مواضيع اليوم

ليس للغزاة أرض مقدسة

محمد سعيد مزوار

2014-10-12 17:38:45

0

 ليس للغزاة أرض مقدسة

 

خلال مسيرة دراستي الجامعية تشرفت بلقاء الأستاذ الدكتور محمد شوقي الزين، لمن لا يعرف الرجل فإنني أستطيع القول أنّه يوسف هذه الأمة، أقصد الأمة الجزائرية كما عبّر عن ذلك أحد زملائه الأساتذة، هو ابن مدينة وهران، درس الفلسفة بها، وأتم دراساته العليا في جامعة بروفونس بفرنسا، يعد أحد الوجوه الفلسفية البارزة في الاعلام الجزائري والاعلام الدولي، إذ له الكثير من المساهمات في غربلة الواقع العميق للحياة العربية والاسلامية بتفاصيلها الدقيقة، هو مدرس فلسفة غربية معاصرة في جامعة تلمسان؛ للرجل الكثير من المساهمات الفلسفية من مؤلفات مختلفة لعل أضخمها هو تحت عنوان: "الثقاف في الأزمنة العجاف"، وهو مؤلَف يضع الثقافة العربية الاسلامية في مقابلة نقدية صريحة امام الثقافة اللاتينية الاغريقية، تلك المؤسسة للثقافة الفرنسية والألمانية.

سيداتي سادتي:

هذا الرجل "د. محمد شوقي الزين" الإنسان الأنيق بابتسامته الهادئة، هو صاحب نظرة عميقة، وحتى لا أسقط في ذاك المديح الهستيري الذي يصيب بعض الكتاب حين تأسيسهم لبعض مناقب العظماء، فإنني أكتفي بالقول أن فكر الرجل هو ما يجعله يتربع على المشروع الثقافي الجزائري، ذاك الذي أشار إليه مالكـ بن نبي في وقت مضى.

ما يربطني بـ: محمد شوقي الزين هو قدرة هذا الرجل على تسفير أفكاره بطرق سلسة للغاية، حيث وجدت من خلاله ذاتي تشتاق لكل ما يكتب، حتى أنني تعرفت عبره على المفكر اللبناني علي حرب، هذا الأخير كان لي شرف لقائه في احدى الندوات الفكرية التي نشطها في الجزائر، وهو ما جعلني أغيّر قناعتي جذريا فيما يخص قضية المرأة.

تولد الأفكار من رحم المبدعين ليتلقفها الفاشلون، وإنّ للفكرة رونقا خاصا حين تخرج من منتجها الذي صبر على ولادتها، هذا ما جعل رابطتي بالدكتور محمد شوقي الزين تتعزز بشكل ملفت، لطالما حلمت بأن أرتكن إلى أستاذ بحجم المفكر الزين، حيث لمست من كلامه خلال محاضراته التي كنت أواظب عليها والتي كانت تنقضي بسرعة، متمنيا عدم انقضائها للأبد لجودة ما هو مطروح من خلالها، لمستُ مقاتلا شرسا في ثوب ناعم للغاية، فهو يصيغ المفاهيم وفق استراتيجية ديناميكية جذابة، ويحمل المستمع إليه إلى فضاء خاص عبر تكتيك ذكي وبليغ، مما يجعل الفكرة تتلون بكل الأطياف لتعبر عن ذاتها بكل طاقاتها المكنونة.

 

"... اللذة بالجديد الطارئ، أعظم في النفس من ملازمة الصحبة (...)

هذه الأرض البدنية الانسانية، محل الهوى ومحل العقل، فتكون الهجرة من أرض الهوى إلى أرض العقل وأنت في هذا كله فيها، ما خرجت منها... "

(مع الشيخ الأكبر ابن عربي، عصام محفوظ، دار الفارابي-لبنان، 2003م، ص: 81-84، جزء: الوهم المقدس)

 

لا يتعرف على العظيم سوى العظيم، ولا يكون العظيم عظيما إلا بعظمة فاعلية أفكاره، تلك المرصوفة كالنجوم في وجه الزمن؛ إنّ العمل المستوى وفق القاعدة الذوقية، تلك التي سماها د. شوقي محمد الزين بـ: اللقف، هي ما تجعل الصناعة في خدمة الزراعة، صناعة أداة زراعة تضاريس الروح البشرية بكل روافدها المتجلية والمتوارية.

لقد كان الشيخ الزاهد ابن عربي هو منارة محمد شوقي الزين في كافة خطوطه ومخطوطاته، وهو نفسه اعترف بهذا في الذكرى العاشرة لتتويجه دكتورا فيلسوفا بالمعايير الغربية، لكن هذا لا ينفي أن يكون د. محمد شوقي الزين يوسفا جديدا يبعث الثقافة الجزائرية على الميدان الجزائري على أساس مَلكته الفكرية ومكرمته الذاتية.

لا يزال المسير عسيرا حين ينظر المتأمل الجزائري إلى حدود التفلسف المستوي على ثقافة عقول عجاف، لكن ثقاف العمل ومثاقفة الحكمة، هما حدا سيف الدكتور محمد شوقي الزين. إذن لا بد من تذوق أعمالنا لأنه يكفينا فخرا أن فيلسوفا صرخ صرخة من بروفونس الفرنسية، صرخة فلسفية تلمسانية بنغمة وهرانية أصيلة، تلك التي ماثلت صرخة مغني الفلامينكو الإسبانية، فرحبت بها مسامع جزائرية كثيرة منصتة ومنتبهة لها، كما فعل الكثيرون وأفعل أنـــا.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !