متشابهه لتتضح الصوره اتضاحا ادق ؛ وتنجلي بين الخطوط بملامحها الرائعه، سنرى الان شاعر آخر اصيب بنفس المأساة، هذا الشاعر هو( المهلهل التغلبي )( اخو كليب )(المقتول) وكان لا يقل شهره عن اخيه في الزمن انذاك، وقد قتل كليب، بأسلوب خال من كل شرف، بعيد عن كل مرؤه، فأدى ذلك الى انقلاب في حياة اخيه، الذي كان يرى الحياة كأس وأمرأة، قبل فجيعته، وأذا الفجيعه تحول الشاعر من تلك الحياة اللاهيه الى حياة تشبه الجحيم ، رجل في الركاب ويد على عنان الفرس وأنطلاقه الى المقبره، ووقوف على قبر اخيه، يلملم الذكريات ، ويجمع خيوطها ويضم بعضها الى بعض لتنفجر فيما بعد في دوي العاصفه .. وقف الشاعر على قبر اخيه وراحت الذكريات تتداعى في نفسه وتبكيهاوبكاء الرجوله لا يحزن بل يخيف وينذر بالكوارث .ويلوح بالدماء التي ستكون شرابا للارض ، ونقف مع الشاعر . ونصغي الى صوته وأذا الصوت يبتدأ مشحونا بالتأمل ومراقبة الليل الذي ينتشر فوقه ويلفه، تحت جناحه .. مراقبة الليل مراقبة النجوم وهي تسير الى الغروب وتنحدر الى الافق والتأمل في الكون يلقي عادة على الاعصاب قطرات من الهدوء وتنتهي بعدها النفس الى حاله فيها هنيهه من الراحه ، تشرف النفس فيها على معنى دقيق او مغزى رائع ولكن تأمل الشاعر في الليل والنجوم، لم يكن الا لكي يتخذ منه نقطه يجد ملتقى بين انحدار النجوم وانحدار القوم الذي تباينت بهم البلاد انه يتأمل في النجوم في انحدارها الى المغيب لا لان هذا الانحدار يوحي بعظمة الكون وروعة الطبيعه ، بل لانه يذكر يذكر فقط بأنحدار القوم الذين ارتكبو ا الجريمه ، وغابو ا كما تغيب النجوم !!هذا هو معنى التأمل والمراقبه في نظر الشاعر الى الليل والجوزاء ، واذاكان هذا هو المعنى الذي يقف وراء التأمل فالنتيجه واضحه والمصير جلي يتراءى تحت الاضواء الكشافه كما تتراءى النجمه في سماء صافيه انه الثأر؛ الذي يضيف الى الضحيه القديمه ضحايا جديده ويصبغ الارض بالدماء :
وألا تبيد سراة بكر فلا يبقى ابدا لها اثار.
يغار علينا واترين فيشتفى بنا ان اصبنا
او نغير على وتر
قضينا الدهر شطرين بيننا
فما ينقضي الا ونحن على شطر
ولن يستطع الشاعر ان يفلت من محيطه وعاداته وتقاليده ، وهذا منطق جد طبيعي في عرف البداوه ولا غبار عليه ما دامت الحياة فيها (غاره ) متصله ، وثأر يتبعه ثأر.
صادق البصري
التعليقات (0)