مواضيع اليوم

ليالي رمضان مع السيد الدكتور إبراهيم الجعفري الحلقة الثامنة (الأمّة)

maher marzougui

2012-08-17 09:14:48

0

لو تحدّثنا قليلاً عن موضوع الأمة في مفهومنا الإسلاميّ، وكيف نستثمر شهر رمضان المبارك في بناء الأمّة؟

 

الدكتور إبراهيم الجعفريّ:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة، وأتمّ السلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، وجميع عباد الله الصالحين..

ننطلق في تحديد مفهوم الأمة من الآية القرآنية الكريمة:

((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))

الأمّة هي مجموعة من الناس تتماسك حول هدف محدّد، ومنهج فكريّ محدّد، وتسعى لتحقيق ذلك الهدف على ضوء هذا المنهج الفكريّ، فهي ليست كمّاً بشريّاً فقط إنما هي كمّ بشريّ ذو منهج خاصّ، وله هدف يتجه لتحقيقه. الأمة قد تكون أمّة خير، وقد تكون أمّة شرّ، يقول الله تعالى:

((كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا))

أما المجموعة التي لا تتماسك في منهج، ولا يجمعها هدف، فهي كمّ بشريّ لا يعبّر القرآن عنها بأنها أمة، وفي بعض الأحيان يُطلـَق على الفرد بأنه أمّة، قال الله تعالى:

((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا))

لأن فعله فعل أمّة، وأن منهجه منهج تحشّدت فيه كلّ القيم. إبراهيم - عليه السلام - الذي يقدّمه إلينا القرآن الكريم، وكيف مرّ بتلك الابتلاءات، مثلاً: يُرمى في النار، ويستقبل ذلك بهدوء واستقرار وطمأنينة، ويترك زوجه وطفله في وادٍ غير ذي زرع عند البيت الحرام، أو يهمّ بذبح ابنه إسماعيل - عليه السلام -؛ إذن من مجموع فعله وانسجام المفاهيم المتعدّدة في شخصيته أُطلِق عليه أمّة.

عندما نتعامل بمفهوم الأمّة على أنه الجماعة النوعية التي تتماسك حول فكر معيّن فلا يمكن أن نتناول موضوع الأمّة بعيداً عن تناول موضوع الشخصية باعتبار أن الفرد وحدة بناء المجتمع، وأنه لبنة في كيان الأمة.

الشخص الواحد، وليس تراكماً كمّياً إنما هو تفاعل نوعيّ إضافة إلى العدد الكمّيّ يُصقـَل؛ ليُخرج لنا أمّة.. هناك نظريات متعدّدة في التاريخ في تفسير قاعدة الأمة ونقطة ارتكازها.

توجد نظرية تنطلق من قاعدة العنصرية، أمّة تعتقد بأنها سيّدة الأمم، ولها حقّ السيادة على الأمم الأخرى، فتحاول أن تفرض نفسها على الأمم، لا بقيمها إنما لأسباب عنصرية، كما ذهب إلى ذلك رينل عالم الإنثروبولوجيا الفرنسيّ الذي يعتقد أن شعوب العالم تنحدر من عنصرين العنصر الآريّ والعنصر الساميّ، الآري يعتقد أنة عنصر واقعيّ، ويعتقد أن الساميّ عنصر خياليّ، ثم يقول بمشروعية تسيّد العناصر، والشعوب ذات العنصر الآريّ تتسيّد على الشعوب ذات الأصل الساميّ، وينتهي إلى طابع سياسيّ مؤدلج وعنصريّ؛ فيهجم على البقية، لكن يؤطرها بإطار فكريّ، وكأنه يقول في نظريته: إن النبوّة ليست عملية وحي من الله - تعالى - تأتي على البشر إنما هي عملية تـُفرَز من القاعدة الاجتماعية، وعندما ينتهي إلى أهداف سياسية، فيقول: بما أن الشعوب ذات الأصل الساميّ غير قادرة على تحقيق مجد على الأرض فمن حقّ الشعوب ذات الأصل الآريّ أن تسود.

 

لا نناقش هذه النظرية على الرغم من كل ما لدينا عليها من مؤاخذات، لكن لا يجوز أن أطرحها من دون أن أشير إلى الخرافات التي جاءتنا من الغرب، ولا أتهم تلك الشعوب بالتفاضل العنصريّ، فأقع بما وقع فيه (رينل)؛ لأن نظرية الشك التي انتهى إليها (هومز) التي عصف بأوروبا في العصور المتأخرة في أوروبا، والتي دحرها (ديكارت) حين قال: (أنا أشك في كل شيء حتى في نفسي، لكني لا أشك في أني أشك...).

هذه جاءتنا من الغرب، ووكذا ما جاء به (بانكنز، وهيبز) والكثير من الموجات الفكرية ذات الطابع التشكيكيّ والانعزاليّ والوجودية بطرق مختلفة كلها لم تأتِ من عالمنا، لكن هذا لا يعني أني أعو إلى نظرية عنصرية مقابل تلك النظريات العنصرية إنما هذا نوع من أنواع النظريات التي تفسّر تكوين الأمة، ولا أدعو إلى سيادة الأمة من المنشأ الأوروبي.

توجد نظرية أخرى تفسّر الأمة تفسيراً طبقياً، كما ذهب إليه كارل ماركس حين فسّر تكوين الأمة بأن طبقة العمال هي التي تحدّد مصير الأمّة، وهي التي تملك حقّ التسيّد على بقية الطبقات؛ لأنها هي التي تدخل في مجال الإنتاج.. يعتقد أن هناك ثالوثاً، هو: (الموادّ المنتجة، واليد العاملة طبقة التوتاليتاريا، وأدوات الإنتاج)، ومادامت طبقة العمال هي التي تنتج والآخرون يأكلون من عرق جبين هؤلاء، ومن خلال نظرية فائض القيمة يعتبر أن القدر الحقيقيّ لهذه الأمة هو طبقة العمل، فصارت دكتاتورية الطبقة.. هكذا كان يعتقد، وانتهت النظرية الماركسية إلى ما انتهت إليه.

وهناك نظرية ثالثة، وهي نظرية كارليل، وهي نظرية البطولة والأبطال، يعتقد أن وراء كل أمّة بطلاً خلف السِتار، هو الذي يصنع الأمّة، وهو من خلال قراءاته في التاريخ تأثر كارليل بالرسول - ص - ونابليون بونابرت، فيقول: الذي أنشأ الأمّة العربية هو محمد بن عبد الله

- ص -، والذي أنشأ الأمّة الفرنسية هو نابليون بونابرت، وفق هذه النظرية فإن البطل هو الذي يصنع الأمّة.

هذا مضمون النظريّة، ونحن لا نريد أن ننقدها، إنما نشير ولو إشارة سريعة إلى بعض جوانبها: إذا استثنينا رسول الله - ص -؛ لأن الله - تعالى - أعطاه هذه الإمكانيات، وبعثه لهداية البشرية جمعاء، فالبطل تصنعه الأمة، نعم.. البطل يقود الأمة، ويوجّهها، ويُثريها، ويختزل زمن الصعود.. هذا ممكن، وفي سالف الأزمان مرّت على أمم أبطال ما استطاعوا أن يصلوا إلى قمّة المجد، لكنّ جهودهم تراكمت عبر الأجيال، ثم أخذت هذه الدورة بالتراكم لبناء الأمّة، بعد ذلك انتصرت، فما بين انطلاقة الأمّة في مرحلة ما قبل الانتصار وتراكم التضحيات والفكر إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه فكأننا على موعد بأن اليقضة التي بدأت الآن تعمّ، وتغمر المنطقة جاءت بسبب جهود مكثفة لكثير من العباقرة وكثير من القادة الذين قدّموا التضحيات، ولم يصنعوها في حياتهم، لكنها ظلت تتراكم بنظرية التمويج موجاً بعد موج إلى أن وجدنا الأمم في كثير البلدان بدأت تستفيق من غفلتها، وتستيعد كرامتها، وتنتصر على الطواغيت الذين حكموها.

القائد لا يصنع أمّة، لكنه يقود أمّة، فأئمة أهل البيت - عليهم السلام - ومن موقع العصمة لم تقـُم الدولة الإسلامية في وقتهم باستثناء الإمام علي - عليه السلام - على الرغم من أن لديهم قابليات غير محدودة، نعم.. هذا لا يعني وجود خلل في المعطي القياديّ، إنما في المتلقي الشعبيّ الذي لم يستوعبه، ولم يأخذ منه، فأخذت جهودهم عبر الأجيال إلى أن تهيّأت للمرحلة القادمة، وتهيّأت عوامل، وتفاعلت في داخلهم ليكونوا قاعدة للدولة إلى أن تتحقق هذه الأمنيات.

والنظرية الرابعة، تقول: بتأثير الجغرافية، والآن بدأت عندنا مصطلحات جديدة، مثل: الجوبلتكس، أي الجغرافية وعلاقتها بالسياسة، وربما في نهاية القرن التاسع عشر ظهر مصطلح يمكن لابن سينا في كتابه القانون، قال: إن الأراضي المتشابهة في الخيرات تفرز عادات وأفكاراً وتقاليد متشابهة، ثم جاء متوتسكيوا في كتابه روح القوانين بنفس النتيجة، وخرج بأن عندما ينظر شخص إلى الجغرافية يجد المناطق المتشابهة من حيث البيئة تفرز عادات وتقاليد وأفكاراً، حتى نتاجات معينة متشابهة.

وهناك نظريات كثيرة جداً اتجهت هذا الاتجاه، وفي الإسلام تختلف النظرية فهو يهتمّ بالفرد، ويعتبره وحدة بناء الأمّة، ومن بناء الفرد يتسع إلى المجموع، فتتماسك الأمّة.

محتوى الإنسان الداخليّ يحتوي على ثلاثة عناصر: عقل وإرادة وشهوات، وحسناً فعلتَ حين ربطتَّ دور الصوم وشهر رمضان المبارك في بناء الأمّة، يقول الله - تبارك وتعالى -:

((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))

أي ليست نظرية عنصرية، ولا نظرية مادية، ولا إفرازاً من البيئة وغيرها.

من يركّز في الآية يجدها لم تقـُل: (لتكونوا شهداء من الناس)، إنما من الخط ّالوسطيّ غير المتطرّف، أي إنها وسطية بين العقل والعاطفة، فليست عقلانية مجرّدة كأنها رواق فكريّ مجرّد، ولا عواطف مجرّدة، إنما هي ثنائية متكاملة، هي وسطية لا تغلّب الفرد على المجموع، ولا تلغي الفرد بسبب المجموع، أو تلغي المجموع لأجل الفرد، وهي وسطية في أنها تؤمن بالغيب لكن ليس على حساب نكران الحسّ في الدنيا:

((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً))

هذا النوع من الوسطية يجعل الأمّة قادرة على أن تنظر إلى البقية من عليا الوسطية، أي فعل لا ردّ فعل.. في بعض الأحيان ينظر الناس إلى الوسطية على أنها من يقظم جزءاً من هنا وجزءاً من هناك، كما في الخصومة حين يريد أن يكون وسطياً، فيقتطع شيئاً من هذا، ويقتطع شيئاً آخر من ذلك؛ حتى يكون وسطاً، كلا.. هذا أقرب إلى الطبيعة النفاقية، فقد يكون الحق وكل الحق مع طرف معيّن، وقد يكون الحق ليس مع كلا المتخاصمين.

كيف نفسّر سلوك الرسول - ص - مع الأقوام السابقة، وكيف نجد وسطيته؟

نجد وسطيته في قوله: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام)

فهو - صلى الله عليه وآله - لم يرفضها، ولم يصفـّرها، فقال:

(إنما بُعِثت لأتمّم مكارم الأخلاق)

لم يُلغِها، لكن ليس من موقع التوثيق المتكلف بين الطرفين، فالوسطيّ ينبغي أن يكون وسطاً بفكر ولديه وضوح في الأمر.

((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ))

هذه الآية إطلالة من عُليا القيم، وخط الاعتدال الوسطيّ ينظر إلى البقية، ويعرف الحق مع من، ونحن على طول التاريخ كانت لدينا خصومات في مقاطع الزمن، ولا تستطيع أن تقول: أنا أوفّق بين الحسين - عليه السلام - وبين يزيد. هذا مرفوض، أو أوفّق بين علي - سلام الله عليه - وبين معاوية. هذه ليست وسطية. فهناك طرف خارج عن إرادة الإسلام، وخارج عن إجماع المسلمين، وهناك طرف مُندك في إرادة الإسلام، بل هو الإسلام في أجمل صوره.

الوسطية وعي الفكر، ووعي الواقع، والنظرة إلى الواقع من خلال الفكر؛ لذلك قال الله - تعالى -: ((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ))

مقياس وعي الفكر، ووعي الواقع غير مفصولين عن السنة التي تلزمك، فقال:

((وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))

أي إنك غير مقطوع الجذور، وأنت تمارس دورك الوسطيّ بين أيّ متنازعين أفراداً أم جماعات، اثنين أو أكثر.. لستَ بمعزل عن القدوة، يوجد فكر يضبط حركتك، ويوجد وعي للواقع، وتوجد إرادة من خلفك، وهي الرسول (ص).

يقدّم لنا شهر رمضان في الأمّة هو ما نحتاجه من الفكر، والإرادة القوية، فنحن نحتاج أن نقمع أو على الأقل نخفف من غلواء العاطفة والشهوة التي تحتاجنا من الداخل؛ لحرفنا عن هذه الحالة.

حين تكون البنية التحتية لدى الإنسان مؤسَّسة بالخطأ فبالتأكيد ستكون بنيته الفوقية خطأ ً، وفي ذلك جاءت آيات كثيرة، منها:

((إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا بأنفسهم))

(التغيير بالنفس) هو البنية التحتية، (يغيّر ما بقوم) هو البنية الفوقية، وتلك محكومة بهذه، وحسناً فعل جون آدمز ثاني رئيس في أميركا بعد جورج واشنطن عندما: قال لو لم تكن الأمة الأميركية قد استقلّت بعقلها وهي تفكر، وبقلبها وهي تحمل من مشاعر ما استطاعت أن تحقق الاستقلال من الاحتلال البريطانيّ.

إذن المسلَّمة القرآنية أصبحت مسلَّمة اجتماعية، وإن التغيير لا ينزل عليك هكذا إنما التغيير ينبع من الذات.

شهر رمضان المبارك لبناء الذات، وتحصيل التقوى، يقول الله - تبارك وتعالى -:

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))

((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))

معيار الفرد الذي هو وحدة بناء الأمة، ومعيار الأمة هو: إن أكرمكم هو أتقاكم، وليس من موقع الذكورية، فقال: خلقكم من ذكر وأنثى، ولا قوم على حساب قوم، ونلغي الشعوب فالله جعلنا شعوباً وقبائل، يقول الله - تبارك وتعالى - بصريح القرآن:

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))

هذا الشهر يتولى عملية صياغة القلب، وإحداث عملية التقوى في قلب الإنسان فيضع الأساس الذي يُشاد عليه صرح الشخصية، ومن مجموعة الأشخاص تتكون الأمة.

البنية التحتية للدولة تتأسّس من كل القوى الموجودة في الشخصية، قوة القلب وضعفه كجذور الأشجار في الأرض، فحين تهبّ العواصف توجد أشجار سطحية الجذور يقتلعها الريح، وتوجد أشجار عميقة الجذور تقاوم الريح.. عمق الشخصية القوية لا يكمن في ملابسه، ولا في طريقة المشي، ولا في ما يملك، ولا حتى في أسلوبه وهو يتكلم، إنما يكمن في عمارة القلب بالإيمان، ودرجة رسوخه، ودرجة قوة الإرادة.

شهر رمضان وفريضة الصوم تتولى عملية بناء القلب بناءً يكون الإنسان فيه قوياً بدرجة أن ينشدّ إلى الله - تبارك وتعالى -، و- بالمناسبة - التقوى هي مجموعة القيم:

((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))

أي آمنكم، وأصدقكم، وغيرهما من محاسن الأخلاق فهي مقياس مفتوح، لا على نظرية (رينل) بأن الشعوب ذات الأصل الآريّ هي سيدة الشعوب، والشعوب ذات الأصل الساميّ كالعرب واليهود ضعاف، ولا على نظرية من يقول بتسيّد العنصر الأبيض على الأسود.

لقد قرّب رسول الله (ص) - وهو القدوة والأسوة - بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي على الرغم من وجود مع أساطين العرب إلى جانبه وقبيلته وقريش وهذا يعني أنه عمل بنظرية التقوى.

إذا أغلقنا كل الأبواب، وفتحنا باب التقوى فهذا يعني أن الباب مفتوح أمام الأسود كما هو أمام الأبيض، وأمام ابن القبيلة الكبيرة أو أمام ابن القبيلة الصغيرة، أو أمام الشخص الذي يتكلم بلسان عربيّ أو أيّ لسان.

العرب اليوم أقلية بالنسبة للعالم الإسلاميّ، والإسلام انطلق من أرض العرب مكة الكرمة، واليوم عندنا مليار ونصف المليار لا يتجاوز منه العرب أكثر من 350 مليون مسلماً.

بأيّ شيء صار الأعاجم الأندونيسيون والهنود والباكستانيون والترك أكثر من العرب؟

بمعيار التقوى.. لو كان هؤلاء قد فهموا الإسلام بأن يبقى العربي متقدّماً عليهم حتى إذا كان كاذباً، ويتقدّم على الصادق لما وصل الإسلام إلى ما وصل إليه.

في شهر رمضان تنخفض الشهوة المشروعة، فتعطش، وتجوع، وتمتنع عن الشهوات المباحة الأخرى؛ ومن ثم تمتدّ الإرادة على طول السنة، وهذا يوفر فرصة بأن يعيد الإنسان إشادة البنية التحتية، ويؤمّن قاعدة تقوى أخلاقية رائعة جداً، تصونه عن أيّ بادرة فساد.

نحن نحتاجه على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأمة؛ فأغلب مشاكلنا من غياب التقوى.

القوة الأخلاقية هي التي تجعل أبناء الأمة يمتدون، ويرتقون على سُلّم التكامل، ولا تتفشّى فيهم أمراض أخلاقية، ومظاهر فساد، يقول الله تعالى:

((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))

شهر الصوم فرصة لتغيير النفس، فرصة لتغيير القلب، فرصة لتمكين الإرادة في المحتوى الداخليّ للإنسان؛ لكبح جماح عواطفه، وجعل العقل يفكر بفضاء مفتوح، ويستعين بالإرادة لتغليب العقل على العاطفة.

 

- كيف نستلهم العِبَر خلال هذا الشهر الفضيل؟

 

الجعفري: العِبَر كثيرة جداً، والأمّة الصائمة التي تتحلّى بالتقوى، وأخذت من شهر رمضان المبارك أمّة صابرة وصامدة، أمّة تستطيع أن تقاوم التحدّيات، أمّة عصيّة على أيّ حصار، ولن تنهار أمّة تحسّ إحساس الفقراء، أمّة يمتدّ فيها الفقير بما يكتوي به من نار الفقر إلى قلوب الأغنياء، وبيوتهم وإرادتهم.

الصوم لمدة شهر في السنة يعني أن من جملة الثمار الجانبية التي تستثمرها أن تحسّ بأحاسيس الفقراء، والأمّة الصائمة تقاوم الحصار، وتحسّ إحساس الفقراء، الأمّة الصائمة تكفّ، وتتغلب على شهواتها، وتراجع نفسها في هذا الشهر؛ لعلها تمتدّ إلى ما بعد شهر الصوم، وتتحوّل إلى حالة دائمة
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !