قبل فترة قصيرة، طالبت إيطاليا بوقف العمليات العسكرية في ليبيا، فرُفض طلبها من قِبل فرنسا وألمانيا، بحجة أن أي إيقاف للعمليات العسكرية في الوقت الرّاهن، من شأنه أن يقوّي شوكة العقيد المجنون، ويمنحه الوقت لإعادة ترتيب أوراقه وتنظيم صفوف قواته !.. واليوم، يطل وزير الدفاع الفرنسي عبر وسائل الإعلام، ويصرّح بأن فرنسا قد توقف عملياتها في ليبيا ؟!..
إنسحاب فرنسا في هذا الوقت، وبعد تداول الأخبار عن سيطرة المعارضة على نصف مساحة ليبيا، ووصول قواتها إلى مشارف العاصمة طرابلس، يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات، أهمها ما الذي حصل وجعلها تغير موقفها هكذا فاجأة ـ من وقف العمليات العسكرية ـ من الرفض إلى القبول ؟!.. هل هو عجزها ـ هي وحلفاؤها ـ عن إختراق دفاعات القذافي ؟!.. هل هو صمود الطاغية فعلا من قلعة صموده بطرابلس، هو ما جعل كيد المعتدين في نحورهم، وجعلهم يتقهقرون وتتراخى قواهم ويتراجعون ؟!.. وهل هو ما بعث فيه الأمل والحياة وجعله ينتفض من تحت الأنقاض، ويُصعّد من لهجته بعدما كادت نفسه تزهق، وكاد صوته ينطفئ ؟!.. وقد بدى في تسجيلاته الصوتية التي بثتها قنواته الفضائية مؤخرا، واثقا وقويا أكثر مما كان عليه خلال الأربعة أشهر الماضية من عمر أزمته، ومحنة شعبه !.. وعاد لخلده حلم الفتوحات، فعاد يهدد بغزو أوروبا وبفتح الأندلس ؟!..
لكن لو كان العجز العسكري هو الدافع وراء إنسحاب فرنسا، فلماذا أقدمت على مدّ المعارضة الليبية بالأسلحة منذ وقت قريب فقط ؟!.. لاشك أن للأمر علاقة بعمولة كبيرة تلقتها حكومة ساركوزي لقاء وقف عدوانها على ليبيا ؟!.. فحتى الحجة التي قدّمها وزير الدفاع الفرنسي لإنسحاب بلاده من (الحملة الصليبية، على حد تعبير الديكتاتور المجنون)، هي أن الفرقاء الليبيين إختاروا الحوار كحل لأزمتهم ؟!.. رغم أن الواقع على الأرض يقول أن المجلس الإنتقالي يرفض مبدأ التحاور (مع / برعاية) القذافي تماما، ولا مجال للنقاش على ضرورة رحيله عن السلطة !.. والقذافي يعتبر أعضاء المجلس الإنتقالي خونة وعملاء وجرذان، ويقوم بتعبئة أنصاره ضدهم ويدعوهم لمطاردتهم وقتلهم ؟!.. فمن سيحاور من ؟.. وعلى ماذا سيتحاور الطرفان ماداما رافضين تماما لوجود وتواجد بعضهما على أرض ليبيا الواحدة ؟!..
القذافي الذي بدأ بقمع المتظاهرين ـ الذين بدأوا مظاهراتهم سلميا ـ بالرّاجمات والصواريخ والطائرات، كان من الممكن أن يعيد الأمور إلى نصابها في بداياتها، ويعيد بسط سيطرته على شعبه بقوة السلاح، لولا تدخل حلف الناتو !.. رغم أن تدخل الناتو في ليبيا ظل جدلية !.. فمن جهة كان تدخله حتميا من منظور إنساني، لوقف مجازر السّفاح ضد شعبه، ومن جهة أخرى يُعتبر تدخله غزوا هدّاما على المدى المنظور، لايختلف عن غزو العراق وأفغانستان، وخصوصا بعدما إرتفع معدل إستهدافه للمدنيين ؟!..
الحرية لها ثمنها، وهذا ما يجب على الشعب الليبي أن يفهمه، حتى يتحرّر من الوصاية الغربية قبل فوات الأوان، وعليه أن يستوعب مبكرا أن كل شعب منتفض في وجه الظلم والإضطهاد والإستبداد، يقاوم جلاّديه أعزلا، ويدفع بعشرات المواطنين القتلى والجرحى والمعتقلين يوميا ثمنا لثورته، ويعاني الأمرّين لكنه في النهاية ينتصر .. فلماذا يستعين هو إستثناءا بالغرب لإسقاط نظامه ؟!..
فعلا هي محنة المطرقة والسندان، تلك التي يعيشها الشعب الليبي، مطرقة الطاغية وسندان القوات الغربية، فأين المخرج ؟.. وكيف السبيل إلى الحرية والعيش الكريم دُلني ؟!..
11 . 07 . 2011
التعليقات (0)