يبدو انه لن يمر وقت طويل حتى نشهد ولادة صنف جديد من صنوف القوات المسلحة العربية الا وهو سلاح القوات المدنية الموالية للنظام بصنفيه الهاتف والزاعق والمتقافز في الشوارع حمدا وتسبيحا وتغزلا بالحكم او المندفع المنفلت المهاجم والمنافح والمدافع بالبلطة والعصا عن بيضة السلطان..وقد نشهد قريبا جدا عملية تجنيد العتاولة والجناة والغوغاء كقوات حكومية توظف وتستثمرالانحطاط الخلقي الذي يتمتع به هؤلاء الحثالات كسلاح فعال في ارتكاب الموبقات والفظائع ضد الجماهير المناهضة للنظام..
فمن بين كل الدروس التي افرزتها الثورة المصرية المباركة يبدو ان زعماء الامة وقادتها لم يستوعبوا ولم يستحسنوا الا وقائع معركة الجمل التاريخية ..حيث تدل الوقائع اللاحقة على ان هذه الممارسة الخائبة قد تم تبنيها وتعميمها كستراتيجية هجومية فعالة تستهدف التجمعات المعارضة والاحتجاجات والاعتصامات الشعبية في العديد من البلدان دون ان يتحمل النظام وزرها..وان كان مع بعض التعديلات الضرورية التي تتطلبها الظروف المستحدثة ومن اهمها استبعاد الجمال والحمير والبغال لما كان لها من دور هائل في تشويه صورة النظام امام عدسات الاعلام العالمي واسقاط هيبته امام الجماهير الثائرة..
ان تكرار استهداف التجمعات الشعبية عن طريق استخدام رجال الامن او المليشيات التابعة لاحزاب –او بالاحرى حزب-السلطة مطعما بالعناصر القبلية او المجرمين الجنائيين..بالاضافة الى سياسة تفريغ السجون والاستعانة بنزلائها في احداث موجة من الترويع والارهاب تجاه الانتفاضات الشعبية.. يبين وبوضوح مدى الاحتقار الذي تكنه الانظمة الحاكمة تجاه الشعب الاعزل المسالم..ومدى استخفافها باللحمة الوطنية والخفة والرعونة التي تتعاطى بها مع المعطيات التي يمكن لها ان تدفع البلاد الى حافة الاقتتال الداخلي..كما يوضح بجلاء طبيعة هذه الانظمة الطفيلية وانفصالها الكامل عن الشعب وتقوتها على الازمات واختلاق التناقضات ما بين فئات وافراد المجتمع..
كما ان السهولةالتي ترافق عملية تجنيد وتجييش وتنظيم هذه المظاهرات المضادة تدل على وجود الكثير من الخيوط والقنوات التي تربط النظام بهذه الفئات مما قد يؤكد مصداقية الاتهامات التي تتحدث عن تساهل وتواطؤ النظام مع المجرمين الجنائيين وتوظيفهم كقوة ضاربة تجاه المعارضين السياسيين داخل السجون والمعتقلات وخارجها..وهو مما يثبت التركيبة الاجرامية للقوى الامنية المرتبطة بالمستويات العليا من النظام واساليبها الاقرب الى تقنيات عصابات الجريمة المنظمة منها الى كونها قوى وطنية تهدف الى الحفاظ على امن المواطن وسلامة ممتلكاته..
كما ان سياسة استعداء مجموعات فئوية او عرقية على اخرى هي مثال صارخ على التثقيف طويل المدى للمجتمع على ممارسات التنافس المحض المفتقر الى الوازع الاخلاقي من اجل الثروة والسلطة..واعلاء ثقافة القوة وثنائية الهيمنة والاخضاع والافراط في التقدير القيمي للانتماءات الخاصة لانتاج مواقف متعصبة متمحورة حول تراتبية زائفة تحكم التدافع الاجتماعي ويراد من خلالها تكريس التقاطعات بين اطياف المجتمع بما يخدم استمرارية النظام واختزال مفاهيم الدولة والحكومة والنظام في شخص او عائلة او انتماءات رأس النظام باعتباره المتحصل على الحقيقة المطلقة والخلاصة الكاملة لكل التقاليد والموروثات والنتيجة الطبيعية لحركة التاريخ..
ولكن نفس هذه السياسات هي التي اوصلت المواطن الى حالة من القناعة الكاملة بلا جدوى الحوار والمطالبات مع الحكم الاستبدادي وان التغيير لا يمكن ان يتم الا من خلال الثورة الشعبية واقتلاع النظام من مرتكزاته وإلقائه في مكب نفايات التاريخ ..فلقد حشرت هذه السياسات المواطن في زاوية لم يجد معها خيارا الا الخروج الى الشارع بعد ان ضاقت به الارض بما وسعت..ودفعته الى اعلاء النداء بالتقاطع مع النظم القمعية المستبدة من خلال انتفاضات شعبية تهدف الى اسقاطات المنظومات المستبدة والتحرر من اغلال الديكتاتورية والارتهان..
ان على الانظمة ان تعي ان سياساتها التي كانت تهدف من ورائها الى اطفاء جذوة الانتماء والكرامة الوطنية في نفوس وضمائر الشعب هي من اوصلتها الى هذه النتائج التي جعلتها في موقف المستجدي لايام وسويعات من حكم كان ممتد امامها لسنين..والاصرار على هذا النهج لا يبقى معه للنظام من سبيل الا الرحيل غير المأسوف عليه..فان عقارب الساعة لن تعود ابدا الى الوراء..وان الانظمة العربية الديكتاتورية قد اوصلت المواطن الى حالة يتساوى فيها الموت مع الحياة..والتقبل الممتن لكل التعرض القاسي للعصي والحجارة بالشوارع ..ولا يوم آخر يقضيه تحت الظلم والقمع والاستبداد..
التعليقات (0)