لا يمكننا ان نعد الاختلاف السياسي اجتهادا..ولا بدعة..بل هو في صميم اي عملية سياسية تتخذ من التعددية والتنوع اسلوبا للتداولية السلمية للسلطة,ان لم يكن من ضرورات ترصين الحراك السياسي وادارة التنوع الفكري والعقائدي للمنظومات المجتمعية الانسانية..
ولا جدال في وجود حالة من الاختلاف المنهجي والتقاطع السياسي الحاد بين القوى السياسية العراقية,ولا خلاف في مفصلية هذه الفترة الحرجة الممهدة لمرحلة ينظر اليها ,وعلى نطاق واسع,كنقطة تحول حتمية في تاريخ العراق والمنطقة..ولا ضير ولا غضاضة في ذلك,لا سيما مع التباين الكبير في توجهات تلك القوى ومنطلقاتها الفكرية,وكون الاختلاف من اشتراطات وطبيعة الممارسات التي تتعلق بالشأن الوطني العام..
والعراق كبلد يتلمس خطاه نحو تأسيس النظام الديمقراطي الحر التعددي الذي يحرص فيه على تطبيق الحريات العامة.ولا سيما الحريات السياسية فكرا واعتناقا ودعوة وترويجا فيما لا يعد الاختلاف فيه استثناءً, ولا يحسب الخوض فيه من المحرمات,يكون التناقض هنا نوع من القوةالداعمة لمبدأ فصل السلطات ضمن مناخ تعاضدي شفاف محكوم بآليات دستورية مقننة بوضوح ومعبرة عن اولويات الشعب ونابعة من سياقات المنظومة الفكرية والاجتماعية للامة..
وبالرغم من كون الديمقراطية تتيح لجميع المتصدين للشأن السياسي وحق الاختلاف والمراقبة والاعتراض والمسائلة..ولكننا نجرؤ على القول ان كل هذا الاسراف في اشعال الحرائق السياسية واختلاق الازمات والتصعيد في المواقف الذي نشهده في الراهن المعاش من ايام العملية السياسية لا يعد من التقاليد المرعية في الانظمة الديمقراطية بشئ..ولا يرتقي الى ادنى مستوى من القيم الاخلاقية والروحية التي تدعو لها الديانات السماوية السمحة والتي تتكئ على تجذرها في الذات العراقية الكثير من الرموز والقوى السياسية المتصدية للشأن الانتخابي..
ان الخلاف في المنطلقات الفكرية والعقائدية وفي وجهات النظر تجاه القضايا السياسية.حتى ما يمكن ان يصل لمستوى الازمات يجب ان لا يصل الى حد الدفع باتجاه الخلاف المؤدي الى التقاطع مع انجازات العملية السياسية التي تحققت بسواعد ابناء العراق البررة الشرفاء المخلصين الذين حموا الوطن بدمائهم وارواحهم من الانزلاق في اتون التشرذم الطائفي والاثني المقيت من خلال التصدي للارهاب المتوحش القادم من خلف اسوار الوطن ليعيث في الارض فسادا..ويجب ان لا تكون الرغبة في التموضع على قمة الخارطة السياسية العراقية في مدياتها العليا مبررا لنكأ جراح الشعب ووأد نضالاته وتضحياته الكبرى على مذبح الحرية والتقدم والنماء ..
ان محاولة استدراج الدعم الشعبي يكون من خلال طرح المبادرات الواقعية والمتماسكة والمدعومة بسجل من الاداء السياسي المطمئن والمتمتع بالمصداقية والواعد بالمزيد من الشفافية والادارة الحكيمة لموارد الشعب وثرواته..وليس عن طريق النيل المتشفي القادح بالمنجز الحضاري والامني والذي دفع الشعب ثمنه فادحا من ارواحه ودمائه ومقدراته وثرواته الوطنية,ولا من خلال ادخال البلاد في نتواليات متناسلة من الازمات.
ان الشعب العراقي العظيم..والذي اثبت تمسكه بثوابت ومقدسات الامة ..والمصر على ترسيخ العملية السياسية وآلياتها الدستورية ..والذي تجاوز (وعيا وايمانا) القوى والاحزاب الناشطة على المشهد السياسي العراقي ..اختار الى غير رجعة طريق التحرر والتعددية والشرعية والالتفاف حول الدستور والقانون والوحدة الوطنية,وهو مصمم على الذهاب في الديمقراطية الى منتهاها دون ان ينظر للخلف غير آبه بقوى التخلف التي تنشد اعادة عقارب الساعة الى الوراء. ولن يلدغ من جحر الديكتاتورية مرة اخرى..ولكن هذا الشعب لن ينسى او يغفر لمن يرقص على آلامه ودمائه وشظايا عظامه المتناثرة على ارصفة الشوارع المحترقة..
التعليقات (0)