لحظات انسانيه في حياة الشعراء 1 ..
متمم بن النويره .. الشاعر المحزون :
لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافكا
وقال :اتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى والدكادكا
فقلت له :ان الشجا يبعث الشجى فدعني، فهذا كله قبر مالكا
لااعرف اين قرأت هذه الابيات؛
ولا اعرف كيف ظلت بذهني بعد قراءة سريعة .ولكني اعرف ان الكتاب الذي قرأتها فيه نسبها الى متمم بن النويره في رثاء اخيه مالك ؛ولم يقل شيء عنها ولا عن مأساة مالك التي تهز الضمائر. كما عرفت لاحقا، واعرف انها احدثت في نفسي الاثر الذي يجب ان تحدثه ، وكشفت روح الشاعر بكل ما فيها من لوعه وغصه ، وبكل ما فيها من انطلاق وتفتح ؛ لا على مأساة اخيه وحسب ،بل على مأساة الانسانيه كلها.. على مأساة الوجود الذي يتتهي الى هذه القبور ، وأذكر اني وقفت كثيرا امام الشطر الاخير (فدعني فهذا كله قبر مالكا ) وقلت في نفسي اي وثبة هائلة في هذه الكلمات وأي ضوء ساطع في هذه الحروف التي تفتح لك النوافذ لتطل منهاعلى روح الشاعر وقلبه وأحاسيسه وشعوره بالوجود ، وكانت قطره من دم القلب ، قطعه من الحياة قطعه من الاخوه القيت في حفره اسمها قبر، ولكن هذه الحفره التي تنطوي على مالك لم تعد تلك الاشياء القليله التي يرقد في قلبها مالك، وأنما اخذت تمتد وتنتشر حتى اصبحت كل حفره تنطوي على انسان ، وأصبح كل انسا ن في كل واحده من هذه الحفر التي تسمى قبور قطره من دم القلب قطعه من الاخوه ، وهذا هو الاحساس الكبير في قول الشاعر فدعني فهذا كله قبر مالك ..ان المأساة التي حلت بأخيه مأساة مرعبة مخيفة ؛ فيها ثورة على القيم والاخلاق وفيها انتصار الحقد والتطرف وسوء الفهم على التسامح والحب والاخوه، ومأساة من هذا النوع تحول المصابين بها ممن ظلوا على قيد الحياة الى لهيب تسوقه الريح وغبار يدفعه الاعصار ويمشي في صداها الغضب المخيف ، والحقد الجامح ولكن شاعرنا يتحول تحت وطأتها القاسيه وكابوسها المدمر الى انسان متأمل في الموت والحياة وفي الانسان الذي ينتهي الى هذا المصير حتى يخرج بهذه العبره العظيمة ، امام هذه العاطفيه ينحني التاريخ لانها تنبع من أسمى معاني النفس وأنبل عواطفها ؛ واذا وقفت هذه العاطفه وراء المأساة هانت المأسي بل لا تعود مأسي وأنما تعود اقدارتصنع التاريخ وتفتح امام الحياة ابوابا جديده تطل منها على كون جديد .
صادق البصري
7/12/2009
التعليقات (0)