"يكذب السراب على الصحراء فتزداد عطشا"
سعد سرحان
شعارات كثيرات وجميلات وجذابات وفاتنات ومثيرات للانتباه، هي التي يطربنا بها الإعلام الرسمي المغربي عبر القناتين المحترمتين مدة عشر سنوات عجاف ولا يزال إلى درجة التخمة، والمُسْتَمَعُ المستهدف من هذه البهرجة جمهور عرمرم من العوام والنخبة !!
شعارات من قبيل الانتقال الديمقراطي، والمسلسل الديمقراطي، والتناوب السياسي، والحكامة الأمنية، وروح المواطنة ، وحرية التعبير، ومفهوم الجودة في الحياة العملية، وترشيد الإدارة، وتخليق الحياة السياسية ، والمفهوم الجديد للسلطة، وإصلاح الِشأن الديني، ومدونة الأسرة، وإحداث معهد للأمازيغية، والتنمية البشرية..و..و..إلى أن تم تسويق " الأصالة والمعاصرة: حزب البعث المخزني الاشتراكي الليبرالي الديمقراطي" وهو عنوان لكتاب زميلنا مولاي التهامي بهطاط!!
شعارات كثيرة أو استعارات بالأحرى أريد منها من منطوق الخطاب أن نحيا بها جميعا من أجل إحداث قطيعة مع ماض قد ولى إلى غير رجعة، ولأجل ذلك استحدثت هيئات رسمية ومنظمات للمجتمع المدني لكي تتولى تطبيق هذه الشعارات، أو الاستعارات التي أخذنا بها من الغرب أو من بعض الدول التي تشبهنا نحن المغاربة إلى حد كبير مثل اسبانيا وجنوب أفريقيا التي عرفت تقريبا نفس التجارب وإن بدرجات متفاوتة واستطاعت أن تقطع مع ماضيها الذي اعتبرته غير مشرف لها، فأخذت بأسباب الحداثة على المستوى السياسي وأوجدت إجماعا وطنيا خلصها من التجزئة والتشتت والتشظي على مستوى المخيال الجماعي، ومن ثمة إلى الموقع الجغرافي عبر زرع مفهوم الوطنية بما تعنيه هذه الكلمة من سلوك حضاري وتصور عقلاني لا موقع فيه للعبث بالوطن كانتماء ومآل.
أجمل ما في هذه الشعارات أنها تُخضع الجموع إلى سلطتها، أي سلطة القول أقصد، إذ لا أحد ممكن أن يكفر بها أو أن يشكك في جدواها ومفعولها من أجل مجتمع متماسك وقوي يستطيع أن يواجه تحديات الألفية الثالثة وهي كثيرة ومركبة وجد معقدة.
لكن علينا أن نعترف –نحن المغاربة- أننا نعيش أزمة أخلاقية قاتلة ومقوضة للاجتماع الذي نريد جمع أشعاته لتتحقق لنا المناعة اللازمة للعمل بجد وبإخلاص وفق قاعدة المواطنة الحقة المبنية على روح علوية القانون وثقافة الاعتراف بمدلولها المتكامل السامي عن كل الاجتهادات والتقديرات كيفما كان مأتاها وزاوية نظرها والتي تتغياها هذه الشعارات وتستهدفها من اجل تقويمها وتأطيرها في مؤسسات مواطنة عن حق وصدق !!!
الأزمة الخطيرة وحَدّها أنها يداوم فيها ويكمن الجانب الأخلاقي طبعا، هي أزمة القصد. والتي تتمثل في الفصل بين القول والواقع. وهي لعمري اخطر أزمة نعانيها اليوم في المغرب، شتان بين ما نسمعه من شعارات وما نلحظه ونعيشه ونتذوقه يوميا بمرارة الواقع، ولذا لا جرم أن نلفي القرآن الكريم يصف هذا الانفصام الخطير بين القول والقصد أو العمل بكلمة "مَقْت" ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) و "مقت" كلمة بليغة في مدلولها اللغوي. فكلمة "المقت" تعتبر أعلى درجات الكراهية، فلنتدبر جيدا !
ويمكن للقارئ الكريم أن يعود إلى معاجم اللغة حتى يقف على بلاغتها اللغوية وخطورتها الأخلاقية وما يترتب عنها من كفر الإنسان بنفسه وأخيه وصاحبته ومجتمعه ووطن يأويه !!
إن الأحداث الأليمة التي وقعت في سيدي افني، وطالعنا أخبارها في الصحافة في تغطيتها من عين المكان عبر تحقيقات وتقارير وحوارات مع بعض ضحايا "المفهوم الجديد للسلطة" و" الحكامة الأمنية" وتابعها العالم عبر الشبكة العنكبوتية في قنوات اليوتوب... أفحمت القناتتين المغربيتين المحترمتين، ولم نجد صحافييها الذين يمولهم الشعب المغربي من الضرائب، يعطيهم معلومات صحيحة عن أخبار جزء من الشعب المغربي في قبيلة آيت باعمران. وماذا حدث بالضبط يوم 28-05-2008 وما تلاه ،في سيدي افني. ونفس الشيء حدث في انتفاضة صفرو قبل عامين تقريبا، دون أن ننسى ما حدث في منطقة سيدي الطيبي عام 2000 وما أعقبها من أحداث تتقطع لها القلوب حين تلاعبت وزارة الداخلية بالسكان هناك فبنوا بيوتا بإيعاز من السلطات قبل وفاة الحسن الثاني يرحمه الله، وفي العهد الجديد قامت نفس السلطات، أي الداخلية، بهدمها دون رأفة ولا رحمة، وتركت الناس في العراء، وبعد زيارة الملك استبشر الناس خيرا، وبعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية التي لا نعرف عنها شيئا إلى اليوم، قيل أن منطقة سيدي الطيبي تعتبر مشتلا للإرهابيين، وتُنوسِي الإصلاح وما وعدت به أعلى سلطة في البلاد !!
أما عن الإصلاح الديني فحدث ولا حرج، فإذا سألت أي مواطن مغربي عن العلماء والمفتيين والقراء للقرآن، سيذكر لك الكثير منهم من خارج المغرب لأنه لا يعرف أحدهم من المغرب، وعن العلماء الرسميين فلا نعرف عنهم سوى شتم يوسف القرضاوي وتكفير الزرقاوي، لأنهم ينتظرون تعليمات فوقية!
أما عن إحداث معهد للأمازيغية، فيمكن أن نقول بأن هذا المعهد استفادت منه نخبة تعيش بعيدا عن هذا الملف الحساس والخطير، ويمكن للمتتبع أن يتابع التعليقات في المواقع الالكترونية والمدونات، فإذا سرنا على هذه الوثيرة فلا يضير أن نجد أن كل دوار بالمغرب سيطالب بالاستقلال عن المغرب، لأن تهميش مناطق ودواوير كما تابعنا في منطقة أنفكو الأمازيغية نواحي خنيفرة التي حاصرتها الثلوج، أو ما اصطلحت عليه الصحافة الوطنية بـ "الموت الأبيض" الذي التهم أطفالا وشيوخا ونسوة لم يجدوا من يطعمهم من جوع أو يؤمنهم من خوف، وكذلك ما حدث في منطقة الغرب هذا العام إبان الفيضانات، وما تلاها من قمع انتفاضة الخنيشات، والزج بشباب بريئ في السجون، هو دليل على كفر المواطن بوطنه.
وأما عن مسلسل الاختطافات التي لا زالت مستمرة إلى اليوم، وعن التعذيب في أقبية المملكة الشريفة ،وعن اغتصاب النساء الطاهرات، و متابعة الشرفاء، وعن المداهمات واقتحام البيوتات، عن تلفيق تهم رخيصة مثل المس بالمقدسات، عن مؤسسات أصبحت مرعى للرشوة والفساد والزبونيات، عن تخريب العقل الوطني عن طريق تعطيل الكفاءات، عن المسخ الثقافي وتهجين الهوية كرابطة وانتماء..وهلم إجراما !
إن الشعارات التي يرفعها المغرب الرسمي في الإعلام الرسمي، وهي في الحقيقة استعارات من الغرب المتقدم لبلد متأخر كالمغرب، أريد بها أن يحيا بها جزء صغير منا، وليست من قبيل"الاستعارات التي نحيا بها" بتعبير اللساني الأمريكي جورج لايكوف ، كما عنون أحد كتبه .
فأزمة القصد التي ألمعنا إليها تجعل بلدي –المغرب- يتقدم القهقرى !! أما الاستعارات فهي في صالح بضعة من سكان المغرب الأقصى، أي 6 % فقط من المنعوم عليهم والذين فهموا قديما الحكمة المغربية القائلة : " اخْدَم أَصُغْري على كُبْري" فكان آباءهم من خدام الأعتاب الشريفة، ومن رجالات الصدر الأعظم في الايالة، ومنهم من كان علافا أي وزير الحرب ، وتصاهروا فيما بينهم وتحالفوا و"حلفوا" أن يكون المغرب الأقصى لهم وحدهم، أما الأغلبية الساحقة أو المسحوقة فهي تقاوم "أبو الغلاء المُعَرّي" في المغربي الأقسى=( من القسوة) ، وشتان بين المغربين !!
من أجل ذلك أقول :
لو كنت مديرا للبنك الدولي للغة، لأصدرت تقريرا أطالب فيه بحذف هذه الاستعارات الجذابات والبراقات والفاتنات ... لأنها شعارات صفراء فاقع لونها ما عادت تثير السامعين، ولا تسر الناظرين!
.................
..................
وبما أني لست مديرا للبنك الدولي للغة، فأنا الآن
" داخــــــل ســــــــوق راسي "
التعليقات (0)