لو كان معه مال

كنا في المقهى سوية .. نظر إلي و قال .. لو أن معي مصاري ( المال ) كنت بخرب الدنيا خَرْبْ .. و الله يا استاذ عندي مخ بيوزن جبال .. بس يا حسرتي ما في مصاري .. في بمخي مشاريع و أمور و افكار جهنمية لا أحد يستطيع القيام بها .. بس لو كان معي مصاري .. و الله بخرب الدنيا خَرْبْ . 

نظرت إليه بهدوء و نفثت دخان السيجارة و أنا أتأمله بصمت و رشفت من فنجان القهوة الاسبرسّو بصمت و لم أنبس ببنت شفة . 

بعد قليل عاد إلى الكلام و فتح الموضوع نفسه .. آآآآآخ يا أستاذ لو معي مصاري .. و الله كنت بخرب الدنيا خرب . 

أنا بدوري لم أتكلم بل رحت أرتشف قهوة الاسبرسّو الساخنة اللذيذة و أدخن بشرود . 

بعد هنيهة عاد صديقنا للكلام .. عندي مخ بيعدل بلد و عندي كل مشروع متا بيخطر ببال أحد .. بس لو في مال .. كنت بخرب الدنيا خرب .

فجاة اقترب منا ماسح أحذية يبدو عليه البؤس و التشرد و الفقر .. نظر إلي و قال .. بويا أستاذ ؟؟؟ .
 

أشرت إليه بالموافقة .. فجلس الصبي و بدا العمل بسعادة و نشاط و كأنه وقع على صيد ثمين .. نظرت إليه و سالته بصوت عالي .. عمو إذا كان معك مصاري شو بتعمل ؟؟ . 

أجاب الصبي دون أن يرفع رأسه .. كنت بخرب الدنيا خرب . 

انتهى ماسح الأحذية من عمله و ذهب شاكراً مشكوراً ..

بعد قليل اقترب شحاذ متشرد منا و قال .. من مال الله يا محسنين . 

قلت له .. سأعطيك مبلغاً يليق بك و لكن قل لي أولاً .. لو كان معك مصاري شو كنت بتعمل ؟؟ . 

أجاب .. كنت بخرب الدنيا خَرْبْ .

بعد قليل أشرت بيدي إلى الكرسون و كنت أعرف أنه يحب الكلام و فتح الأحاديث .. طلبت منه فنجان اسبرسّو آخر و قلت له .. آآآآه صحيح .. بالمناسبة .. لو كان عندك مال ماذا كنت فاعلاً ؟؟ . 

و كأن كلامي هذا كان الشرارة أو ( المرش ) الذي يدير الموتور .. و بدأ الرجل بالكلام .. و الله يا أستاذ كنت بخرب الدنيا خرب .. لك انا يا أستاذ عندي مخ .. مخ كبير .. بس ماحد عم بيقدر .. أنا أستطيع ... لدي أمور ... عندي .. حيث ...... الخ .

هنا صاح جليسي بيأس .. خلااااااااص .. يكفي .. عمي أنا لا عندي مخ و لا بدي أخرب الدنيا خرب .. لك و لا بدي مصاري .. خليني هيك أحسن .

نظرت إليه و قلت له ضاحكاً .. ما قلنالك من الأول خليك هيك .. أنت ما رضيت .. يا صديقي الناس كلها لديها أحلام و أماني و آلالام و هموم و أشجان و دموع و أفكار و مشاريع .. جهنمية و غير جهنمية .. لذلك يا صديقي ..

ارخي للدنيا هماً و دعه متجاوزاً   ****  فما هناء العيش إلا للمطنشِ .

قال لمن بيت الشعر هذا ؟؟؟؟!!!

قلت .. لمحسوبك الجالس أمامك .. الآن فقع ببالي .. و انفجرت ضاحكاً .. أنا و هو و الكرسون .

ختاماً .. عبرة الكلام .. ليست المشكلة في ماذا سنصنع بالمال .. المشكلة المال نفسه و كيفية الحصول عليه .

نزار يوسف