يبدو أن العالمَ الحرَّ قد شبع من الديمقراطية التي حققها لشعبه منذ الحرب العالمية الثانية إلى الآن على الأقل .. ولذلك سَعَتْ تلك الدول ، للتكرّم على الدول غير الديمقراطية ، بنشر " ديمقراطيتها " وتعميمها على مستوى العالم غير الديمقراطي ، كي تتساوى البشرية كلها في هذا النعيم ، وتزول الفوارق الطبقية وغير الطبقية التي تسبب أرقا كبيرا للعالم الديمقراطي الحر حتى " الثمالة " ..
لكن يبدو ـ أيضا ـ أن الديمقراطية والحرية اللتين تتغنى بهما القارة العجوز ، وأرض العام سام ، ومنْ لفَّ لفّهما ، تنتهيان عند حدود أظافر قدمَيْ عشيقتهم "الدولة الصهيونية " المدللة المغناج ..
فهم والهون بها عشقا مقدسًا ، وغارقون في " دباديبها " حتى " شوشتهم " كما يقول أشقاؤنا المصريون .. وهي تجرّهم من ربطات عنقهم ، زاحفين وراءها بإخلاص وأدب واحترام إلى بيت الطاعة ..
لذاااااااااا .. فهم لا يرًوْن العالمَ إلا من خلال عينيْها الساحرتين .. ولا يسمعون العالمَ إلا من خلال أذنيْها المشنفتين .. ولا يفهمون إلا لسانها العذب الشهي الذي يقطر من دماء شهداء المجازر التي ارتكبتها طيلة أكثر من ستين عاما ..
ففي وقتٍ ما تزال تداعيات العدوان الصهيوني على أسطول الحرية ، تفرض وجودَها بقوة ، على الكيان المعتدي الذي أضاف لسجلاته الدموية النكراء جريمة أخرى ، وعارًا آخر ، وهزيمة تنخر أساس هذا الكيان العنصري، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد جملة من المواقف السياسية التي تؤكد الحضورَ الفاعلَ للسياسة السورية إقليميا وعالميا ..
ففي حديثه لمراسل هيئة الإذاعة البريطانية " بي بي سي " وردت خمسة عناصر رئيسة :
1 ـ الشرق الأوسط يمر بمرحلة تغيير ، وإسرائيل لا تمثل الآن شريك سلام ..
2 ـ الهجوم على أسطول الحرية زاد مخاطر نشوب حرب .. 3 ـ سوريا « تعمل على منع وقوع حرب إقليمية».
4 ـ الأسد «لم يبدِ استعدادًا في الوقت الحاضر للاستجابة للمحاولات الأميركية باستمالته بعيدًا عن إيران» ..
5 ـ الأسد « قال : إنه لا يمانع العملَ مع الولايات المتحدة ، بيد أن طهران ستبقى هي الحليف لدمشق » .
هذه العناصر الخمسة تلخص الأوضاع السياسية الراهنة في المنطقة ..
ففي العنصر الأول : يردُّ الأسدُ كيدَ الصهاينة إلى نحورهم فيما يتعلق بالسلام الذي لا بد له من طرفين ..
فقد كذب الصهاينة على المجتمع الدولي طويلا ، زاعمين عدم وجود شريك للسلام في حياة ياسر عرفات ، ومع سوريا قبل الجولات التي تمت في تركيا وبرعايتها ، إلى أنْ افتُضِحَ أمرُهم ، وانكشفَ زيفهم ، فقلبَ الأسدُ السحرَ على الساحر ..
وفي العنصر الثاني : يبين سعْيَ إسرائيل إلى الحرب التي ستجر المنطقة إليها جرّاء تهوّرها ورعونتها وعدوانيتها ولا إنسانيتها ..
وفي العنصر الثالث : يبين مدى التزام سوريا بالسلام من خلال سعيها تجنيبَ المنطقة ويلات حربٍ عدوانية صهيونية جديدة ..
وفي العنصر الرابع يقول لأمريكا : لن نرضخَ لمطالبكم ، لأنها وببساطة لا تتوافقُ مع مصالحنا الوطنية ولا القومية ..
وفي العنصر الخامس : يؤكد ثوابتَ السياسة الخارجية السورية ، بأن سوريا لا يمكن أن تفكَّ عرى التحالف مع إيران ، وهي طرف ندّي وفاعل فيه ، لتكونَ طرفا هامشيا في حلفٍ تحكمُهُ إسرائيلُ ومصالحُها فقط ..
لكن سوريا ليست منغلقة على التعاون مع أمريكا ، فيما يضمن لها مصالحَها وأمنها وسيادتها ..
أما ما يمكن قراءته بين سطور حديث الرئيس الأسد ، ما يلي :
الشرق الأوسط يتغير لصالح قِواه الوطنية والمقاومة ..وأن سوريا لا تساوم على مبادئها ، ولا تتنازل عن حقوقها ، ولا تقبل تهديدًا ولا وعيدًا ..
وإسرائيل الآن أضعفُ من أن تحاربَ ، وأوهنُ من أن تسالم ..
لقد ربحت سوريا في السنوات القليلة الماضية جولات سياسية وإعلامية هامة على الصعيد العالمي ، وبشكل يثير الإعجاب ، حيث كشفت السياسة السورية للعالم ، زيفَ التوجه الصهيوني للسلام ، وبأن الكيان الصهيوني ليس شريكَ سلام ، وأن سوريا بذلتْ كلَّ ما في وسعها ، لتحقيق تقدم في العملية السلمية ، لكن الطرف الآخر أفشلها عن سابق إصرار وتصميم ، وهذا ما بدأ يظهر جليا في الإعلام العالمي ، ولاسيما بعد حربها على لبنان وغزة وحصارها المستمر ، وعدوانها على أسطول الحرية ..
وقد أشار الدكتور جمعة عكل ، إلى أن الإعلام الألماني خاصة والأوربي بشكل عام ، بدأ يعي أراجيف السياسة الصهيونية وأكاذيبَها وافتراءاتِها ، من خلال الجرائم التي ظهرتْ للعالم كله من خلال الصورة التي تتحدث عن نفسها ، بلغةٍ فهمهما العالمُ بمختلف جنسياته وأعراقه ولغاته ..
وأضاف الدكتور عكل أن الإعلام الصهيوني في الغرب فقدَ كلَّ بريقه ومصداقيته ، وأن الشعوبَ الأوربية ما عادت
تصدِّق دعايته ولا إعلامه بعد تلك الجرائم ، والتي حاول كاذبًا أن يُصوِّرَ نفسَه فيها معتدًى عليه ، لكنه فشل في تسويق هذا الإعلام الإجرامي ..
وهو دليل آخر ـ كما يقول الدكتور عكل ـ على أن الكيان الصهيوني يحفر قبره بيديه ، وأن العالم ملَّ وسئم من ادعاءاته الكاذبة بالمطلق ، وأن ساحة المعركة الإعلامية شهدتْ تحولا كبيرًا لصالح قضايانا العادلة ، في مواجهة البربرية والعدوانية الصهيونية ..
إن مأزق الكيان الصهيوني الآن هو في تفاقم النقمة العالمية عليه جرَّاء جرائمه .. وإن الكيان يعمل الآن على تلميع صورته من جديد ، مستنجدًا بالميديا الأمريكية لعلها تستطيع وضعَ بعض المساحيق التجميلية له .. " ولو كان جُحا معمارًا لعمَّرَ داره " .. أليست أمريكا نفسُها تسعى لتلميع صورتها في العالميْن العربي والإسلامي ؟؟!!
وهيهات أن يلتمع وجه مجرم كسَاهُ الخِزْيُ والعارُ ..
ولعل دماء الشهداء التي سفكها الصهاينة في جرائمه ، كانت ثمنا باهظا ندفعه مقدما للنصر في هذه المعركة .. ولكي لا تضيع هذه الدماء هدرًا ، يجب علينا أن نستمر في هذه المعركة الهامة جدا جدا ، لاسيما أن المعركة لم تنته ، ولن تنتهيَ قريبا ، وعلينا أن نشحذ كل أسلحتنا ونوظفها لنمنع الصهاينة من استعادة الإمساك بزمام المعركة الإعلامية ، وتوجيهها لصالحهم ، عندها نكون قد أخذنا بثأر شهدائنا ..
وعندما قلتُ قبل قليل إن المعركة الإعلامية لم تنتهِ ولن تنتهيَ ، عَنيْتُ بذلك ما فعلته وتفعله " ديمقراطية الثورة الفرنسية ، ومبادئها " من جرائم سياسية ـ إعلامية بحق الإعلام المقاوم ..
تلك المعركة التي بدأت مع قناة المنار ولن تنتهي مع قناة الأقصى ، بحجج وتهم وذرائع واهية لا تخدم سوى الصهيونية ، ولا يقبلها منطق ولا عقل ..
إن هذه المعركة هي إحدى محاولات الهجوم الصهيوني المعاكس ، الذي تشنه الصهيونية بالأيدي الفرنسية وبالسلاح الفرنسي ، لتفعل فرنسا ما عجز العدوان الصهيوني عن تحقيقه خلال حربه على غزة .. تماما كما عجز الصهاينة عن إسكات قناة المنار أثناء عدوانها على لبنان في صيف 2006 ، فتنطعت فرنسا " بكل مروءتها " للمهمة ..
فما أشبه اليوم بالبارحة ..
إن السيناريو نفسه يتكرر ، ولسوف يتكرر ويتكرر ما دمنا لم نصدَّ هذا الهجوم المجرم بهجوم كاسح لا يبقي ولا يذر ..
الخميس ـ 17/حزيران/2010
التعليقات (0)