مع أحداث بني وليد، تظل ليبيا على هاوية الإقتتال الداخلي بين ثوار الأمس ميليشيا اليوم إن جاز لنا الوصف بذلك، هل هي حقا أحداث متفرقة عابرة لا تدعو إلى القلق و لن تؤثر على المسار الإنتقالي نحو دولة المؤسسات و النظام الديموقراطي؟ أم أنها و للأسف بوادر و إرهاصات حرب أهلية بين طوائف الثوار؟ هذا ما تصوره بعض الصحف و المواقع الإعلامية التي كانت على خلاف مع الثوار أو عارضت التدخل الأجنبي أو لها علقة بالنظام السابق...
غياب سلطة الدولة المركزية القوية و ضعف الجيش الوطني و المؤسسات الأمنية و عدم قدرة المجلس الإنتقالي و حكومته على بسط النفوذ حلحلة و إدارة كثير من القضايا المتعلقة بالشأن العام، جعلت سلطة القرار بين حركات مناطقية مسلحة ترى في شرعيتها الثورية و الإنتماء القبلي و المناطقي حقا في إدارة و التفرد بحكم المناطق و المدن التابعة لها.
الظاهرة يمكن ملامستها مثلا حين طالب ثوار طرابلس باقي ثوار المدن الخروج من العاصمة، أو في المناوشات التي طالت بعض المدن المجاورة للعاصمة عقب سقوط النظام السابق مباشرة و التي كانت لأسباب تتعلق بالإعتقالات و تداخل المسؤوليات بين مختلف الميليشيات، أو تنامي قوة المجالس المحلية على حساب الحكومة في العاصمة. و الآن هاهي بني الوليد مثلا تحت حصار بين ثوار 28 ماي و بين من سموهم بخلايا تابعة للنظام السابق، في حين وجهة أخرى تتحدث عن تذمر شعبي من التعامل السلبي للثوار من جهة و من المجلس المحلي...
هشاشة الوضع الأمني في ليبيا و تبعات الثورة الليبية ألقت بظلالها على المحيط الإقليمي، حث التخوف من انتشار السلاح و إمكانية وصوله إلى القاعدة أو الحركات الثورية و الإنفصالية في دول مجاورة لليبيا. فما يحدث اليوم في مالي و في نيجيريا ( مع التحفظ على الإتهامات الغربية لوصول السلاح إلى حركة بوكو حرام، فالحركة نشاطاتها ليست بوليدة اليوم)، أو ما تم تناقلته صحف من معلومات استخبارية تتحدث عن أسلحة وصلت إلى قاعدة المغرب الإسلامي و على حدود المغرب كما ذكر موقع كود، أمور توشي بالقلق من إمكانية أولا تغول القاعدة، و ثانيا من إتجاه الغرب للتدخل العسكري أو لإنشاء قواعد عسكرية إما لمراقبة الحدود الليبية أو لمحاربة القاعدة في منطقة الصحراء الكبرى، و هي ذرائع قد ترفضها دول الجوار لما لها من تبعات و تأويلات غير التدخل.
هي مرحلة مخاض عسيرة، و ما يحدث الآن قد يبرر كنتيجة لأربعين سنة من الديكتاتورية الفردية التي غيبت الدولة و النظام بمؤسساته مقابل حكم الشخص الواحد، فلما انهار الفرد باتت ليبيا و كأنها عادت إلى سنوات الإستقلال، مما يجعل من بناء دولة القانون و المؤسسات الدستورية الديمقراطية، رهانا كبيرا و معتركا قد يدخل ليبيا في حلقات أزمات متتالية، و الأمر منوط طبعا لتجاوز كل هذه الحلقات إلى الطبقة السياسية الليبية و إلى كافة فعاليات المجتمع المدني الليبي.
التعليقات (0)