ليبيا مليشيات متعددة
بلغ عدد المليشيات المسلحة بليبيا ما بعد الرابع عشر من فبراير أكثر من الف وسبع مائة مليشيا مسلحة منتشرة على التراب الليبي الذي لم يٌكتب له حتى الآن التخلص من عقد الماضي والإتجاه نحو المدنية ومأسسة الدولة "دولة المؤسسات", فليبيا جزء من العالم العربي وبالتالي فإنها ستبقى أسيرة لتراكمات الماضي العصبية والعنصرية والطائفية والمذهبية طالما بقيت تعيش في أحضان التاريخ والطموحات الفئوية الضيقة وطالما بقي عقلائها أو من نظن بهم عقلاء على رصيف عدم التدخل لإنتشال ليبيا من ذلك الحضن النتن "حضن التاريخ القديم والطموحات الفئوية الضيقة بتفريعاتها المختلفة" فالعقلاء أو من نظن أنهم عقلاء حتى هذه اللحظة تركوا الحكومة الليبية وبرلمانها اليتيم بوجه المليشيات المسلحة وكأن ليبيا ليست بحاجة لتدخل الحكماء والعقلاء وأهل الرأي وقادة الأحزاب والقوى الوطنية المختلفة , مواجهات مستعرة بين الحكومة ومؤسسة البرلمان من طرف والمليشيات المسلحة من طرف أخر ولعل قرار حل المليشيات الصادر من البرلمان قرار أتى متأخراً لكنه يعد إختبار حقيقي لقوة الدولة ومؤسساتها وإختبار حقيقي لتلك المليشيات إما أن تختار طريق الوطنية والتحول المدني أو أنها ستبقى بالظلام تسعى لنشر الخراب والدمار ولا مناص من مواجهتها بقوة عسكرية مسلحة ولعل طلب الحكومة الليبية من الأمم المتحدة التدخل لحماية مؤسسات الدولة والمدنيين يصب في إتجاه إحتمالية دخول قوات دولية وعربية مشتركة لتطهير ليبيا من تلك المليشيات التي هي سبب تخبط ليبيا ودورانها بفلك الدموية والإقتتال المنظم الغير مبرر وهنا كارثة كبرى " التدخل الأجنبي والعربي العسكري المرتقب " فالتدخل سيزيد من حالة الإحتقان العربي وسيزيد من العنف المنتشر على طول الشريط العربي من محيطة إلى خليجة فالكارثة ستكون كبيرة والثمن أكبر لذلك التدخل الذي يلقى التأييد من قبل أطراف ليبية وعربية ويلقى معارضة من أطراف ليبية وعربية وهنا تبرز إشكالية ضياع ليبيا بين مقرارات دولية شرعنت التدخل العسكري الخارجي أبان إنطلاق الثورة وبين صمت عربي رسمي أنشغل بملفات متعددة وشائكة والكرة بملعب الليبيين أنفسهم وبملعب المليشيات التي يترقب المواطن الليبي والعربي موافقتها الفعلية على قرار الحل لتجنب ليبيا مزالق خطيرة باهظة التكاليف !! من حفتر وحتى كتائب أنصار الشريعة مروراً بكتائب الرابع عشر من فبراير تاريخ إنطلاق الثورة ضد نظام معمر الإستبدادي ووصولاً لكتائب مصراته والزاوية وغرف عمليات الثوار ودرع ليبيا الخ مليشيات متنوعة في العداد مختلفة في الأدلوجيا والتوجه , ما بين مليشيات وكتائب ذات توجهات إسلاموية "إسلام سياسي" وأخرى ذات توجهات مدنية ووطنية وأخرى ذات مبدأ مع من غلب يقف المواطن الليبي على قدمية واضعاً يديه على رأسه يترقب الموقف الذي مر عليه قرابة الثلاث سنوات دون إستقرار شامل , فالساسة منقسمون حول ملفات متعددة لعل أبرزها ملف المليشيات , والمليشيات تتصارع فيما بينها تارة وتتحالف لمواجهة الدولة تارة أخرى ولاءات وتدخلات إقليمية ودولية بالشأن الليبي أبرزه التدخل التركي والقطري المشبوه والتدخل الأمريكي والإيطالي والفرنسي المشبوه أيضاً مثلثٌ يٌشكل حجم تحديات ومخاطر تعرض ليبيا للتقسيم الذي يسبقه دخولها بنفق الإقتتال الشامل والدموية المنظمة مستعيدة الصومال من الذاكرة العربية المثقلة بالهموم والتحديات الوطنية والقومية ! ليبيا عاشت بكنف الإستبداد ما يقرب من اربعين عام وهاهي الآن تعيش بكنف الإقتتال وتصفية الحسابات يدعم ذلك تراكمات تاريخية وتدخلات إقليمية ودولية وطموحات فئوية لفئات تعيش على تسييس الدين وبعضها على المال وأخرى على العصبية والعنصرية المناطقية , تاريخ ليبيا الجديد صنعه ثوار الرابع عشر من فبراير لكنهم لم يكونوا يدركون أن ليبيا ستتحول للخراب تدريجياً على أيدي مليشيات قاتلت بجانب الثورة في الماضي فالأسباب لا تعدو عن كونها تراكمات تاريخية وعنصريات وعنتريات وطموحات فئوية وصراع تيارات ومحاولات لأدلجة المجتمعات بطرق مختلفة لعل أهمها الأدلجة بالقوة الدموية التي لا تقبل خيار آخر , تلك المليشيات إن كان نشئتها على أسس وطنية فإنها ستمتثل لقرار الحل وتترك السلاح لسلطة الدولة وإن كانت متطفلة على الثورة أو منفذه لتعليمات أو حاملة لأدلوجيات معينة فإنها ستستمر في حمل السلاح وعندئذ سيواجه الليبيون تلك المليشيا بقوة لأنهم أدركوا أن المليشيا الوطنية تخضع لطلب المجتمع وتتقبل أي قرار يصب في مصلحة الوطن الواحد والمليشيا الغير وطنية هي تلك التي تقاتل لأجل أهداف معينة ضيقة لا نهاية لها وهي التي تشكل خطراً على الإستقرار بمفهومة الشامل المتعدد... قرار البرلمان الليبي بحل جميع المليشيات المسلحة قرار وإن أتى متأخراً الإ أنه يصب في صالح إستقرار ليبيا وتحولها نحو المدنية ودولة المؤسسات , قرار يجب أن يلقى التأييد والتشجيع من مختلف شرائح المجتمع الليبي والعالم العربي فليبيا باتت أقرب للصومال وسوريا وأفغانستان وكلها لم تصل لذلك السوء الإ بسبب الطموحات الضيقة والولاءات المتغيرة والتحالفات المشبوهه والصراعات المسلحة على السلطة بين مختلف القوى والتيارات ذات التوجه الأدلوجي الديني المتطرف من جهة و التوجه المدني والديني المعتدل من جهة أخرى وتلك هي الحقيقة المرة التي بات البعض يغض الطرف عنها ويتركها للقدر وينسى محاضنها وأسبابها الرئيسية ! ليبيا أمام إختبار حقيقي فقرار حل المليشيات بعد سنوات من الدموية والإقتتال وبعد ضياع لهيبة الدولة الوليدة يواجه صعوبات وتحديات كبيرة وجسيمه داخل ليبيا وخارجها فعلى شرفاء ليبيا وأحرار الرابع عشر من فبراير الوقوف بصف مقررات البرلمان حماية للثورة وصيانة لليبيا ووحدتها من أخطار باتت أقرب لأن تقع وتتحقق فالثوار صنعوا تاريخ ليبيا وعلى المجتمع حماية وصيانة ذلك التاريخ من الزوال أو الإنزلاق بمهاوى التخلف والدموية والضياع !
التعليقات (0)