ليس لأنك ضد النظام علي أن أصمت عن جرائمك
يصرُّ مناصرون كثر للثورة السورية أن يرفعوا شعار لا "إفلات من العقاب" لكل من تورط في دم السوريين؛ ذلك المطلب الذي من أجله تداعت دول لأقامة المحكمة الجنائية الدولية. لا يحدد رافعوا الشعار من تورط في دم السوريين، باعتباره جهة واضحة محددة ظاهرة للعيان هي "النظام" الذي غمّس تاريخه وسلطته بدم السوريبين. لا يختلف غالبية السوريين؛ المنخرطين في الثورة ومناصريها على عدالة المطلب هذا ولا على أهميته ولا على أولويته.
لكن الثورة السورية تشابكت خيوطها ولم يعد المتورطون في الدم السوري جهة وحيدة وواحدة، بل أصبح هناك جهات غير النظام، منها ماهو محسوب على الثورة ومنها ما هو في الثورة ويعتقد أن من حقه إقامة "محاكم ثورية" على عجلٍ لتصفية من يعتقد أن له الحق بتصفيتهم.
يجد البعض أن من الحكمة التذكير بأسباب اندلاع الثورة السورية، وهي أسباب تلاقي إجماعاً وتوافقاً عند عموم السوريين، وجزء من هذه الأسباب؛ هو "الإفلات من العقاب"؛ فقد ارتكب النظام بأجهزته المتعددة جرائم متواصلة بحق السوريين لاتبدأ بالإعتقالات والتغييب القسري والعقاب الجماعي وهدر الكرامة وغياب المحاكمات العادلة و... لا تنتهي بالمجازر الجماعية، في ظل هذا غابت أي حقوق للسوريين خارج ما ترتأيه الطغمة الحاكمة وأجهزتها التنفيذية.
لم يكن مفجرّوا الثورة الأوائل والمنخرطون فيها طلاب سلطة، بل كانوا طلاب حقوق، و الحقوق تطلب مهما كانت الجهة التي تستلبها. والحق بالعدالة لايتم التغاضي عنه إذا كان من ينتهكه هو ضد النظام.
حدثت في ظل هذه الثورة الكثير من الأخطاء والكثير من التجاوزات والعديد من الجرائم بحق سوريين أبرياء قامت الثورة من أجل صيانة حقوقهم. ومن أكثر الجرائم بشاعة تلك الجريمة المسجلة والموصوفة بحق جنود عزل مكبلي الأيدي تم أسرهم من ثكنة هنانو في حلب.
ولابد من التعريف بأن ثكنة هنانو هي مركز لسحب الجنود الأغرار وسوقهم لخدمة العلم، كما هي التسمية الرسمية لها، وهي تغطي المنطقة الشمالية والشرقية لسوريا، وهؤلاء الجنود لم يلتحقوا بعد بأي قطعة عسكرية ولم يشاركوا في أي أعمال قتالية مع الجيش الذي حوله النظام لأداة قتل للشعب السوري؛ إضافة لذلك فإن هؤلاء الجنود قتلوا بعد أسرهم وتكبيل أيديهم وهو ما يشكل جريمة بشعة لا تخالف الاتفاقيات الدولية التي تنظم السلوك في مناطق النزاعات وعلى رأسها اتفاقية جنيف، بل تنافي كل عرف ومستقر أخلاقي للبشرية منذ بداية الحروب وحتى الآن، ولا يعني حدوثها في مناطق أخرى "شرعنتها" ومحاولة تبريرها.
ينتظم المبررون لما حدث في سياق خطاب متعلق بالثورات "ومايحدث " في ظلها، حتى لو كان ما يحدث هو جريمة من هذا النوع، ويستند بعضهم في تبريره -خصوصا إذا كان من أصول يسارية- واعياً أو غير واعٍ لما قامت به ثورات اليسار في العالم من قتل وتنكيل بحق أعداء الثورة، وعلى رأس هؤلاء "الثائر الكبير" غيفارا، الذي كان يستهويه القتل بيده لأعداء الثورة صارخاً إثر كل قتيل " لا وقت لدينا لترف المحاكمات"؛ علماً أن النظام الذي ثار عليه وفر محاكمة لصديقه كاسترو سجن على أثرها ولم يقتل.
بينما الجهاديون الذين تقول سياقات الحدث والفيديوهات المصورة له أنهم من قام بهذه الجريمة فتحت إبطهم فتواى من كل صنف ونوع تحلل ما يقومون به وتأتي بسندٍ إلهي له. حتى لو كان بشعاً بحجم هذه الجريمة المصورة.
في ظل هذا يحجم مناصرون للثورة عن إدانة هكذا جريمة واضحة المعالم تحت حجج ويافطات واهية؛ منها عدم التشكيك بأخلاقيات الثورة، ومنها عدم إفادة النظام بكشف هكذا جرائم، وحجج أخرى أكثر سوءا وتنحدر في درك لا أخلاقي تتبنى مقولة " النظام فعل أسوء من ذلك" ويرددونها بكل حيوية معتبرينها حجة دامغة. بينما آخرون أقل صفاقة يقولون أنه في كل الثورات حدث تجاوزات وأننا في حالة حرب الخ.
آخرون كانوا أكثر "حكمة" اعتبروا ما حدث مجرد خطأً يجب أن لا يحدث وأحجموا عن وصفه كما هو بكونه جريمة مكتملة الأركان تستوجب الإدانة القاطعة وتستوجب محاكمة الفاعلين أي كان موقعهم في السياق السوري.
هذه ثورة نعم لكنها ثورة حقوق وثورة ضد الانتهاكات والجرائم ويجب أن لاتلطخ بجرائم بشعة من هذا النوع وإن حدث هذا وهو ما يحدث حالياً فعلى أبناء هذه الثورة رفع صوتهم عاليا بالمطالبة بمحاكمة المجرمين أيّا كانوا ومع من كانوا وضد من كانوا، لن نغفر الجرائم لأن من يقوم بها هو ضد النظام ولن نحلل الدم السوري لأن من يستبيحه هو ضد النظام ولا " إفلات من العقاب" لكل من استباح الدم السوري.
خلف علي الخلف
التعليقات (0)