أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كَرَمُهُ عَمَّ جميع الموجودات!! وعطاؤه تنَزَّل به في كل الأماكن والجهات!! وخيره لا ينقطع عن البرية في كل الأوقات!! ومع ذلك جعل لهم وقتاً كلَّ يوم وليلة يزيد فيه الفضل، ويعمُّ فيه الخير، ويسحُّ فيه البرَّ. وجعل لهم يوماً كل أسبوع - وهو يوم الجمعة - يعمُّ المسلمين المصلين بعطائه، ويغمرهم بنور وجهه وبَهَائه، ويُتَوِّجُهم في هذا اليوم بتاج أوليائه، ويخرجون من الجمعة وقد غفر لهم من الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام.
وجعل لهم أوقاتاً طوال العام، بين الوقت والوقت ليال وأيام، يتعرضون فيها لفضل الله، ويتجهَّزون فيها لنفحات الله، يقول في بعضها الحبيب صلوات الله وتسليماته عليه: {إنَّ اللهَ يَسُحُّ الخَيْرَ سحًّا لعباده في أرْبَعِ ليالٍ؛ ليلتي العيدين، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر} 2. ليالٍ يتنَزَّل فيها اللهُ بعظيم العطاء، ويجعله عزَّ وجلَّ لعباده المؤمنين الرحماء، فضلاً من الله ومنة والله عزيزٌ حكيم.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، أقامه الله عزَّ وجلَّ وأقام به الدِّين، وجعله رحمةً واسعةً لأمته وللخلق أجمعين، وعرَّفه ما يحبُّه ويرضاه ليجعل أمته لفضله عزَّ وجلَّ متعرضين، وعلى بابه سبحانه وتعالى واقفين، وبأيدي الضراعة لحضرته سائلين، حتى يجعلها أمة الإكرام دون الأولين والآخرين.
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على هذا النبيِّ المحبوب، الذي أزلت عنه العنا وغفرت له الذنوب، وسترت أمته كلها - كما وعدت - من العيوب، ووعدتَها بأنها خير أمة في كتابك المكتوب، سيدنا محمد، علم الهداية الربانية، وسرِّ كلِّ العطاءات الإلهية. صلَّى الله عليه وآله وصحبه، وكل من مشى على هديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
في مثل هذا اليوم - منذ ما يزيد على الألف وأربعمائة عام - تجمَّع كفار قريش حول حضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم - وقالوا له: يا محمد، نريد أن تُظهر لنا آية تدل على أنك نَبِيّ، ونؤمن لك بعدها أجمعين. فتحيَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في إجابته، لأن الله عزَّ وجلَّ لم يبعثه مُعَنِّتاً - والأمم إذا طلبت الآيات، وظهرت الآيات ولم يؤمنوا، تعرضوا لعذاب الله وانتقامه فوراً في الوقت والحين، وكان كل ما يخشاه - وهو الرحيم بأمته، والشفيق على أهل ملَّته - أن يروا الآية ولا يؤمنوا فيحيق بِهم عذاب الله، وينزل عليهم سخط الله جلَّ في علاه.
لكن الله عزَّ وجلَّ أنزل عليه الأمين جبريل وقال: يا محمد، قل لهم: إن يجتمعوا هذه الليلة يروا آية. قالوا: متى نجتمع؟ قال: بعد غروب الشمس. فهذه الليلة - كما تعلمون - يكون القمر فيها مكتمل الإضاءة، بدراً كاملاً، يعمُّ نُورُه الأرض كلَّها. فاجتمعوا بعد غروب الشمس عند زمزم والكعبة، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر بأصبعه فانشق نصفين، نصف على جبل الصفا، ونصف على جبل المروة. فذهبوا إلى بيوتِهم يُجْلُون عيونَهم بأيديهم، ورجعوا ورأوا الأمر على ما هو عليه لم يتغير، فقالوا: لقد سحرنا محمد!! فقال بعض كبرائهم: إن السحر لا يكون في كلِّ الأرض في وقت واحد، فانتظِرُوا حتى يأتي المسافرون من الآفاق واسألوهم عن هذا الأمر، وبعد أن جاء المسافرون سألوهم، فأخبروهم بما رأوا، أنهم رأوا في هذه الليلة القمر وقد انشق إلى نصفين متباعدين. فعلموا أنَّها آية من الله، معجزة لحبيبه ومصطفاه!! ولكنهم - لأنهم باءُوا بالكفر أخزاهم الله - كذَّبوا بما رأوا وقالوا: هذا سحر مستمر3 .
ومن عجيب إعجاز الله في كتاب الله، ما حكاه الدكتور زغلول النجار - بارك الله فيه - لقد حكى: أنه كان في جامعة ويلز ببريطانيا الآن، وكان يتحدث في جموع الحاضرين عن إعجاز الله عزَّ وجلَّ في قرآنه في علم الفلك - وهو إعجازٌ جعل كثيراً من الفلكيين في العالم يدخلون في دين الله عزَّ وجلَّ لدقة القرآن في وصف الظواهر الفلكية، مع أنَّها لم تكن قد ظهرتْ في عصر خير البريَّة، لكن هذا إعجازٌ من الله في كتابه جلَّ وعلا – قال: فتحدث عن إحدى الظواهر الفلكية، فإذا برجل من الحاضرين يطلب الحديث ويقول: أنا موسى داوود - رئيس الحزب الإسلامي في بريطانيا - وسأضيف إلى كلامك شيئاً هاماً .. كنت شديد الولع بدراسة الديانات، وطلبت القرآن لأقرأه، وعندما فتحت القرآن كانت أول آية وقعت عليها عينيَّ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) (1، 2القمر). قال فقلت في نفسي: متى انشق القمر؟ إن هذا الكلام غريب وعجيب، وألقيت القرآن وتركت قراءته!!
وبينما أنا ذات يوم أشاهد التلفاز، وأشاهد محطة الـ (بي بي سي)، وكان هناك حوارٌ بين أحد المذيعين المرموقين وثلاثة من رواد الفضاء الذين أرسلوا في أول رحلة إلى القمر، فكان المذيع يعاتبهم ويقول لهم: لِمَ هذا الإسراف في الإنفاق على رحلات الفضاء؟!! فرحلتكم إلى القمر تكلفت مائة مليار دولار!! كان أولى بها أن تنفق على الفقراء والمساكين في العالم. فقالوا مجيبين: إن هذه الرحلات تكشف لنا حقائق لا تساويها هذه الأموال، وهذه الرحلة التي كانت إلى القمر - كشفتْ لنا حقيقة لا يوازيها مال الدنيا كلها، فقد رأينا شيئاً هائلاً على سطح القمر!! رأينا القمر وكأنه انشق نصفين، والشق طوله يزيد عن مائتا وخمسين كيلو متراً، وعمقه حوالي خمسون كيلو متراً، وقد التئم هذا الشق مرة أخرى!!
قال: فقفزت من فوق مقعدي عندما سمعت هذا الخبر، وعلمت أن قول الله هو الحقّ، ورجعتُ إلى كتاب الله، وكانت هذه الآية سرَّ إسلامي وسبب هدايتي!!!!
فالله عزَّ وجلَّ يُظهر في كل وقت وحين إعجاز كتابه، وسرَّ إبداع قدرته!! ولقد قال صلى الله عليه وسلم: {إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله يتجلى لغروب شمسها إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فاستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتى مطلع الفجر}
التعليقات (0)