لابد وأن نقر جميعاً بأن السؤال لم يعد «هل سيضرب الغرب أيران أم لا ؟» ولكن السؤال الآن هو «متى سيضرب الغرب أيران ؟» .
أولاً وقبل كل شيء يجب التذكير هنا بأن الخبراء في الغرب والشرق، يعتقدون أن الوضع بعد الضربة الغربية المحتملة لأيران سيكون حرباً بكل ما للكلمة من معنى، وليس ضربة محدودة ستمر مرور الكرام كما بعد ضرب مفاعل تموز العراقي، أو المفاعل السوري في 2007، والله وحده يعلم السيناريو اللذي ستكون عليه هذه الحرب، خاصةً وأن التجربة السورية بينت بأن الوضع الدولي والأقليمي معقد حالياً الى درجة كبيرة، ويزيد التعقيد، حجم الجبهة المحتملة لهذه الحرب، واللتي تمتد من الحدود الفلسطينية مع لبنان وغزة، وحتى الحدود الباكستانية مروراً بلبنان والعراق وسوريا والجزيرة العربية بدولها السبع، وأفغانستان، ومياه الخليج، والمحيط الهندي، هذا أن لم تكن أوسع من ذلك.
اليوم وأمام جلسة استماع للجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس الأمريكي حول الوضع في سوريا، قال رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية ليون بانيتا "إنه يجري النظر في الخيار العسكري ضد سوريا،" لكنه اعترف بوجود فرص محدودة لاستخدام القوة العسكرية، وخصوصا الأمريكية، على الأرض. فما بالك بفرصة التدخل العسكري ضد دولة بحجم وظروف أيران اللتي لا تقارن بسوريا من جميع النواحي؟.
بانيتا نفسه توجه في وقت سابق الى الكيان الصهيوني في زيارة سرية للحصول على ضمانات بألا تفاجئ الحكومة الصهيونية إدارة الرئيس أوباما بهجوم من جانب واحد على ايران.
وفي مقال لصحيفة هآرتس الصهيونية ، كتب أحدهم اليوم «أن العديد من المراقبين يعتقدون أن العواقب المخيفة لهذا السيناريو ستدفع إسرائيل لاحتمال قبول أن تصل إيران الى «العتبة النووية» لكن شرط ألا تتجاوزها وتجري اختباراً لقنبلتها».
وفي وقت سابق من هذه السنة حذر تقرير وضعه "أنثوني كوردسمان" من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن، من أن من الممكن أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية لكن هذه العملية ستكون معقدة وبالغة الخطورة وليس هناك ما يضمن أن تحقق درجة كبيرة من النجاح".
وجاء كلام أوباما أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية المعروفة باسم "أيباك" في غاية التحفظ على أستخدام منطق الحرب على أيران، حيث قال فيه «إنه يفهم أن لا حكومة إسرائيلية تستطيع قبول امتلاك إيران لأسلحة نووية، لذلك فهو يفهم العبء الذي يثقل كاهل القادة الإسرائيليين، لكن وبسبب حساسية الموضوع يجب أن لا يكون هناك الكثير من الكلام "الفضفاض" عن الحرب، فقد انتفعت الحكومة الإيرانية بكلام مثل هذا أدى إلى رفع أسعار النفط» .
وفي المؤتمر الصحفي المشترك المثير للجدل مع نتنياهو، قال أوباما «اعلم ان كلا مني ورئيس الوزراء يفضل حل هذا الامر دبلوماسيا... ندرك تكاليف اي خيار عسكري»
كل ذلك يعني أن الولايات المتحدة مقدرة لحجم العواقب الدولية والأقليمية لضرب ايران حتى ولو تحت غطاء اممي. والأخبار من داخل الولايات المتحدة تقول بأن إيران تمتلك تجهيزات نووية متعددة، في أماكن إما مدفونة تحت الأرض، أو محاطة بسياجات صلبة، وثمة تقديرات لدى البنتاجون مفادها أن توجيه حملة جوية إسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، لن يعطل البرنامج النووي الإيراني سوى سنوات قليلة، وأن الضربة الإسرائيلية حال وقوعها ستؤدي إلى جعل الحكومة الإيرانية ضحية أمام الرأي العام الإيراني والعالمي، وهذا قد يفكك التحالف الدولي ضد إيران، وقد يلحق الضرر بنظام العقوبات، وسيجعل من السهل على طهران تشغيل برنامجها النووي بوتيرة أسرع، وبأريحية اكبر بعد ذلك.
طيب. ربما سيتسائل البعض الآن عن تناقض هذه الأحداث والتصريحات مع ما جاء في أول المقال من ان السؤال المطروح الآن هو "متى سيضرب الغرب أيران ؟" فكل ما سطرناه بعد ذلك يشي بأن الضربة الغربية لأيران لازالت بعيدة جداً، فعلام هذا التناقض؟ .
التناقض يأتي من أنك لو سألت أي شخص في العالم عمّن يحكم واشنطن، فسيقول لك "الأيباك" بدون تردد، وهذا ليس بسر ولا يحتاج الى أثبات، ففروض الطاعة والولاء اللتي يقدمها السيناتورات والأعيان والساسة الأمريكان تعرض يومياً على شاشات التلفزة، "والأيباك" هي مؤسسة متكفلة بجر وجبر الحكومات الأمريكية الى ما يراه الكيان الصهيوني ضرورياً من سياسات الحرب والسلام، و«ايباك» هذه تطرح حاليا مشروع قانون في مجلس الشيوخ يرفض كليا استراتيجية الاحتواء اللتي يتبناها أوباما في التعامل مع الملف النووي الايراني، كما كان نتنياهو واضحاً وضوح الشمس في استدراج غطاء اميركي «عاجلاً أم آجلاً» لاي خيار عسكري اسرائيلي قائلا في المؤتمر الصحفي أياه «قادة ايران يعلمون ان اميركا واسرائيل تدافعان عن مصالح مشتركة ويواجهان اعداء مشتركين».
واضاف مخاطبا اوباما «تعلم بالنسبة لهم انتم الشيطان الاكبر ونحن الشيطان الاصغر. بالنسبة لهم، نحن انتم وانتم نحن... وعلى الاقل في هذه النقطة الاخيرة، اعتقد انهم على حق».
وقال نتنياهو «يجب ان يكون لاسرائيل دائما القدرة على الدفاع عن نفسها بنفسها ضد اي تهديد وانه عندما يتعلق الامر بأمن اسرائيل لدى اسرائيل الحق السيادي باتخاذ قراراتها الخاصة» وختم قائلا «بعد كل شيء، الغرض الحقيقي من الدولة اليهودية استعادة سيطرة الشعب اليهودي على مصيرنا. ولهذا مسؤوليتي العليا كرئيس للوزراء هي ضمان ان تبقى اسرائيل سيدة على مصيرها» .وهنا كان واضحا مدى الضيق والحرج على تعابير وجه اوباما بعد هذا التصريح، فتفسير هذا الكلام يعني شيئاً واحداً هو «أن قرار الحرب بيد الكيان الصهيوني وحده، وأن حكومة نتنياهو قد قررت ضرب أيران، وبقي عليها فقط تحديد توقيت هذه الضربة اللذي لن يتجاوز الستة أشهر من الآن "وهو الموعد الصهيوني المزعوم لحصول ايران على القنبلة النووية"، والولايات المتحدة ليس لها ألا أن تساند الكيان الصهيوني بالسياسة والقوة العسكرية، حتى ولو كان ذلك ليس ما تريده .
كتب "آفي شلايم" في صحيفة الاندبندنت البريطانية. إن نتنياهو يقرأ التاريخ الإسرائيلي بطريقة انتقائية، وإن الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يترأسها هي حكومة تعصب قومي ، والأكثر رجعية وعنصرية في تاريخ إسرائيل، وهي تهدف إلى إعادة رسم حدود إسرائيل الكبرى. وأن نتنياهو، لا يؤمن بالتعايش،وأن التهديد الرئيس للسلام العالمي ليس مصدره إيران بل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأن سبب العداء العربي والإسلامي للولايات المتحدة هو القمع الإسرائيلي للفلسطينيين والتواطؤ الأمريكي. وباعتماد أسرائيل على القوة للسيطرة على شعب آخر، فإنها تخاطر بإمكانية الانحراف نحو الفاشية.
نحن نتفق مع هذا الكاتب اليهودي الشريف في ما ذهب اليه، ألا أننا يجب أن نذكره بأن الصهيونية كلها بجميع أجنحتها المتشددة وغير المتشددة هي حركة ومنظمة تفوق النازية بمراحل في فاشيتها وعنصريتها، وهذا ما سيجعلها تجر العالم الى حرب قد تكون نتيجتها محسومة لصالح الكيان الصهيوني والغرب بنسبة كبيرة ، ألا ان الجميع يتفق بأن نيرانها ستكون حارقة للجميع، وأول من ستحرقهم النار هم العرب عامة. ودول الخليج "بلا أستثناء"خاصةً ، وهي اللتي تستضيف مراكز قيادة عسكرية وقواعد جوية وبحرية أمريكية وغربية، وترتبط بمعاهدات دفاع مشترك مع الغرب تفرض عليها ألتزامات غير قابلة للمساومة، لتسهيل وتموين الأساطيل البحرية والجوية الغربية، وأولها الأمريكية، وهذه الألتزامات تعتبر أعمال عدائية ضد أيران وفق القانون الدولي، فماذا نحن فاعلون؟.
http://www.haaretz.com/weekend/week-s-end/netanyahu-faces-a-tough-decision-should
-obama-not-give-him-a-green-light-on-iran-1.416061
http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2012/3/721161.html
http://www.bbc.co.uk/arabic/inthepress/2012/03/120304_in_the_press_on_monday.shtml
التعليقات (0)