مواضيع اليوم

ليل بلا نوافذ

Selma Bel Haj Mabrouk

2010-10-24 12:56:03

0

جلس ذات جرح مساء تحت ظل شجرة ليل بلا نوافذ و قد تداعت أغصانه الكثيفة بعناقيد الظلمة إلى جدار غربته .و تراكمت على رفوف مخيلته صورها المزدحمة في سراديب ذاته غير أن صورة واحدة بقيت لا تمل من تكرار نفسها أمام ذاكرته تلك الصورة التي تظهر فيها مسددة له نظرات التجاهل..ذهبت هي وبقيت نظراتها القاسية سوطا يجلد ذاكرته كلما تذكرها...حاول جاهدا أن ينزل ستائر عينيه أمام صورتها التي لا تفارق مسرح روحه دون جدوى كان يظن أنه يقترب من الابتعاد ويبتعد عن الاقتراب لكن لم يحدث شيء من هذا.. . يأل هذا الألم الغريب الذي لا ينفك عن مطاردته ونخر كل زوايا وحدته يصعد به على سلم الماضي حيث لانهائية الألم في انتظاره . ركضت عينيه فوق جسده الموشوم بلمساتها فشعر أنه لم يبقى من جسمه المتهالك كرماد سجائره شيء سوى هذا اللهب المشتعل بذكراها . كم يودّ أن تهب رياح عاصفة تقتلعه من جذورها وترمي به في عالم لا تنتمي له عندها لن يسأل على أي أرض يقيم ولا أي أرض يغادر. و لكنه تذكر بعد حين انه يجلس بعينيه التائهتين في غبار جسدها

إلى طاولة وحدته المزدحمة بأكواب الفراغ يتأملها يخيّل إليه أنها أكواب من شراب العنب أو اللوز المعطر بأنفاسها المتلاحقة عندما كان يرتعدان تحت زمهرير عواصف جسدهما المنهك باللذة.

أما هذه الليلة المطلة على شرفة ليل بلا نوافذ فقد صار كالماء وحيدا ولكن لم يعبأ كثيرا لصوت العزلة فمازالت لديه رغبة متابعة طريق الحلم الذي بدأه معها و لو على سبيل المجاز..لم يعد يسمع سوى قرقعة سيف رغباته المتصاعدة كألسنة اللهب.. ألسنا لا نرغب في شيء إلا إذا كنا نفتقر إليه .؟ وهاهو يرغب فيها بقدر الافتقار إليها ..فيمطره غيابها وابل عطش يغسل ما تبقى من أمل..غير أن إرادة التذكر عنده كانت على قدم وساق ..كم أشتهي أن نركب سويا سفن الريح ونذهب إلى براري البحار نصطاد أسماك الخطيئة بل كم أودّ أن تكوني خطيئتي الأزلية التي لن يغفرها الله لي مهما قدمت و أخرت ..

و كم أريد التقدم في طريق غوايتي أمارس معك فنون اللعب بالنار والرقص على جليد اللهب أتمرّس بهواية الحلم وأبصرامتدادها وهي تتسلق كثبان المستحيل و ترتمي بين هضاب الزمان الأبدي...

و في نفس الوقت الذي كان يفكر في الزمان الأبدي قفز إلى ذهنه سؤال محير ...و هل يمكن أن يكون هناك شيء اسمه "زمن أبدي " ؟ أليست الأبدية غير الزمان ؟ فالأبدية ليست زمنا ولا يمكن أن تكون زمنا وإلا ما عادت أبدية ....

كلما هرب إليها من محنة أسئلته الموجعة التي لا تكف عن مطاردته إلا و وجد نفسه في مهبّ ذكراها تقرصه هذه الأسئلة بعنف أشد. أليست هي نفسها بروحها وجسدها الذي ما فتأت تعبق روائح هزاته في أنف ذاكرته المتورط في حبها معضلة... تطبق عليه بأنفاسها من كل أنحاء جسمه وتحاصر وجه عزلته الدميم... آه .. معضلة المعضلات هي ...ماء أزلي ينزلق من شفتي محطّما بساطة الوجود و محولا بداهته و يقينه شكا وغموضا و أرقا ..مسعصية أنت ومع ذلك أريد أن أكون أنت لأعيش الضجيج ويخمد رماد الصمت .

أيها النهار الذي أهلكته ظلمة النور ماذا بوسعك أن تكون سوى حزمة من ضوء أخرق ينذر كل يوم بولادة ألم جديد ؟ يا من تتجوّل في عواصم عزلتي متلصّصا على حديقتي السرية وتنسى أن لا أحد يعلم ما أحمله في داخلي.فكم أودّ أن تنهار أمام عينيا و أن تجرفك سيول الليل إلى الهاوية إلى وحل العدم

أيتها الريح المتوحشة العنيفة خذيني إلى أرضها الوعرة وإلى مرتفعاتها العميقة وسهولها الشاهقة و إلى محيطاتها ذات الأسماك الخرافية الشهية .

أيها الماء الناري المتفجر بضحك النشوة أذرفني سحابة طائشة تغازل المطر وتراقص الغيم أيها الزمن الذي يركض متوقفا على كف يدي كن قارب حلم يعبر حدائق زبد بحرها فيقذفني على شواطئ وجهه المجعد بفيروز الموج .. ماذا تنتظر أيها الليل العروس لتأتي ؟؟...أين أنت ؟ لماذا لم ترتدي ثياب زفافك الذي طرزته النجوم و لم تضع بعد كحل عينيك الفاتنتين .؟ ...

...يا له من وهم مقدس أن تنتظر عودة حبيبتك... و قد أمضيتما معا على ورق السماء قرار احتساء شراب الخراب ...أين هي ؟؟؟ ها أنا ذا أنتظر على مقعد الوقت طائر الحب عسى يحمل شفق شفتيها الأرجوانيتين بين منقاره وينثره على جداولي الشاحبة ..لم أتوقف ولو للحظة واحدة عن مجالسة همسها وهو يطربني ويجرفني إلى ينبوع صدرها الهادر حنانا

أبني وأهدم صورتها المتسللة إلى أبواب روحي المخلوعة كانت روحها بمثابة مفتاح يحاول فتح باب مخلوع ....

هكذا تعوّد دخولها إلى أفكاره عنوة هروبا إليها منها ، كان بجهده الخرافي يحاول أن يتلمس بأطراف العطش وأصابع اللهفة صورتها التي علقت بجدران قلبه وهي تحتسي شراب الخراب على مهل الصمت مرتشفة مدامع النشوة المتعثرة في قاع كأس حظه .لم تترك له حتى فرصة تحديد ما إذا كانت كأسه مملوءة بنبيذ السعادة أم أنه مملوء بشراب الشقاء .

حضورها أمطار قدر يهطل غموضا وتعقيدا فأصبح عاجزا عن فهم ما يحدث له و هل هو من ضمن من يركض خلفهم الحظ أم ضمن من يطارده الشقاء ؟؟؟؟

شيء واحد يراه بوضوح ولا يكف عن اللحاق به

هو شفتيها المتراقصتين شهوة وقد علقت على رصيف شفتيه تبحثان عن متنفس لتمارس غرورها الأنثوي وتمزقهما برغبة حب منتقم. كم شعر بحميمية لهو شفتيها فوق شفتيه كطفلة عابثة تلهو بلعبتها وتعبث بها وكأنها تكتشفها للمرة الأولى. يذكر بقوة تمايل شفتيها العنيفتين حبا تداعبه بشراهة العشق

كان فريسة النور وضحية موج وجهها الثائر المزمجر بأمل العواصف الرعدية يصيبه الذهول كلما تذكر ذلك السفر المتوحش بين زرقة أعماقها وقتها لم يستطع أن يحدد إلى أي مرحلة ينتمي هل قرّبه حبها من سن الشباب أم من سن النضج ربما الجواب الأقرب إلى حالته أن حبها جعله ينتمي إلى سن الانتظار المطل على ليل مخلوع الأبواب والنوافذ بعد أن احتست آخر قطرات النشوة الموجودة في قاع عمره .





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !