مأساة "المحينة" كابتن منتخب السودان السابق
مصعب المشـرّف
4 أبريل 2015م
"سليمان المحينة" كابتن منتب السودان السابق يعيش حياة ماساوية قبل أن يقعده المرض
الحالة الإنسانية المأساوية التي يعيشها منذ سنوات كابتن فريق الموردة وكابتن منتخب السودان السابق "المحينة" خلال عصره الذهبي أيام جكسا وماجد وسبت دودو .... جاءت هذه المأساة كارثية ونزلت على الرؤوس كالصاعقة حارقة ؛ وفضيحة مدوية في دولة ترفع شعار "الحــل الإســلامي" .. ويطارد جباة الزكاة والضرائب فيها الناس في الأسواق والمنازل والشوارع ، والطرقات بطريقة رجل لرجل ؛ وإستراتيجية الرقابة اللصيقة ... وبتقديرات قهرية جزافية فلكية أثقلت الكواهل.
الحالة التي يعيشها اليوم ومنذ سنوات كابتن المحينة بسبب مرضه الذي أقعده عن الجركة بقدمية . مما أجبره الزحف كيلومترات على صلبه وهو يجر ساقيه أمامه . ويتكيء على يديه في الأرض طوال الطريق من منزله المتهالك في حي الموردة الأمدرماني وحتى سوق الموردة حيث يجاهد وبكابد المستحيل لأجل أن يسد سعار الجوع ويروي الظمأ ودون أن يتمكن من توفير ثمن الدواء للعلاج أو التخفيف والتسكين للألم.
كابتن منتخب السودان السابق "المحينة" بعد أن أقعده المرض .. من يصدق؟
هذه الحالة الإنسانية التي جرى الكشف عنها مؤخراً في وسائل المعلوماتية والإعلام الحر النزيه النبيل على شبكة الإنترنت ... هذه الحالة تفضح المجتمع السوداني المعاصر من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه ....
وأتحدى أن يقرأ مأساة المحينة ، ويشاهد صورته وهو يزحف على صلبه ؛ ومنظر السرير الحديدي المتهالك والمرتبة المتسخة التي ينام عليها .. أتحدى أن يشاهد ذلك إنسان ومواطن سوداني عادي دون أن يبصق على وجهه في المرآة .... ويكره نفسه واليوم الذي ولد فيه .... ويمسخ عليه أكله وشربه ويطير النوم من عينيه.
ربما لا بعرف النشء والشباب من أبناء الجيل الحالي من هو كابتن المحينة .. وكيف كانت الجماهير تهتف بإسمه ؛ أو ربما لم يشاهد الصور الفوتوغرافية والأفلام السينمائية التي توثق له وهو يلعب الكرة بحرفنة وفـن .... ويرتقي الدرج ليحمل كؤوس البطولات أو لمصافحة الرئيس الفريق إبراهيم عبود واللواء طلعت فريد .. وإسماعيل الأزهري رحمهم الله ..
ثم وكيف كانت الصفحات الرياضية في الصحافة السودانية تتسابق في مدحه والثناء عليه ، وتتنافس فيما بينها لأجل الحصول على لقاء صحفي معه.....
كابتن منتخب السودان السابق "المحينة" في عصر الكرة السودانية الذهبي - تحت السهم مباشرة
لقد كان المحينة بأسلوبه الراقي الفنان في الأداء وأخلاقه السمحة من فصيلة البشر التي ارتقت بأخلاقها ووفاءها وعطاءها لبلادها إلى درجة أصبح فيها من أولئك المواطنين النموذجيين الخالدين "المرفوع عنهم القلم" في تاريخ البلاد.
وبإختصار فإنك عزيزي القاريء من الجيل القديم والناشيء الحالي يمكنك أن تستدعي نجومية المحينة خلال عقد الستينات والسبعينات من القرن الماضي على نفس الشاكلة التي يجدها نجوم الكرة السودانية قادة منتخبات السودان اليوم من مدح وإشادة وإهتمام ومسارعة لإيجاد الحلول لمشاكلهم ومشاكل أقاربهم حتى الدرجة الثالثة .....
لا بل وأرى أن مقارنة المحينة بنجوم وكباتن اليوم تجعل نجوم الكرة اليوم يتوارون خجلا ويتحولون إلى مجرد ضفادع . وذلك لما كان عليه المحينة من خلق وأدب ومصداقية وتفاني وتحلي بتعاليم الدين ومثاليات المجتمع السوداني الكريم عند أرقى مدارج نبله ...... ودون أن ينتظر مكافأة أو يطالب بمردود مالي وعيني.
كان فريق الموردة في عهد المحينة "يلعب" ... ولا يزال هذا الوصف يلازم فريق الموردة كلما حقق لنفسه نصراً في ميدان الكرة فيردد المعلق "الموردة بتلعب" وتخرج الصحفات الرياضية صباح اليوم التالي وهي تردد ذات العبارة ..
نعم أكرم الله المحينة ... وجعل كل مجاهداته لأجل حي الموردة العريق والسودان أجمع في ميزان حسناته وتوثيق تاريخه الوطني الناصـع ؛ الذي تتزاحم مكارم الأخلاق والإنجازات والمناقب لملء سطوره إنشاء الله .. ولا يذهب العُـرْف بين الله والناس.
الجميع اليوم مسئولون عن معالجة مأساة المحينة .. والجميع مطلوب منهم النهوض لإسعاف المحينة ؛ تقديرا لكونه مواطن سوداني ؛ من حقه المشروع أن يعيش بكرامة داخل بلاده ووسط أبناء شعبه.
أين هيئة وإدارة الزكاة من هذا المثل الحي الصارخ لجهة "مصارف الزكاة" .. أموال الله؟ ...... والتي تقــع حالة المحينة في صميم دائرة إختصاصها؟
غريب أن تبذل هيئة الزكاة "الإسلامية" المليارات من أجل تلميع وجهها ؛ وغسل أقدامها وتنظيف أسنانها ، وكي ملابسها ؛ من خلال الدعاية والإعلان الوردي لنفسها في الصحف ؛ وقنوات التلفزيون التجارية الخاصة الأخرى ؛ في حضرة أحلى مقدمات البرامج وأكثرهن زينة ومكياج وطلاء تبييض البشرة .. ومحاولات رؤوس ورموز إدارات هذه الهيئة المحمومة لتقديم نفسها وإدارتها من نوافذ هذه البرامج الدعائية الإعلانية وكأنهم من صفوف الملائكة ذوي الأجنحة ؛ و أشراف "الصحابة" .... والإيحاء الكاذب بأنهم مثال عصري حي لسيرة الدولتين العمريتين .. (دولة عمر بن الخطاب ، و دولة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما).
لا أريد أن أطلب من إدارة رئاسة الجمهورية أن تسارع إلى ترتيب إستقبال رسمي للمحينة في القصر الرئاسي . وتقديم المحينة لمصافحة السيد رئيس الجمهورية وإلتقاط صور تذكارية معه ... والخروج بحقائب الدولارات وصناديق الهدايا الثمينة والسيارات ؛ مثل ما تفعل هذه الإدارة مع كل من هب ودب من المطربين واللاعبين الأجانب ومرافقيهم من المواطنين ؛ حتى لو أطلق عليهم هؤلاء الأجانب النكات ووسموهم بلقب "البوابين"....
ولا أعتقد أن وزير الصحة الولائي (في دولة الإسلام السياسي)؛ الذي سبق وأن طلب من مواطنيه أكل الضفادع ,,,, لا أعتقد أنه سيهب ويشمر عن ساعدية لمعالجة وصيانة الحالة الصحية لكابتن منتخب السودان السابق.... اللهم إلا إذا ضمن أن يكون ذلك تحت الأضواء الكاشـفـة وعدسات الصحافة والتلفزيون.
وربما أسوق الأعذار لإدارة نادي الموردة العريق كون أن هذا النادي يعاني الإفلاس؛ وكوابيس الإغلاق ... ويعيش بالجملة أحلك سنوات عمره المديد.
ولكن ماذا نقول عن إتحاد كرة القدم السوداني . الذي يتبارى في الصرف البذخي على كبار مسئوليه ؛ وعلى مقره ذو الطوابق ، وسياراته الفارهة التي تجوب شوارع العاصمة طوال الأسبوع ؛ وعلى مدار العام ليل نهار ؛ في زمن البنزين الغير مدعوم ؛ وأسعار قطع الغيار التي بلغت عنان السماء ؟
فإن لم يكن لدى إتحاد الكرة رغبة في إعانته بالمال . فلا أقل أن يسعى لدى رئاسة الجمهورية لإستخراج إعانة شهرية له وإهدائه كرسـي متحرك .. ولا نقول إهدائه سيارة كتلك التي أهديت عشرات منها للاعبي المنتخب المصري.
ثم أين الوزارات والإدارات الأخرى المختصة بالإشراف والرعاية والدعم المالي لكل ما يتعلق بشئون الرياضة والثقافة والشباب ؟
السرير الذي ينام عليه كابتن منتخب السودان السابق (المحينة) داخل الحجرة الوحيدة الترابية
لقد تم الكشف أمس عن حالة الكابتن المحينة في العديد من مواقع التواصل الإجتماعي. وجاء ذلك مشفوعاً بالكلمة وموثقاً بالصورة الفوتوغرافية ؛ له ولحجرته المتواضعة في حي الموردة بأمدرمان ...
تكفي الصورة لتليين وتحريك كل قلب جوهره من حجر .... أصبح المحينة اليوم شيخ كبير طاعن في السن .. جلبابه متسخ إتساخ الشارع الترابي الذي يزحف فوقه على صلبه متكئاً على يديه ؛ خلال سعيه اليومي لأكثر من مرة إلى السوق الذي يقع على بعد كيلومترات من مسكنه المتهالك .
وأما الحجرة المتواضعة المشار إليها ؛ فلا يوجد بها سوى سرير حديدي يعلوه الصدأ ولحاف مقطع متسخ ؛ أكل الدهر عليه وشرب حتى الثمالة.
وقد قرأت هذا الصباح أن رئيس نادي الهلال الرياضي (الكاردينال) قد سارع بالإستجابة لنداء الناشطة السياسية والإجتماعية في حزب الأمة القومي السيدة "نهى النقـر" عبر صفحتها في الفيس بوك .. وهي التي كانت أبرز من حمل على أعتاقه قضية المحينة ولفتت الإنتباه إليها . وحيث يقول الخبر أن الكاردينال قد تكفل بتمويل تكلفة علاج الحالة الصحية للمحينة .....
شكرا للكاردينال وله التحية ؛ ولا نملك سوى الدعاء له بحسن الأجر والجزاء الأوفى من الله عز وجل ؛ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .. ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[من فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ]..... أو كما قال.
والذي نرغب في التشديد عليه الآن هو ضرورة أن يتولى متابعة حالة المحينة الصحية إدارة متخصصة في الدولة – دولة الإسلام – وذلك على نحو من المسئولية والديمومة المؤسساتية ... وأن لا تكون المسألة مجرد فقاعة صابون ، وردّة فعل آنيــة مؤقتة والسلام.
هناك أكثر من جهة مسئولة مسئولية مباشرة عن متابعة حالة كابتن منتخب السودان لكرة القدم السابق وهي : هيئة الزكاة في المقام الأول . والتي يجب عليها القيام بتكلفة علاجه وصيانة منزله وتخصيص إعانة شهرية له (من أموال الله) ، يستلمها وهو مرفوع الرأس موفـور الكرامة ....
ثم تأتي بعد ذلك ضرورة إهتمام ولاية الخرطوم بأمر المحينة ورعايته الطبية المجانية ... وتأتي أيضا مسئولية إتحاد كرة القدم أدبية كانت أو مالية .. وبالوقوف إلى جانبه وطرق أبواب الجهات والوزارات والإدارات الحكومية النائمة نومة أهل الكهف.
ومن جهة أخرى نهيب بالسيد نائب مدير الإستخبارات السودانية أن يفكر في أمر تولي جهاز الإستخبارات السوداني علاج ورعاية حالة الكابتن المحينة الصحية ؛ مثل ما سعى وتولى علاج حالة المبدع الراحل محمود عبد العزيز ..... وذلك إنطلاقا من القناعة بأن المحينة يظل شخصية عامة ؛ وجندي بـار متقاعد من جنود الوطن .... أخلص وتفانى وحمل المشاعل دفاعا عن إسم السودان ؛ ولرفع شأنه بين الأمم في أفريقيا والعالم العربي طوال العديد من مشاركاته في مجال رياضة كرة القدم . أشاد به الإعلام الرياضي وهتفت بإسمه الجماهير .... وصعد سلالم أكثر من منصة لنيل التكريم من رؤساء سابقين ؛ ما كانوا ليصافحونه بأيديهم لولا أنه يستحق ذلك.
لا أريد هنا الإشارة بالأسماء إلى نجوم الكرة اللامعين والذين نالوا شرف لقب كابتن لمنتخبات السودان ... وحيث جرت مكافأتهم أدبياً وعينياً ومالياً ؛ بما يكفل لهم مداخيل محترمة بعد إعتزالهم اللعب ... ولكن الشاهد أن الكابتن المحينة قد فاته قطار التكريم العيني والمالي فلم يحصل على منزل أو قطعة أرض أو متاجر أو توكيل غاز ومحطة بترول ....
إن الذي نلفت إليه النظر هنا هو ما تناهى إلينا من أن الكابتن المحينة عزيز النفس كريم السجايا . ويرفض مد يده لإستجداء الناس (وهذه الخصلة كارثة هذه الأيام) .. ومن ثم فإن تولي الدولة عبر مؤسساتها وأجهزتها الرسمية مسألة الإنفاق على علاجه وتخصيص راتب شهري له على هيئة إعانة أو راتب تقاعدي ستجعله يطيب نفساً بإستلامها .. وحتى لا يكون في الأمر حرجا له.
ولنستغفر الله الذي يرانا ولا نراه ؛ ونعتذر لرسوله أشرف الخلق المصطفى عن تقصيرنا في أمر بعضنا على الرغم من وصاياه لنا ... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
التعليقات (0)