الازمة الاخيرة التي نشبت على خلفية إعتقال مجموعة من أهالي الانبار على خلفية تورطهم بقضية النخيب المتعلقة بقتل 22 مسافرا معظمهم من سکان کربلاء، أعادت الاضواء من جديد الى مشکلة الاحتقان الطائفي في العراق و حقيقة أنه يشکل برميل بارود قد ينفجر في أية لحظة و لأسباب قد تکون غير مهمة او حيوية.
قضية النخيب، التي بات المسؤولون العراقيون"يتنافخون"و"يتمتخترون"بحلها و معالجتها بطريقة مثالية، هي في واقع الامر إنعکاس فعلي و منطقي للفسيفساء السياسية التي تکونت بعد سقوط نظام البعث الشمولي في عام 2003، إذ ان الترکة الثقيلة جدا التي خلفها البعث من خلفه، قد قادت لجملة أسباب و عوامل متباينة أهمها التدخل الايراني غير المحدود في الشأن العراقي، الى بناء نظام سياسي توافقي مبني على أسس عرقية و طائفية و دينية يتميز بظاهرة الشد و الجذب من قبل معظم الاطراف الدولية و الاقليمية و على رأسها الولايات المتحدة الامريکية و النظام الديني المتطرف في إيران.
ان قضية البخيت، هي قضية عادية بل و أکثر من عادية من الممکن جدا أن تتکرر لأکثر من مرة و في أکثر من ظرف و مناسبة طالما ان الارضية المناسبة مهيأة لها، ولاسيما وان الدولة العراقية الجديدة قد بنيت من أساسها وفق سياق عرقي ـ طائفي ـ ديني محض وليس وفق مقومات و رکائز وطنية وهو مايمهد و بسهولة للعوامل المؤدية للإقتحان الطائفي و توفير الارضية المناسبة للمواجهة و التطاحن، وهنا لسنا نضرب في التخت رملا، لأن کل عراقي(سنيا کان أم شيعيا، کورديا کان أم عربيا، ترکمانيا کان أم کلدوآشوريا)، فهو يحمل في عقله الباطن خزين"فکري ـ إجتماعي"ليس من السهل مسحه او إقصائه لأسباب عرضية او تلقائية، وانما هذا الخزين الذي ينام بهدوء داخل وجدان و روح کل عراقي قابل للإيقاظ و الفوران في أية لحظة، شاعر کبير مثل مظفر النواب الذي هو شيعي الاصل، رغم کونه مارکسيا ـ لينينيا في تفکيره، فإنه في شعره يجسد ذلك الخزين الذي يعتمر في أعماقه عندما يقول:( أنبيك عليا زعيم الثوار مازالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها و تراك زعيما للسوقية)، فيما نجد رئيس الجمهورية عبدالسلام عارف بحد ذاته لايتورع هو الاخر من إستخدام ألفاظ و تعابير طائفية بحيث أنه و عندما قتل في حادثة سقوط مروحيته بمنطقة الجفير بالبصرة، دفعت أهالي مناطق جنوب العراق ذات الکثافة الشيعية الى إطلاق مقولتها التهکمية المشهورة ضده(صعد لحم نزل فحم)، والحق أن مرور الزمن و کل الظروف و العوامل السياسية لم تساعد لحد الان على خلق مناخات و جواء تمهد لولادة شخصية وطنية عراقية تتمسك بثوابتها الاهم و ليس بخزينها المهم، بل وان الندائات المخلصة التي تطلقها شخصيات وطنية و ثقافية لخلق مساحة مناسبة بين المسألة الطائفية و الانتماء للوطن، مازالت تصطدم بحواجز و عقب کأداء من هنا و هناك، حتى يکاد الامر يصل الى حد حاجة العراق الماسة لشخصية وطنية مثالية کغاندي او ابراهام لنکولن للخروج من هذه المحنة الحالية، وهو أمر للأسف مازال لحد هذه اللحظة بعيد المنال!
التعليقات (0)