من أجل ماذا تكون الثورة إن لم تكن من أجل الحرية, والعدالة الاجتماعية, والمساواة, والأخوة, والديمقراطية, والكرامة الإنسانية؟. إن لم تكن من اجل هذا هل يمكن نعتها بالثورة؟. هل هي جديرة باسمها إن كانت من أجل إصلاحات شكلية في نظم استبداديه وإرهابية وبمفاهيم قرون اوسطية ؟. هل هي ثورة ان حاولت الدخول في مصالحات وتسويات بين ثوار وبين اشخاص تعفنوا في النظام الذي قام الثوار للإطاحة الكاملة به؟. هل هي من الثورة في شيء ان اتبعت في اساليب تحقيقها اساليب سلطة الطغيان والقتل وخرق حقوق الإنسان ؟.
اسئلة موجهة للثوار, وللثائرين من أجل ثورة حقيقية, وموجهة لمن بدؤوا يفقدون المعاني النبيلة للثورة. ولمن بدءوا يقدمون انفسهم على انهم وحدهم صناع ثورة. وموجهة لمن تقطعت بهم السبل على طرق ومفاهيم ودروب الثورة فظلوا , أو كادوا , اساليب الوصول للثورة وأخلاقياتها وقيمها.
اسئلة أخرى موجهة لمن لم يدّعوا يوما بان لهم علاقة بشيء اسمه ثورة, او آمنوا بهذا الغريب الدخيل على السياسة وعلى الفكر وعلى الاخلاق الراسخة للأعماق في تكوينهم. يرون ان الحوار للتغير و التعديل والإصلاح والتسويات, يصلح في كل زمان ومكان, ومع كل حاكم ولو كان طاغية اغتصب الحكم اساسا بطرق غير شرعية, وجعل من نفسه دولة لما لم يعد يصح فيها فعليا لقب دولة.
لماذا اصراركم أيها السادة الكرام ــ وخاصة منكم من يحمل فكرا ماركسيا, ينبذه اليوم في قرننا الحالي المرحوم ماركس نفسه لو بُعث حيا ويفعل مثله دون تردد لينين العظيم ــ على ان بعد المرحومين المذكورين لم يعد هناك من هم اهل لقيادة وصنع دول بطرق الثورات ؟. وان الظروف لم تعد موضوعية لقيام اية ثورة بحيث اصبح هذا كاجتراح المعجزات, خاصة في غياب القوة المادية والمعنوية للرفاق والرفاق, والمتحدين مع الرفاق؟. ولماذا أيها السادة القوميون والتقدميون واليساريون بأنواعكم لا ترون في سوريا والى اليوم, يوم القتل والنحر, امكانية الثورة في غير سوريا, ولا ترونها مقبولة أو ممكنة في سوريا الممانعة والمقاومة العنيدة للامبريالية والصهيونية, مع ايران بطبيعة الحال, وان حصلت فهي ثورة مضادة. وقد تكون وهابية او قاعدية او اخوانية ارهابية مسلمة, وكل هؤلاء لا يشبهون في شيء في فكرهم السياسي الفكر السياسي التقدمي للجمهورية الاسلامية الايرانية.
هل كان احد منكم أيها السادة بتياراتكم المتعددة, المشار لبعضها أعلاه, يرى في الامس القريب جدا في وجوه طغاة رحلوا بفعل الثورات في تونس ومصر واليمن وليبيا , سمات إصلاحات وإصلاحيين, ويرى فيهم امكانيات تعديلات ديمقراطية تعيد الامور الى نصابها دون حاجة لتغيير ثوري؟. هل كان البعض منكم, حتى لا نقول غالبيتكم, ويرى أي شيء يشير لوجود أصول بشرية, ولو خفية, حتى يمكن ان تتفاءلوا يوما بتغيرات تنتفي معها الحاجة لأية ثورة؟. هل ان كان ذلك مستحيل هناك هو ممكن وغير مستحيل في وجوه طغاة سوريا ؟.
هل كان , على سبيل المثال لا الحصر, من رأى منكم القذافي خارجا من مخبأه في طرابلس يلّوح في ساعاته ما قبل الاخيرة كالبهلوان بكلتا يديه بإشارات النصر, النصر على شعبه وعلى نجاحه في تدمير وطنه, يرى فيه حس الإنسانية أو بعض من كرامة أو مسؤولية, أو إمارات رشد ورشاد؟. هل من يرى اليوم في ابنه السوري بالتبني ــ كما كان يسميه القذافي الزعيم الاخرق ــ وهو يدمر دولة اسمها سوريا ذات التاريخ العريق الأصيل والحضارة الانسانية, وشعب سوريا بوسائل وطرق اكثر وحشية وعدوانية واجرامية, هل من رأى ويرى هذين "الزعيمين" يقتنع بأنها قابلان للحوار والإصلاح ولا يستحقان ثورة تطيح بهما جذريا؟.
هل لأحد ان لم يكن مجرما اخرقا ان يفعل ما فعله ويفعله هذين الاخرقين ؟. هل يمكن لاحد غير اخرق ان يتصور ان يفعل هذين الاخرقين الطاغيتين غير ما فعلاه؟. هل لأحد غير اخرق كان يمكنه ان يتصور انهما قد يفعلا فعل رجال دولة عندما يحسا بأزمة سياسية في الدولة فيفعلا , من باب المسؤولية والعقلانية والوطنية , ما فعله الفرنسي ديغول في اوج عزه اثر أحداث شهر ماي 1968 فاستقال من تلقاء نفسه وبنفسه عندما جاءت نتائج استفتاء شعبي لغير صالحه, استفتاء غير ملزم له بالاستقالة حسب الدستور الفرنسي . استقال الرجل لأنه رجل ولأنه ديغول. انسحب من الحياة السياسية محرر فرنسا وباني جمهوريتها الخامسة التي يراها فوق الجميع بمن فيهم هو نفسه , من تلقاء نفسه ودون أن يخبر أحدا. رحل الرجل تحت دهشة وحزن الفرنسيين وأسفهم. لم يتخل ديغول عن فرنسا التي لم يكن يراها الا عظيمة لأنه يعلم ان فيها ألف والف ديغول. قد لا يساوي الجنرال ديغول مرتبة ومكانة العقيد القذافي لذلك لم يفكر هذا الاخير بالرحيل ولم يرحل اخيرا إلا على قفاه. ولا يساوى الجنرال ديغول قيم وعبقرية المشير بشار الاسد العسكرية والمدنية ومواهبه السياسية , ولم يكن ديغول دكتورا كالأسد (مربع الكارات) مع حفظ غير ذلك من الألقاب, لماذا اذن عليه ان يرحل او يفكر بالرحيل. ولماذا على من ذكرنا من السادة اعلاه المؤمنين عميقا بالإصلاح الحواري يقبلون بثورة ضده, ويطالبونه, بعد كل شيء, بالرحيل حتى على غير قفاه؟.
الثورة ايها السادة حين تقوم لا تستشيركم و لا تسألكم عن خبراتكم السياسية والفكرية والعلمية والفلسفية وقراءتكم التاريخية في علوم الثورات. الثورة قد يبدأ بها اطفال لا يدعون شيئا من هذه المعارف وحتى قد لا يجيدون اصول القراءة, اطفال كأطفال حوران وبكلمات بسيطة تكتب على الجدران" الشعب يريد اسقاط النظام. يدركو ن حسيا ما يريده الشعب دون ان يتعمقوا في البحوث والقراءات يدركون ان ما يريده الشعب في مثل دولتهم لا يكون الا بإسقاط النظام بثورة ضد مثل هذا النظام. الامور هنا أيها السادة لا تحتاج على ما نعتقد لعميق فلسفة .
كان عليكم, وما زال, ايها السادة ان تدركوا, (وتنشقوا في وقت مازال مقبول فيه الانشقاق) ان الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تأتي إصلاحا وتعديلات خادعة ومراوغة من قبل طغاة. لا تأتي دون ثورة جذرية على نظم سياسية استبدادية جعلت الطغيان والقتل والإرهاب والفساد والإفساد ادوات ووسائل سياسية.
كان عليكم وما زال ان تعلموا ان مفجري الثورة السورية هم الشباب, تجاوزكم عمبقا وبعيدا الشباب, فهم الى كونهم الحاضر والمستقبل المشرق وانتم الماضي المظلم. بسواعدهم الفتية ستُبنى دول فتية عصرية. ولان روح الشباب رياضية لا تقوم على الحقد والمراوغة والكراهية, ولأنها عصرية, ولأن العصر عصر الكمبيوتر والحاسبات الآلية والالكترونية والاتصالات والتكنولوجيا والتقنيات, ولان عقولهم متفتحة وقادرة على الاستيعاب, فهم الأقدر على الفهم وعلى البناء, والأجدر بان يعيشوا عصرهم بمفاهيم عصرهم, فهلا تواضعتم وجعلتم كتبكم المرصعة في ادراج مكاتبكم غير قابلة للفتح ان كنتم مصرين على الاحتفاظ بها لتجميل المكان.
الحرية والديمقراطية مطالب الشباب, ومنها تأخذ حركاتهم اسم الثورة, لأنها انقلاب كامل على الاستبداد الذي جاء بفعل الطغاة الذين ترفضون التخلي عنهم بتغيير جذرية تسمى ثورة.
وأخيرا لا بد من القول على ان الخوف على الثورة بعد التضحيات الكبيرة ليس من النظام الذي سيصبح في القريب العاجل بائدا , ولا من الديناصورات المشتغلة في السياسة والفكر السياسي الماركسي والقومي والشيوعي والتقدمي واليساري, فهذه يسقطها واقع الثورة.
الخوف الحقيقي على الثورة من الثوار انفسهم ان لم يجعلوها من اجل كنس الطغيان وأعوانه وسماسرته. وإن لم يجعلوها من اجل بناء دولة الحق والقانون والديمقراطية وحقوق الانسان عليهم عندها تسميتها بغير اسم ثورة, وما أكثر الأسماء.
د.هايل نصر.
التعليقات (0)