عندما أسمع من يكتب ويتكلم عن الفدرالية أتساءل هل ليبيا تنقسم ألى مناطق مختلفة يسكنها أقوام يختلفون بعضهم عن بعض ؟ أو أن ما نسمع هي اصوات لأناس أصحاب مصالح أو يحلمون بجني الثمار يرفعون الشعارات ويهددون من يعارضهم زنقة زنفة إذاطالبوا بالوحدة . لقد ولدت في مصراتة وأحببتها ولا زلت أحبها وأفتخر بها رغم أني لم أرا ها منذ ٤٥ عاما . وعشت في طرابلس وأحببتها ولم أشعر أني غريب عنها وأصبحت أفتخر أني من طرابلس لا اختلف عن ولد المدينة في شئ . وعشت في بنغازي ووجدت فيها أهلي وعشيرتي وشعرت كأني في مصراتة او طرابلس . وأذكر أني حضرت في سنة ١٩٦٤ حفلة غذاء أقامها كوافي بنغازي للسيد محمود المنتصر رئيس الوزراء أنذاك ووجدت مئات الضيوف وعندما سألت عنهم قالوا لي إن هؤلاء بعض من كوافي بنغازي ( فهم من قبيلتي في مصراتة ) فقلت لا أعتقد أن قبيلة الكوافي في مصراتة فيها هذا العدد الكثيرمن الناس. وقال لي رجل عجوز منهم لماذا تستغرب جدك الأول الحاج مصطفى المنتصر كان من مشايخ كوافي بنغازى وكان تاجرا وأمتلك سوق الظلام وما حوله من بيوت وسواني منها سواني هوا بوموسى وغيرها وهي لا زالت مملوكة لكم رغم أن سوق الظلام هدمه القذافي كعادته في إلغاء معالم ليبيا والورثة أصبحوا عشرات ولم يعد أحد يتابعها . وعشت في البيضاء حوالي ثماني سنوات وملكتني الحكومة قطعة أرض أسوة بباقي الموظفين لبناء سكن عليها ولا اعرف مصيرها واخذ بيتي الذي كنت أسكنه في البيضاء يوم الاول من ستمبر بما فيه من أثات وملابسي الخاصة ، وقد كنت مهمة في طرابلس لهذا كان نصيبي سجن بورتا بينيتو .وقابلت الكثيرين اثناء عملي في البيضاء من المستشارين ورجال القبائل وكانوا يدخلون مكتبي دون إسئد ان كأننا عائلة واحدة . والغريب أني شعرت كأني أبنهم وقال لي بعضهم( انت ًصغير في السن سنوسي كبير فيى المقام ) ونحن في برقة نعرف عائلتكم التي إرتطبتت بالسنوسية وبرقة منذ قدوم الأمام محمد علي السنوسي الاول الى ليبيا وكرمتوه قبل مجيًئه الى برقة ومنذ ذلك التاريخ وأنتم جزء منا ونحن جزء منكم . هذه قصتي وهي قصة آلاف الليبيين مثلي الذين لا يعرفون من أي مدينة ليبية جاءوا بعضهم ولد أو هاجر من مصراتة أو ورفلة أو تاجوراء بالالاف الى بنغازي أو درنة وطبرق وأصبحوا منها . وغيرهم هاجر من بنغازي وفزان وسكن طرابلس أجيالا بعد أجيال تناسبوا وتناسلوا ولم يعد أحد يذكر أصله سوي الهوية العائلية . يقول البعض اليوم إن السيد محمود جبريل ورفلي صحيح هو أصله من هناك لكنه لا يعرف عن ورفلة شيئا فقد درس وعاش هو وعائلته في بنغازي وهو إبن بنغازي وكذلك السيد على الترهوني لا يعرف عن ترهونه سوى إسمه منها قيل ولد في درنة وعاش في بنغازي . ولو نظرنا إلى قائمة أعضاء المؤتمر الوطني الجدد من طرابلس لوجدنا منهم قلة أصولهم من طرابلس المدينة وكذلك الحال في بنغازي ودرنة . الشعب الليبي شعب صغير يعرف بعضهم بعضا وتربطهم صلة القرابة والتاريخ ومعايشة بعضهم لبعض . والغريب أن نسمع اليوم من يقول هذا برقا وي وهذا طرابلسي وهذا فزاني كلهم ليبيون ولا يعرف أي ليبي لأي مدينة أو منطقة ينتمي غير المكان الذي يعيش فيه ويكسب فيه رزقه . أليس من العار أن نجد بعض الناس اليوم يحاولون تقسيمنا الى ولايات ودول وفدرالية لم تخلق لنا ، كفانا بهتانا وكذبا . نحن كعرب طلاب وحدة عربية كاملة ، وقد تأخر تحقيقها لظروف نعرفها كلنا . لقد حاول الأستعمار تقسيم العالم العربي إلى دول دون إعتبار جغرافي أو بشري . وقبلنا نحن العرب المكيدة وأصبحنا ننادي أنفسنا بأنا عراقي وأنا مصري وأنا ليبي وأنا مغربي وانا كردي وأنا أمازيغي وأنا قبطي وأنا شيعي وأنا سني .في أوربا ينقسمون الى العديد من السلالات والأديان ولا تسطيع أن تفرق الأنجليزي من البرتستانتي من الكاتلوكي أو اليهودي أو إنجليزي من ويلز أو من أسكتلندا أو من إيرلندا . هذه المعلومات ممنوع تدوينها في وثيقة رسمية ورفض البرلمان البريطاني إصدار بطاقات شخصية حتى لا يميز أحد عن الأخر . وكذلك أوربا من دول عدوة تحارب بعضها البعض اصبحت تتحد في إتحادات تهدف ألى وحدة كاملة . لقد سلك الأستعمار الغربي وخاصة البريطاني أسلوبا خبيثا مخططا فقسم أفريقيا الى قطع ارض سماها دولا ، وكل قطعة أرض قسمها ولايات كما حصل في أمريكا وكندا قبل إستقلالها ووحدتها . أو ألى مقاطعات منفصلة كنيجيريا والسودان في معظم الدول الأفربقية والمناطق الأخرى . بل أكثر من هذا منطقة الخليج العربي كانت متصرفية تابعة لقائمقام البصرة العثماني قسمت الى خمس أو ست دول والأمارات أصبحت سبعة مشيخات . ولما جاءوا الى ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية قسموها إلى ثلات مناطق بمسطرة وقلم رصاص ووضعوها تحت إدارات عسكرية مختلفة ، لها حدود وهوية وعملة مختلفة ، ومناهج دراسية مختلفة ، وحتى حكومات ووزراء لها. ولما تقرر إستقلال ليبيا وجد الأستعمار في الفدرالية ما يبرر وجودهم وسيطرتهم الأستعمارية بطريقة فرق تسد وصدقهم بعضنا ولم يكن هناك مواطن ليبي واحد يعرف معنى الفدرالية لما إستقلت ليبيا . ولكن يعد تجارب ومشاكل جعلت من بعض الليبيين أعداء لبعضهم البعض فتنافسوا على الثروة وأختلفوا في أعداد برلمج التنمية وفشلوا في خلق إدارة متقدمة. وحتى لما اعلنت الوحدة سنة 1963 بقت رواسبها مما حالت قيام وحدة حقيقية وكان الثمن غاليا 42 عاما تحت طاغية لا يعرف أصله مكنه الأستعمار ومخابراته من السلطة على بلاد منقسمة على نفسها إدارة وجيشا وقوات أمن . واليوم يحاول البعض تقسيم ليبيا وتفتيتها كما جرى تفتيت العراق ويجري الأن تفتيت سوريا واليمن والمغرب . وهذه الفترة تحتاج ألى دراسة ليعرف شبابنا ما هي الفدرالية التي ينادي بها البعض ويصورونها فردوسا للاجيال التي لم تعرفها ويصدقهم البعض عن حسن نية . هل ثار الشعب الليبي ليعود إلى ما كان عليه بعد الأستقلال ايام الفدرالية ، أو ليستفيد من الخبرات التي مر بها ويبني دولته الديمقراطية المدنية الموحدة . الجواب متروك للشعب وللمؤتمر العام ووفق الله الجميع .
التعليقات (0)