حقيقة يصاب المرء بالذهول و الصدمة فلا تكاد تجد أحدا اليوم في مصر يستطيع أن ينبس بكلمة ولو من باب الإنصاف فقط لا غير حول تجربة دامت ثلاثين سنة كانت بالتأكيد تحمل الكثير من الفشل و الأخطاء و لكن من باب المسؤولية التاريخية كانت في طياتها الكثير من المواقف و الطموحات المشروعة.إن المرء و انطلاقا من تجربتي تونس و مصر يقف مشدوها أمام شعوب بنخبها و مثقفيها و انتلجسيتها و غوغاءها و رعاعها كانت بالأمس تصفق و تنحني إجلالا و تقديرا لحكامها و جلاديها و تسارع لتقبيل أحذيتهم و تلعق بصاقهم و ريقهم و حين يسقطون من عروشهم و تنتزع كراسيهم تنهض لتنفض غبار الولاء و الطاعة العمياء و تتحول إلى محارب السموراي تتدافع عن الكرامة و الكبرياء و الحرية.إن المرء ليشعر بالغثيان حين يجد أقلاما و أفواها و حناجر كانت تصدح للزعيم بالبقاء و طول العمر و الخلود ثم فجأة تقفز من مركب الحاكم و تصبح عنوان التغيير و تختطف المقاعد الأولى للنضال و تقديم الدماء في مسيرة العزة و الشموخ و الأنفة.
اسمحوا لي في أن أكون قلما مغردا خارج سرب الثورة منافحا و مدافعا عن تجربة مصر مبارك التي يحاول البعض رسمها كلها بألوان القتامة و السواد و اصرخ عاليا أنها ليست هي كذلك بل لها مساحات مضيئة مهما تكالب الكاذبون و المزيفون و لصوص الأحلام.
إني احترم مصر مبارك التي تعرضت لكل الضغوط و التهديدات و المزايا و الإغراءات لتصفية القضية الفلسطينية،مصر مبارك التي رفضت الضغط على الرمز ياسر عرفات خلال مفاوضات كامب ديفيد الثانية في 2000 و رفضت الضغط على محمود عباس في كل جولات المفاوضات مع العدو الإسرائيلي و رأت أن للشعب الفلسطيني حقوقا تاريخية لا مناص منها.
إني احترم مصر مبارك التي رفضت إقامة قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها و لم تكن مثل البعض الذي يعيش وسط بحر من جنود المارينز و تنطلق من أراضيهم القنوات المشبوهة التي للأسف أن السذج و البلهاء يصدقونها حين تتحدث عن النخوة و الكبرياء.
إني احترم مصر مبارك و مشروعها النووي الذي سيجعلها من القوى الأساسية في العلاقات الدولية و هذا رد على احد أشباه الدعاة الجدد و صاحب مليشيا صناع الحياة الذي قال أن مصر تحتاج إلى مشروع قومي مثل السد العالي.
إني احترم مصر مبارك التي سخرت كل جهودها لرأب الصدع بين الإخوة الأعداء في فلسطين في حين كان البعض يعمل على نكئ الجراح و تعميق هوة الخلاف.
إني احترم مصر مبارك التي قادت سياسة اللاحرب و اللاسلام مع العدو الإسرائيلي و استرجعت أراضيها بكل السبل فالغاية تبرر الوسيلة في حين أن البعض يتبجح بمقاومة وهمية و يقيم سلاما غير مكتوب و لم يطلق رصاصة واحدة لاسترجاع أراضيه المحتلة بل إن العدو يحلق بطائراته فوق رؤوسهم و هم في قصورهم ثم يخرجون بعد ذلك بابتساماتهم البلهاء المعهودة ليقدموا لنا دروسا في الدود عن الوطن و الأعراض.
إني احترم مصر مبارك التي قدمت الشيء الكثير لقضيتنا الأساس إعلاميا و سياسيا و دبلوماسيا و ماليا أما البعض فلا زال يزايد علينا علما أن جرائمه في قتل الفلسطينيين تزيد أضعافا مضاعفة مما سكب من دماء على يد الإسرائيليين.
إني احترم مصر مبارك التي لها هامش كبير من الحرية هي أحسن بكثير من باقي الأنظمة التي يفوق عدد مخبريها عدد سكانها فقد جندوا الشجر و الحجر لخدمة الحاكم الإله بل إن الامتعاض من أثمنة الخضر و الفواكه يستوجب إعداد المقاصل بتهمة إضعاف الشعور القومي و الشروع في قلب النظام.
إني احترم مصر مبارك التي كان رمزها يذكر الإسرائيليين حين يمدون أيديهم إليه بنصر أكتوبر و قدرة الإنسان العربي في هزم الجيش الذي لا يقهر في حين أن البعض يختبئ تحت الأرض خوفا و رعبا و يطل من الشاشة فقط ليتلاعب بعقول صغار الصغار و يقص عليهم حكاياته من ألف ليلة و ليلة عن الشهامة و التضحية و الفداء.
هذه هي مصر مبارك التي تشكل حولها حلف عجيب غريب لا يحصل إلا في الأحلام فما الذي يجعل من إيران وتركيا و إسرائيل و أمريكا يصبحون فجأة على قلب رجل واحد إلا لان مصر مبارك كانت تعرقل مشاريعهم.
لا يسعني في الأخير إلا أن أقول حسبي الله و نعم الوكيل.
التعليقات (0)