ليبيا على خطّ الثورة ضدّ " القائد الأممي وعميد الحكّام العرب وملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين ورئيس قمّة جامعة الدول العربية ورئيس مجلس الاتحاد المغاربي و..." ذاك الذي نصب خيمته في أشهر وأرقى ساحات العواصم الغربية تحرسه نساء جميلات،وذاك الذي ابتدع موضة في اللباس تفرّد بها عن غيره من العوامّ والحكّام...
ليبيا على خط الثورة ضدّ "نظام الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" و"الكتاب الأخضر" و"نظريته الثالثة"...
ليبيا على خط الثورة ضدّ حاكم الحكم المديد العمر الذي حطم الرقم القياسي بين القادة العرب بقاءً في السلطة وإثارة للجدل ...و- لعلّه -أقدم حكم فردي معاصر في العالم عمّر لما يناهز 42 سنة...إنه نمط سلطوي معقد وغامض ومثير للقرف والسخرية أداره بمكر نادر "الأخ العقيد" الذي إن جرّه التاريخ إلى مزبلته فإننا قد نُصرّ على النبش في ذات القمامة بحثا عن خطب "عتيقة" كان يتحفنا بها - زمن قحطنا وانكسارنا- في نظرية "الثورة السريالية" التي انفرد بها عن غيره من قادة العالم الطغاة القامعين لشعوبهم وغير الطغاة المحكومين بإرادة شعوبهم :أليس هو القائل: "..شكسبير هو الشيخ زبير،الديمقراطية هي ديمومة الكراسي،أميركا هي إمارة الأمير العربي "كا"،لذلك سمّيت "أمير-كا"؟...،إلى آخره من جملة ما يزخر به قاموس نوادره المضحك المبكي.
ثورة الشعب الليبي ليست ضدّ استبداد وفساد فحسب-كما هو حال شعوب أخرى-بل هي تطال،أيضا،تُراثا ضخما لم يقدر على إنتاجه غير "الأخ القائد" فلكلورا ونوادر وبهلوانيات فضْلها أنها كانت تكشف المستور من بذاءات بدائية في كتاب سلطان العرب المعاصر زمن غيبوبة الشعوب العربية المقهورة،فضْل ذات البذاءات أنها كانت على سخافتها لا تخلو من خفّة ظلّ المهرّج وشطحات الدراويش ونوادر الحكواتي،كنّا نرى فيها حكامنا المرآة العاكسة لسقوطنا في هوّة سحيقة لا نرى لها مخرجا والوجه القبيح المُنفّر لا تُجمّله مساحيق ولا يُفيده تمويه،كنا نتهافت على الفجاجة في خطب القدافي نتداوى بها داء بالداء ونتعاطاها أفيونا مدمّرا عسىاها أن تصرفنا عن خطاب خشبي ممجوج يلوكه حكامنا إمعانا منهم في إيذائنا،إنهم يُمعنون في إيذائنا بكذبهم واستعلائهم ونرجسيتهم التي صوّرت لهم أنه لولا ابتهالاتهم ما كان الله ليبعثنا للوجود أو لبعثنا من فصيلة الحيوان لا البشر...
أمّا إذا صدّقنا "القذافي"-ونودّ اليوم أن نُصدّقه- فيما كان يدّعيه من أنّه "مبشّر بعصر الجماهير" وأنّ "السلطة بيد الشعب"،و"من تحزّب خان" ،وما "اللجان الشعبية" إلا نتاج "الزحف على السلطة" التي افتكّها الشعب الذي يحكم نفسه بنفسه دون وسيط ،الشعب المتصرّف في الثروة والسلاح والسلطة والوحيد المؤهّل لتقرير مصيره،إذا صدّقنا كذا أطروحات قذافية فقاعية،فإننا لنعجب من انزعاج "الأمين على الثورة"،بل رفضه لـ"استجابة" الليبيين الصّبورين لمقولاته بعد أكثر من أربعين سنة قضّوْها في فكّ طلاسم تلك المقولات،فأقرّوا العزم،وقد اختبروا حلو الأقوال، أنهم ذاهبون إلى الأفعال تطبيقا أمينا لشعارات "ثورة الفاتح من سبتمبر" كما أعلنها القائد وكما ردّدوها أمامه حتى بحّت حناجرهم...ولمّا سئموها كلاما عذبا يلوكونه عذاب وجود انصرفوا بهمّة واقتدار إلى تجسيمها فعلا تخطّه دماؤهم الزكية في أروع ملحمة شعب ثائر...
أليس من المثير للدّهشة أن يتحوّل،بين عشية وضحاها،شعب "عصر الجماهير" الثائر - في نظر القائد الملهم- إلى "جرذان ومجانين ومتعاطين مخدّرات وحبوب مهلوسة..وأتباع بن لادن وأجهزة الخيانة والعمالة والرجعية والجبن؟..."
هل من مبرّر لـ"زعيم روحي" كالقذافي الذي يدّعي أنه لا يحكم وأنّ السلطة بيد شعبه للظهور في صورة الذئب الجريح،كالح الوجه،مقطّب الجبين،حادّ القسمات،قاذفا بسلاح الخطاب الناري في وجه الثائرين،متوعّدا بالويل والثبور:"أعطينا أوامر للقضاء على الجرذان...سنعلن الزحف المقدّس،وسنوجّه نداء إلى الملايين من الصحراء إلى الصحراء،وسنزحف عليهم بالملايين لتطهير ليبيا بيتا بيتا وشبرا شبرا ودارا دارا وزنقة زنقة.." ؟.ا
أيّ تطهير يعنيه القذافي غير تطهير ليبيا من شعبها،وهو الذي ذكّر بما أقدمت عليه إسرائيل في "غزّة" ؟..
قد لا نُصدّق أنّ ذاك الذي جعلنا نتسمّر أمام شاشات الفضائيات مصغين إلى خطابه الجحيم هو ذات الشخص الذي بشّرنا بعصر الجماهير،والحال أنّ شعبه ما اقترف من ذنب سوى اقتناعه اليوم بذات عصر الشعوب الذي حثّ عليه نصّا وبيانا وخطابا محرّضا على الثورة...
لقد ثار شعبك،أيها "الأخ القائد" استجابة لمقولاتك فانظمّ إليه ليقودك...
ذلك هو الشعب الذي هتف بالأمس أيها الأخ الثائر الهرم في عصر بلا همم ولا قيم :"بالرّوح بالدّم نفديك يا قائدنا"...ألم تُدرك أنه كان بذاك الهتاف يتوسّلك الكفّ عن تخديره بروعة تصوّر يُعتّم على سلوك قذر؟..وأنهم إذ يفْدون فلن يفدوا في الرّمز إلا أهدافا عظيمة لا ذات بشر ذميمة...
صبرا جميلا يا شعب "عمر المختار" الشهم،فالدّم ضريبة تغسل بها النفوس الشريفة عِرض الوطن الملطّخ متى اغتصبتْه نَذَالة الفجّار...وإنّ ربيع ليبيا لنراه بديعا مشرقا،وإننا لنرى بأمّ أعيننا على خطّ ثورتكم المباركة ثورات أخرى تهتف:"ألو...نحن على الخطّ العربي الساخن بشرايين الحياة المتدفّقة في خير أمّة...
• حديث الثورة(2)
التعليقات (0)