لاأستطيع الاستمرار في متابعة البرامج التي تبث في قناتينا ببلدنا المغرب . فكلما مددت يدي – في بعض المرات – إلى جهاز التلفاز لأضغط على الزر كي أرى ماجادت به قرائح بعض مخرجينا، إلا وأسرعت إلى تغيير القناة إلى أخرى تحترم مشاهديها، وهي ليست مغربية للأسف !!
ونظرا للرداءة التي تطبع معظم "الإنتاجات" و"الإبداعات" في قناتينا ، أصبحت مقتنعا بأنه ما أنتج المنتج ولا أبدع "المبدع" إلا للمساهمة – غير المشكورة – في إفساد أذواقنا والرفع من ضغط الدم لدينا، بل للمساهمة – وهذا الأدهى – في "علمنة رمضان" حين يكون الشهر شهر الصيام في بلدنا !
غير أن ما رأيته يوم الأربعاء الماضي (14 رمضان 1431/ 25 غشت 2010) في برنامج يدعى "جار ومجرور" ، مخصص للكاميرا الخفية، بين أن من الفنانين من يحترم هذه الأمة والحمد لله !
ملخص مضمون الحدث أنه طلِب من فنانين، أحدهما الفنان حسن مضياف، الكلام على لسان رسوم لحيوانات تظهر أمامهما على شاشة . فكان الفنان المذكور يقلد أسدا، والآخر، وهو ممثلة، يقلد لبوءة . وقد ضمّن المخرج الكلام المسنود إلقاؤه للفنان كلمة يحس المشاهد من السياق أنها تخدش الحياء . فلما وصل الرجل إلى تلك الكلمة، لم ينطق بها، لكنه انتفض، وألقى بسماعة التسجيل من أذنيه غاضبا، ثم أخذ معطفه وهو يصرخ : "لن أنطق بهذه الكلمة ! لن أنطق بهذه الكلمة !".
وعبثا حاول المخرج، وكذلك الممثلة، إقناعه لينطق بها، لكن الفنان رفض بشدة وإصرار، قائلا :
- "اسمع، إن الطبيب إذا أخطأ، فإنه يجني على نفس بشرية واحدة . لكن خطأ الفنان يدمر أمة "!
ذكرني هذا الموقف بكلام للمثقف اللبناني هاني فحص يحكي فيه عن حوار جرى بينه وبين المخرج اللبناني المسلم روجيه عساف، صاحب تجربة "مسرح الحكواتي"، وصاحب فيلم "معركة" . ومما قاله هاني فحص للمخرج عساف : "لاتزال تبدع في المسرح والسينما أشكالا جديدة إلى أن تصل إلى شيء آخر غير السينما !" . فكان جواب المخرج : "لايهم إذا كان ذلك يؤدي إلى صون عقيدتي !".
مثل هذا الموقف – أقصد موقف السيد حسن مضياف – لايمكن أن يصدر إلا عن فنان ذي عقيدة وذي قيم . وقل من المغاربة – فنانين وغيرهم – من يعمل ضد عقيدة الأمة ومقوماتها .
ولايمكن أن يصدر مثل هذا الموقف ممن يريد أن يجعل من الفن معولا لهدم مقومات الأمة : لغتها ودينها وقيمها...
لكن للأسف هذا الصنف الأخير من الفنانين موجود، على الرغم من قلة عدد أفراده . وعلى الرغم من تلك القلة في العدد، فإنهم يريدون – أو يراد لهم – أن يكون صوتهم الأعلى و"إبداعهم" ، الرديء بالمعايير الفنية والخلقية ...، هو السائد .
لكن هيهات للغربان السود أن يعلو نعيبها على كل صوت جميل يغرد بالخير !! وهيهات لنعيق البوم أن يزكو على كل صوت يشدو بالقيم والفضائل في هذا البلد !!
فتحية تقدير للفنان حسن مضياف، ولكل فنان يؤسس بنيان فنه "على تقوى من الله" لا "على شفا جرف هار..." !
وليعل صوت الفضيلة !
التعليقات (0)