أبدت القوى الحزبية والشعبية التي شاركت في مسيرة القدس الدولية أواخر الشهر الماضي إستيائها مما وصفته تجيير تلك الفعالية لجهة سياسية واحدة (يقصدون بذلك جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الاسلامي ) وإعطائها طابع فئوي ضيق لكسب الصورة في الإعلام والفضائيات كما يشير البيان الذي أصدره ائتلاف الأحزاب القومية و اليسارية.
ليس دفاعا عن جماعة الاخوان المسلمين ولكن إبرازا للحقائق ، نشير الى أن تفسير ائتلاف الاحزاب اليسارية والقومية والقوى الشعبية التي شاركت في مسيرة القدس لسلوك جماعة الاخوان في تلك الفعالية قد لا يكون دقيقا ، لأنه يغفل الجانب العقائدي الايديولوجي الذي دفع الجماعة الى تلك السلوكيات .فجماعة الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي ، وضمن سيطرة من يطلق عليهم مصطلح تيار الصقور ، تتبنى حاليا منهج تكفير القوى اليسارية والقومية والمجتمع ، بما يتطابق مع خطاب الجماعة الام الذي صاغه سيد قطب في ستينيات القرن الماضي ، والذي يتضمن وصف المجتمعات العربية الحالية والقوى السياسية في تلك المجتمعات بالكفر .
فكيف للجماعة ضمن المنطلقات السابقة أن تقبل مشاركة تلك القوى التي تكفرها بتوجيه كلمات قد تتضمن إساءات لدولة الاحتلال الصهيونية ، والتي تعد ضمن الايديولوجيا المشار اليها ، أقرب الى جماعة الإخوان ، كونها دولة يهودية (أهل كتاب) ، بينما تنظر الجماعة الى تلك القوى والاحزاب على أنها كافرة ، وأهل الكتاب أقرب من الكفار!. كل من الاخوان واليهود شعوب مختارة ذات أفضلية مقابل القوى الكافرة والجاهلية (طبقا لمنظور أتباع سيد قطب) وهذا الرأي يعبر عنه أصدق تعبير القيادي في جماعة الاخوان المسلمين النائب السابق علي العتوم في مقاله الصادر في جريدة السبيل تحت عنوان (إنه الحقد على الإسلام) والصادر في عدد 10/4/1/2012 حيث يقول فيه (ما يحدث في بلادنا من المناداة بالإسلام حلاًّ, وبالدعاة قادةً, هو قدر الله الذي لا يُغالَب, وهو متحقّقٌ بإذنه على أيدينا اليوم وغداً، فنحن ورثة هذا العالم كلِّه شئتم أم أبيتم, أمّا أفكاركم الجاهلية فسيُلقي بها الزمانُ في مكبّ النفايات, كما ألقى بغيرها منذ عشرات القرون ) ، ونلاحظ في الفقرات السابقة بروز فكرة الجماعة المختارة وتكفير القوى السياسية والاجتماعية التي يصفها المقال في موضع آخر بأنها تقوم على روابط جاهلية كافرة . فالجماعة ضمن الطرح السابق ، كالشعب اليهودي ، جماعة مختارة ، والقوى الوطنية والاجتماعية الاخرى شعوب ذات منزلة أدنى (غوييم).
طرح سيد قطب تبنته العديد من جماعات الإسلام السياسي ولم يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين ، ورأينا تجلياته في مرافعة شكري أحمد مصطفى (مؤسس تنظيم التكفير والهجرة ) القضائية في السبعينيات ، والتي اشار فيها الى أن المجتمعات والانظمة العربية اولى بالقتال من اليهود وكذلك لدى محمد عبد السلام فرج في كتابه (الفريضة الغائبة ) والذي أفرد فيه بابا للمسألة التي ناقشناها في هذا المقال تحت عنوان (العدو القريب والعدو البعيد) ويتحدث فيه عن أولوية محاربة الشعوب والانظمة العربية الكافرة قبل اليهود(اهل الذمة ) ويقدم لذلك مجموعة من المبررات ومنها :
1 – أن قتال العدو القريب أولى من العدو البعيد .
2_ أن الدماء التي قد تنزف في قتال اليهود ستعمل على تثبيت اركان الدول العربية الخارجة عن دين الله ( وهدم أركان هذه الدول الكافرة أولى برأيه من هدم أركان الدول الذمية ).
تبني الطرح السابق من قبل جماعات الاسلام السياسي ، ومنها جماعة الإخوان المسلمين ، هو أحد أبواب التقارب بين تلك الجماعات والغرب بشكل عام وخصوصا الولايات المتحدة ، التي تستقبل ذلك التبني بالترحيب كما رأينا في سياق ما يسمى بالربيع العربي لأن مخاطره تقتصر على الشعوب والأنظمة العربية التي تتحول إلى العدو الأول لدى تلك الجماعات.
التعليقات (0)