مهما أتفقنا أو أختلفنا حول شخصية الرئيس الراحل ياسر عرفات ، ألا أنه يبقى شخصية تأريخية بكل معنى الكلمة . فهو قد قاد شعبه ببراعة وذكاء لأكثر من أربعة عقود ضد أعتى وأقوى دول ومنظمات العالم اللتي حاولت طمس الهوية الفلسطينية ، مستخدمة كل أنواع القوة اللتي لم يعرف لها التاريخ مثيلا من عسكرية وأقتصادية وثقافية وحتى اللا أخلاقية . الأمر اللذي أبقى القضية الفلسطينية حية ترزق ، تؤرق ضمير الأنسانية . وهذا يعتبر الأمر الأهم في نظال الشعب الفلسطيني للوصول الى هدف التحرير المنشود . ولقد دفع ابو عمار ثمن هذا النظال حياته في آخر الأمر . لذا فأن منع حماس لأبناء غزة من أحياء ذكرى وفاة ياسر عرفات يبقى أمرا غير مفهوم وغير اخلاقي بالمرة .
قد ينتقد البعض ِ(وأنا منهم) قيادة ياسرعرفات , وقد يعتقد البعضِ (وأنا منهم) بأنه ليس قائدا مثاليا ، وبالرغم من عدم أيمان الكثيرين بطريق أوسلو وخارطة الطريق كحلول محتملة لقيام فلسطين الحرة والمستقلة . "وهو الأمر اللذي ثبت اليوم باعتراف صائب عريقات اللذي صرح لوكالة الأنباء الفرنسية بأن على القيادة الفلسطينية مصارحة شعبها باستحالة الأستمرار بمفاوضات السلام بعد ثمانية عشر عاما من الفشل المستمر" . وقد لاتعجبنا مواقف ياسر عرفات في احداث ايلول واحداث الكويت واحداث كثيرة غيرها .
ألا أن ألقدرة الفائقة اللتي قاد بها ياسر عرفات منظمة التحرير الفلسطينية ونضال جزء مهم من الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية العالمية وحليفاتها الولايات المتحدة وأوربا الغربية وجميع الدول الواقعة تحت تأثيرها اقتصاديا وعسكريا ،أي بمعنى آخر ضد معظم دول العالم بما فيها حكومات الدول العربية . يظل انجازا مهما ومحترما يحسب لهذا الرجل .
لقد طاردت هذه القوى منظمة التحرير واخرجتها من أراضيها وقواعدها وتركتها وشعبها فريسة سهلة للكيان الصهيوني بجيشه اللذي ارتكب كل جرائم الحرب النازية ضدها وضد الشعب الفلسطيني ، بل وأضاف عليها ما تفتق عنه ذهنه الشيطاني . حتى أستطاعت هذه القوى المتكالبة عليه من عزل عرفات ورفاقه وسجنهم في تونس اللتي تبعد عن وطنهم وشعبهم آلاف الكيلو مترات معتقدين انهم بذلك قد قضوا على الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير.
ألا أنه وبأستخدام الحجارة أكثر الأسلحة بدائية، أستطاع أبو عمار ورفاقه والشعب الفلسطيني من أرغام الصهاينة وحليفها الغرب والحكومات العربية على القبول بأعادتهم ومنظمتهم ليس الى لبنان او سوريا او مصر او الاردن . بل الى داخل فلسطين ذاتها . وهذا عمل رائع لم تستطع فعله أي قيادة اخرى في التاريخ . الأمر اللذي حافظ على القضية الفلسطينية حية في جميع المحافل الدولية ، ومنعها من أن تصبح قضية منسية لشعب أندثر مثل ما حصل مع قضية الهنود الحمر .
كل هذا يجعل من أبو عمار قائدا فذا ورمزا وطنيا ليس فقط للفلسطينيين بل ولجميع الشعوب المقهورة والمحتلة والمسلوبة الأرادة .
ليس خطأ أن للشعب الفلسطيني والمنظمات النضالية الأخرى الغير منضوية تحت قيادة منظمة التحرير واولها حماس فضلا ودورا مهما جدا ومكملا لمسيرة ياسرعرفات ومنظمة التحرير وعونا لها على البقاء والوقوف بوجه الهجمة الصهيونية الشرسة على فلسطين بل وعلى الامة العربية والمسلمة أيضا . ألا أن أحدا لايمكن أن ينكر تاريخ وحنكة وقيادة أبو عمار في أشرس معارك حركات التحرر في التاريخ وأطولها على الأطلاق .
وافقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على جعل الثامن عشر من يوليو/تموز يوم مانديلا، للاحتفاء بما قدمه الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا لقضية الحرية في العالم .
وكان مندوب جنوب أفريقيا باسو سانجقو قد تقدم بمشروع القرار، وصف فيه الرئيس السابق لبلاده بأنه علامة بارزة ورمز للأمل، الذي عكست حياته مبادئ الأمم المتحدة .
هكذا تكرم الأمم رموزها وقادتها ولذلك تنتصر . كان حريا بحماس أن تبادر هي الى أحياء ذكرى أبو عمار وأن تطالب بجعل 11 نوفمبر يوما عالميا لياسر عرفات فهو ليس بأقل من مانديلا أبدا وبكل المقاييس . لا ان تجعل من الاحتفال بذكراه سببا لزيادة حالة التشرذم الفلسيطيني المحزن .
لن تستطيع حماس طمس التاريخ بأفعال تافهة كمنع الأحتفال بذكرى ابو عمار في غزة . وهذه المسألة تسيء الى حماس والى الشعب الفلسطيني ونضاله بصورة كبيرة قبل ان تسيء الى اي احد آخر . ولا تقلل من تاريخ ياسر عرفات المشرف ابدا .وكما كان يحلوا لابو عمار ان يقول " يا جبل ما يهزك ريح"
التعليقات (0)