كانت مدينة طرابلس التي رأيتها غير مدينة طرابلس التي عرفتها . عرفتها عروس وجوهرة البحر الأبيض المتوسط بجمال كورنيشها وحدائقها وأبنيتها ذات الطابع المعماري المميزوجمال شوارعها المرصفة ، وسكانها المهذبين الطيبين بوجوههم الحليقة وبألبستهم الأوربية الحديثة الأنيقة أوالملابس الوطنية الكاملة بالجرد فوق الرأس أو على الكتف . وقد وجدتها مدينة كبيرة جدبت معظم سكان ليبيا كعادتها بمغنطيسيتها التاريخية في جلب الناس والوقوع في غرامها لكل لمن سكنها . ولكنها فقدت جمالها بسبب إهمال الطاغية لها وجعلها ثكنة عسكرية لكتائبه وسكنا لهم ، وسمح لأفراد كتائبه وأبنائه وأزلامه تملك الأرض للبناء أين ما أرادوا دون تخطيط أو نظام ، وسمح لهم بتملك المزارع والأسواق والأستيلاء على كل العمارات القديمة الجميلة وتحويلها إلى خراب . كان لهذا الطاغية كراهية مدفونة في قلبه لمدينة طرابلس لأن سكانها الأصليين عزفوا عن نظامه وتنظيماته ، ففتح عليهم باب المهاجرين من الجنوب ومن الأفارقة وأعطاهم الجنسية الليبية لتغيير التركيب السكاني لمدينة طرابلس وبدا في نقل الحكومة وأجهزتها إلى مدبنة سرت التي يدعي بأنه منها . كما أتى بالمتعاطفين مع نظامه من كل أرجاء ليبيا فحولها إلى أحياء قذرة وخرائب ومزابل . وأصبحت طرابلس خليطا من ألوان وأجناس وأحباش وأوباش . ذات طابع شرق أوسطي متخلف تذكر الزائر بشوارع القاهرة وبغداد الشعبية . عمارات عالية بنيت لأزلام الطاغية وعائلته وطرق ينقصها التنسيق والتسوير والترصيف والتبليط والطابع الجمالي والرمال تزحف عليها من كل جانب. مباني غير مخططة ولا مسموح بها رسميا وسيل لا يتوقف من البناء الشعبي والحكومة تدفع القروض بدون تأمين ودون أشراف . في هذا الجو الخانق الذي فرضه الطاغية على مدينة طرابلس تعيش طرابلس اليوم لم يتغير شئ فيها بل زادت قباحة وإهمالا . وسلطات الحكومة المؤقتة لم تفكر حتى في وقف البناء غير المخطط والأهمال والمزابل ، بل زادت من الطين بله ففتحت البنوك لطبقة جديدة يسمون أنفسهم بالثوار لتملك المباني والبناء في كل مكان ونشر الفوضى . لم أفهم ولم أعرف كيف تسير الأمور دون سلطة ودون نظام ودون قانون . إنها الفوضى المدمرة التي لن تنتهي أبدا وليس في مقدور أحد أن يوقف هذا الطوفان وهذه الفوضى ألا بحرب أهلية لسيطرة من يفوز وأعادة النظام وسلطة الدولة، أو بتدخل أجنبي قد ينتهي الى ما هو عليه الحال في أفغانستان والعراق . والفضل في ما وصل إليه الحال للأسلاميين الذين يعملون تحت أسماء مختلفة للتمكن من السيطرة التامة على البلاد وإرجاع الشعب الليبي الى عهود الجاهلية قبل الأسلام وبعد عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ، حيث عادت الجاهلية بعدهم تحت مسميات مختلفة كما أصبح الحال عليه عندنا اليوم . رأيت في طرابلس بأم عيني أناس بلحي يحطمون مسجد سيدي الشعاب والشرطة تحميهم مانعة المرور والمواطنين من الدخول لأيقافهم .قالوأ أن الشرطة تحاول أن تتفادى ضحايا لأن أصحاب اللحي يحملون السلاح الثقيل . عذر أقبح من الذنب إذا لم تستطيعوا إيقافهم أتركوا المواطنين يلتحمون بهم لسحقهم وإبادتهم لا أحد يقف أمام جماهير الشعب الغاضبة ، وحرموا حمل السلاح في كامل ليبيا حتى إطلاق اللحى ومن يمتنع فليس ليبيا . ولتقم ثورة شعبية جديدة ضد هذا الفئة الضالة التي تحالفت مع الطاغية الشيطان قبل ثورة 17 فبراير وأعترفت به كولي الأمر في ملكه وأفتت بأن الثورة عليه حرام . واليوم تتبنى ثورة 17 فبراير ثورة الشعب النقية المتطلعة إلى الحداثة والرقي والتقدم أسوة بأوربا وليس الرجوع إلى عهود الجاهلية العربية . أسماء هذه الفئات التي تدعي الأسلام مختلفة تحت شعار واحد هو أعادة الليبيين ألى عهود الجاهلية وإعلان الجهاد وحرب الكفار بالدعاء والأرهاب والدمار . لماذا لا يذهب هؤلاء الأسلاميين الى فلسطين لتحريرها من اليهود وأخوانهم يحكمون مصر وقد يساهدوهم وينضموا إليهم . او أن الجهاد هو نشر الفوضى في ديار الاسلام . ومقتل السفير الأمريكي وزملائه وحراسه في القنصلية الأمريكية في بنغازي خير دليل لما أقول ، وسيتكرر ما هو أهول إلا إذا أعلنت الحرب على الارهاب وجمع السلام بالقوة . وللحكومة وسائل عديدة أخرها الأستعانة بدول الناتو التي شاركت في تحرير ليبيا من حكم الطاغية وعليها تكملة المشواروهي مفوضة دوليا لحماية المدنيين من القاعدة والأرهابيين كما حمتهم من حكم الطاغية .
أما سكان امدينة طرابلس فهم ثلاتة أقسام :-
قسم الأغلبية وهم ناس عاديون في حياتهم يعيشون بما كتب الله لهم حياة عايدية بما يسد الرمق فرضها عليهم الطاغية رغم ظروف الأمن والفوض ينتظرون الكثير من ثورة 17 فبراير ينتظرون الأمن والرخاء والتقدم والأنفتاح على العالم وهم على قدر كبير من المسئولية ولكن لا حول لهم ولا قوة.
والقسم الثاني يسمى الحكومة وهم سواء المجالس المتوالية والعديدة أو أفرادا يعيشون في أبراج عاجية بعيدين عن مجرى الأمور يحلمون ويقررون ويقولون الكثير في مكاتبهم وفي الأعلام وكأنهم يخططون لمستقبل طويل ويتغاضون عن الحاضر لأن المساس به يعرض مهامهم ووظائفهم للخطر . ولا يعرف الشارع ماذا يعملون . لا أعرف كيف يقبل وزير منصبا لا يستطيع ممارسة مسئولياته . حذرنا المجلس الأنتقالي بمئات التعليقات منذ البداية بأن يتخذ أجراءات صارمة حازمة وسريعة في المسائل الهامة ومنها جمع السلاح من البداية ، وتكوين سلاح للثوارلمن أراد يخضع لسلطة وزارة الدفاع وضباط مسئولين في ثكنات الجيش الليبي ولا يخرجون إلا بأمرمن المسئول عنهم في مهمات تحدد لهم . وتدريب هؤلاء لمن يريد الأنضمام إلى الجيش أو قوات الشرطة وتسريح الباقي للرجوع إلى قراهم ومدنهم وعملهم وأيجاد عمل للعاطلين منهم . والخطوة الهامة هي تصفية الثوار من الدخلاء ، فالثوارالحقيقيين لا يزيد عددهم على بضعة الاف معظمهم إستشهدوا أو جرحوا او عادوا إلى أهاليهم وعملهم ، وهم الذين شاركوا بحق في حمل السلاح ضد قوات الطاغية . أما مئات الالاف الذين إمتللكوا السلاح بتاريخ لاحق ويدعون بانهم ثوريون فهم خارجون عن القانون ويجب أن يفرض عليهم تسليم سلاحهم في فترة محددة ومن يمتنع يوضع في قوائم المخالفين للقانون وتقديمه للمحاكمة . وحتى الثوار المجاهدين الحقيقيين أدوا واجبهم الوطني مشكورين . فشباب أية أمة في العالم يحارب لحماية أوطانهم ويموتون ويجرحون ثم يعودون ألى مدنهم وقراهم واهاليهم وأعمالهم أو البحث عن عمل بمجهودهم ويعالج جرحاهم في المستشفيات التي يعالج فيها مواطنيهم . هذا ما حصل لملايين الشباب المواطنين الأوربيين والأمريكيون الذي قتلوا وجرحوا بالملايين من أجل الدفاع عن أوطانهم وحرياتهم من الغزو النازي ، ثم رجعوا إلى اعمالهم وديارهم مخلدين شهدائهم ومكرمبن جرحاهم وعلاجهم في المستشفيات التي يعالج فيها بقية المواطنين ولم يرسلوهم للخارج للعلاج كما عملنا ، رغم تهدم الخدمات الصحية في بريطانيا . ولم نسمع إن الشباب الذي حارب ومات وجرح طالبوا بأمتيازات خاصة لأنهم دافعوا عن بلادهم . بل الأدهى من ذلك أن زعيم بريطانيا المستر ونستون تشرشل أحد قادة الحرب العالية الثانية وأكثرهم فضلا في أنتصار الحلفاء وإنقاد بريطانيا من الأحتلال النازي قال له شعبه في أول إنتخابات نيابية بعد الحرب شكرا ولم ينتخبوه لرئاسة الحكومة كما كان يأمل ، لأن الشعب البريطانية رغم إعترافه بتشرشل كبطل تاريخي رأي إن الكفاح والتضخية في سبيل الوطن شئ وتسيير أمور الدولة شئ أخر الأجدر به من يستطيع تقديم الخدمات للشعب من السياسيين .
قلنا إن تنظيم الجيش الليبي وبناء قوات أمن ضاربة يمكن أن يتم في شهورإذا كانت هناك نية بالأستعانة بدول الناتو بالتدريب وحتى المشاركة في الأشراف والأستخبارات والمراقبة الجوية للسيطرة على الأمور. وأرجاع قوات الجيش والأمن المسرحبن الى مراكزهم ، فليس كل من عمل في الجيش أو قوات الأمن في عهد الطاغية ساهم في الفساد والقمع .إن الأعتماد على الذي يسمون أنفسهم بالثوار في حفظ الأمن هو تسليم السلطة لفئة متمردة لا تمثل سلطة الشعب وهو شئ خطير يهدد الأمن في حد ذاته ،ولم يحدث في التاريخ المعاصر .
.أما فوضى العلاج فقد طلبنا مذذ الأيام الأولى تأجير مستشفيات متنقلة ومستشفيات سفن على طول الساحل الليبي وجلب الأطباء من الخارج بما فيهم الأطباء الليبين ، وتنظيم زيارات بعض الأطباء المختصين للحالات الصحية الصعبة ، ووقف العلاج في الخارج بثاتا على حساب الدولة . وإحضار الجرحى المقيمين في الخارج للعلاج ووضعهم في هذه المستشفيات المتنقلة قريبا من ذويهم . ولكن المجلس الأنتقالي والحكومة المؤقتة تركا الحبل على الغارب حتى تفاقمت الأزمات ولم يعد لها علاج .
والقسم الثالت الخطر من سكان طرابلس هم الشباب وبعضهم يسمون انفسهم بالثوار رغم أن الثائر الحق يعمل في صمت وتضحية ونظام بعيدا عن الظهور، و90% من من يدعون بالثوار لم يطلقوا رصاصة واحدة على كتائب القذافي وجاءوا بعد إنتهاء المعارك وفرار القذاقي وأزلامه من متابعة طائرات الناتو . الشباب الذي رأيته في الشارع قلق مريض نفسيا لا يعرف ماذا يعمل يقضي وقته في قيادة السيارات بتهور حتى أصبحت طرابلس أخطر مدينة في خطورة المرور، والجلوس في المقاهي ويستعرضون أيام الثورة والبطولات الخرافية بعضها حقيقي وبعضها من نسج الخيال . والأيادي ممتدة للحصول على المال ونصيبهم من البترول الليبي دون عمل ،وعذرهم عدم وجود عمل ولا يعرفون إن العمل يخلقه الأنسان بجهده وتفكيره ولا يعطى في صحن من ذهب لمن يريد . والحكومة واجبها توفير ودعم المشاريع الأنتاجية ، وللشباب الأنخراط بها وفقا لمؤهلاته وقدراته ولا تفرض الحكومة موظفين على الشركات والأدارات .واليوم الشوارع مليئة بالشباب المسلح الذي يسمون أنفسهم بالثوار ورغم أن الفضل في أنتشار الأمن النسبي يرجع إلى جهود فئة صغيرة منهم في بلاد لاتوجد فيها شرطة ولا جيش ولا إدارات حكومية ولا سلطة . إلا أن إستمرارهم على هذا الحال خلق منههم مليشيات مستقلة بمناطق ومدن وقسمت ليبيا بينهم ودخل معهم من دخل من العصابات ، ووجد فيها المتربصون من أصحاب الأجندة الخاصة كالأسلاميين تحت أسماء عديدة نسمع عنها كل يوم ، وكلها لها هدف واحد هو تخريب العالم الأسلامي الذي بدأ يخطو نحو الحضارة العصرية والتقدم والرفاهية ، والعودة به ألى عصور الجاهلية قبل الأسلام وبعد الخلفاء الراشدين ، والسير في ركاب القاعدة والوهابيون ، وتلقي الأوامر من قادتها المنتشرين في كل بلاد الاسلام وفي المهجر . أما بقية الشباب فمنهم من يتكلم أو يكتب في وسائل الأعلام يدعون المعرفة و العلم وهم أجهل من السمكة حتى الخريجين المزورين منهم ، وبعضهم كان مهاجرا وبعضهم عاش في الداخل وكافح كما يقول ولا أحد يعرف كيف كافح ، هل التهليل للطاغية كفاح؟ هل التجمع في المؤتمرات الشعبية والهتاف للقائد الأوحد كفاح ؟ هل السكوت والتمتع بنعم العيش كفاح تحت حكم الطاغية ؟ . هؤلاء هم الشباب الذي يدعون اليوم إنهم عاشوا في الداخل وتحملوا طغيان الطاغية ؟ هذه الفئة من الشباب النصف متعلم يدعي بأنه أولى بتولي الأمور من الليبيين الذين عاشوا في الخارج لأنهم لا يعرفون ما كان يجري داخل ليبيا في عهد المقبور، بل يهاجمون هذا الشباب المتعلم الذي عاش في المهجر وهم نخبة الليبيين المتعلين القادرين والعارفين بأمور السياسة والأدارة وأكثرهم وطنية ، وهم الذين عانوا عذاب الغربة ويعرفون ما كان يجري في ليبيا بكل تفاصيله ، فهم كانوا يعيشون في دول ديمقراطية حرة تعرف ما يجري في العالم الثالت أكثر ما تعلم الأنظمة عن نفسها . ومن عاش في المهجر عرف عن ليبيا ما لا يعرفه من عاش في جو ثقافة الكتاب الأخضر والزعيم الأوحد . والليبيون في المهجر يعرفون كل صغيرة وكبيرة لما كان يحدث ويجري في ليبيا أكثر من الليبيين الواقعين تحت حكم الطاغية المنغلق ، ويتناولون أحداث ليبيا وما يجري فيها بالتعليق والأستنكار في الأعلام الغربي والعربي المهاجر وفي مواقع الأنترنت .
أصبحت ليبيا اليوم مقرا للأرهاب فكل الجماعات التي تدعي الدفاع عن الأسلام سميهم السلفيين أو الأخوان المسلمين او جيش محمد أو أنصار الشريعة لهم أجندة مستوردة من الخارج وتابعة لجماعات إسلامية متطرفة ، كلها تهدف في النهاية إلى فرض نظام دكتاتوري بأسم الأسلام وهم جزء من القاعدة المحرمة دوليا . لا خلاف بين القاعدة وأي تنظيم إسلامي فهم فروعها وزعيمها اليوم وأحد روادها هو الظواهري الذي عاش في مصر وانضم إلى الاخوان المسلمين وهو لا زال منهم .، و الحكومة الليبية يجب أن تستعين بالأمم المتحدة إذا تعذر قمع هذه الجماعات والمليشيات المسيطرة على المدن الليبية وجمع السلاح منها . وتسليح الجبش الليبي وقوات الأمن لتكون قادرة على فرض الأمن والسلام في البلاد وعلى الحدود . هذه الحلول طالبنا بها منذ إعلان التحريروقد إستمر تسيير الأمور بالتعاون مع هذه المليشيات خوفا منها حتى أستولت وأصبح من المستحيل السيطرة عليها إلا بحرب أهلية أو بمساعدة الأمم المتحدة وشركات الأمن الدوليىة . كنا نامل من المؤتمر الوطني أن يغير الأمور ولكنه كان نسخة من المجلس الأنتقالي مع إحترامي لبعض أعضائه القادرين . وأخيرا تمخض المؤتمر وأختار رئيسا للوزراء يمثل إستمرار الحكومة المؤقتة الفاشلة فهو نائب رئيسها مع إحترامي للرجل فهو كفء ، لكن الكفاءة وحدها لا تكفي في إدارة حكومة طوارئ هدفها الأول إعادة النظام أولا وبحزم وفاعلية قبل القيام بأي عمل لأخر. فحاجة ليبيا اليوم هي حكومة مسيطرة قادرة وشرطة تحتكر السلاح تحمي المواطنين والاجانب يساعدها جيش قوي ،بعد ذلك نفكر في الخبز والسكن والتعليم واالعلاج والبرامج الخيالية التي غنى بها المرشحون لرئاسة الحكومة . كان الله في عون الليبيين . بشير
التعليقات (0)