يقول ألبير کامو:( المشاعر العميقة، کالاعمال العظيمة، تعني دائما اکثر ماتدرك قوله)، والمشاعر العميقة بهذا المغزى و البعد الفلسفي ، ليست هي مجرد مشاعر عادية يرتجلها أحدهم في لحظة إنفعال او تأثر عاطفي وانما هي وليدة تراکمات و تداعيات تسبر غور الانسان و تقوده الى مفترق يطرح فيها و بشفافية متناهية شيئا من ماهيته الانسانية، وقطعا أن تلك المشاعر العميقة نجدها متجسدة في نماذج تأريخية عديدة، نظير مارك أنطونيو عندما رثى يوليوس قيصر وهو يحمل جثته الضرجة بالدماء بعد أن أغتيل عقب تلك المؤامرة المشهورة في مجلس الشيوخ بروما، إذ أن مرثية الرجل لقائده و صديقه الحميم لکونها کانت تنبع بصورة لاأرادية من أعماقه، قد کانت من القوة و البراعة في کلماتها و تعابيرها و صياغتها بحيث أنها تمکنت من مسح تلك الخطبة الرنانة الطنانة التي ألقاها بروتس نيابة عن المتئامرين والتي کانت موجهة بصورة إنتقائية محددة و وجدت الجماهير الغفيرة الحقيقة و قبل ذلك نفسها بين کلمات مارك أنطونيو ولذلك إندفعت هائجة مائجة بوجه المتئامرين الذين لاذوا بالفرار.
المشاعر العميقة، التي هي موجودة في أغوار کل انسان صادق مع نفسه، تنتظر دوما فرصتها المواتية المناسبة لکي تنساب کنبع رقراق صاف فتأخذ لب المتلقي و تؤدي الغرض المرجو"غير المقصود منها جبرا او عمدا" على أتم وجه و صورة، لکن الشرط الاهم و الاکبر هو صدق السريرة و خلوص النية وبعدها عن الزيف و التدليس، لکن، وعندما يعلن رئيس يعاني من مرض الرئاسة المزمن، بأنه لن يرشح نفسه للأنتخابات الفلانية بصورة توحي وکأنه يتکلم بوحي من مشاعره العميقة و النقية، لکنه يعود ليؤکد بأنه مضطر لترشيح نفسه(نزولا للطلب المتزايد عليه في سوق الرئاسة ببلاده)، وقطعا بأن کلام هذا الرئيس هو أبعد مايکون عن المشاعر العميقة وانما يصح أيضا الجزم بأنها تمثل الجانب المناقض و المخالف لها تماما.
وقبل فترة قصيرة، خرج زعيم تيار ديني، ليعلن عبر برنامج تلفزيوني بأنه سيعتکف للدراسة طالبا من الشعب(إعطائه فرصة مثلما أعطاهم فرصة) لأنه کما ذکر(أعطى خمسة سنوات من عمره للشعب)، وکأن الشعب قد أجبره قسرا على هدر تلك السنوات الثمينة من عمره في سبيله، لکنه إستطرد بأن الغرض من إعتکافه هو لکي يصبح بعد إکماله للدراسة"مجتهدا"(ومن لايريدني مجتهدا؟)موضحا بأنه يفيد المجتمع أکثر لو صار مجتهدا لکنه أکد في نفس الوقت بأنه سيبقى"يمارس القيادة"رغم إعتکافه الدراسي، والحق أن الحديث الذي کان"ذو شجون تناقضية صارخة" و حفل بإستخدام تعابير و مصطلحات غريبة من نوعها على طريقة مات الملك عاش الملك او"بعد جهد جهيد فسر الماء بالماء"، والانکى من کل ذلك أنه في الوقت الذي يشارك في العملية السياسية بوزراء و يتدخل بالتفاصيل المتعلقة بذلك، يعلن تإييده لتحرير العراق بل ويعلن دعمه الصريح للمقاومة العراقية!!
واحبذ قبل إختتام المقال الاعتذار للمفکر الفرنسي الراحل الذي بدأت الحديث بمقولة رائعة له، بأن أسمح لنفسي کي أقوم بثمة تحوير فيها أجده ضروريا لإستيعاب الحالة المعاکسة إذ أن(المشاعر السطحية، کالاعمال غير المجدية و العبثية، تعني دائما کلاما سفسطائيا غوغائيا أصغر و أقل شأنا من الواقع).
التعليقات (0)