قبل فترة كنا نتناقش أنا وأحد الأصدقاء فقال لي على كل انسان البحث عن الدين الصحيح ليصل في النهاية الى حقيقة أن الأسلام هو الدين الحق ومن يتكاسل في البحث عن الحقيقة لن تقبل منه أي عقيدة أخرى لأن الأنسان لديه عقل يجعله أمام مسؤولية الوصول الى الدين الصحيح , فقلت له لنفترض أني من القبائل البدائية التي تسكن حوض الأمازون كيف سأعرف الأسلام ؟ فأجابني هذا ليس حجة من واجب كل أنسان البحث عن الدين الصحيح , فقلت له لنفترض أني بحثت في الدين الأسلامي هل تعتقد أني سأجد شخصية تمثل الأسلام الان أكثر شهرة من اسامة بن لادن أو تنظيم يتحدث بأسم الأسلام أكثر شهرة من تنظيم القاعدة ؟ وهل تعتقد أن أنسان بدائي يسكن حوض الأمازون سيعرف أن شخص يملك شعبية معتبرة في المجتمع الأسلامي يوازيها دموية وقسوة يلتمس لها الكثير من المسلمين العذر ممكن أن يعتنق الأسلام ؟ فقال لي أسامة بن لادن منحرف لا يمثل الأسلام وليس قياس ثم أن هناك من أعتنق الأسلام حتى بعد الأحداث الدموية لتنظيم القاعدة لأن لديهم عقل يميزون به الفكر الأسلامي الحقيقي من الأفكار المنحرفة وأضاف أن هناك الكثير من أتباع الديانات الأخرى أعتنقوا الأسلام وبعضهم شخصيات علمية مرموقة وهذا يدل على استطاعة أي أنسان يملك عقل سليم أن يميز ان تنظيم القاعدة لا يمثل الأسلام الحقيقي وبأمكان أي شخص الوصول الى الفكر الأسلامي الحقيقي .
ان المبدأ الأساسي الذي يدعو له صديقي الأسلامي هو مبدأ الأطلاع على جميع الأديان وأختيار الأفضل , من المفترض أن هذا المبدأ (البحث والأستقصاء والمقارنة ) مبدأ عام يشمل الجميع حتى المسلمين لكن الواقع يقول أن المسلم يستثني نفسه ويكتفي بان يحمد الله على نعمة الأسلام !
يناقش المفكر العراقي غالب الشابندر رأي الشيخ محمد رضا المظفر في هذا الخصوص وسأنقل هنا جزء منه لصلته الوثيقة بصلب الموضوع :
قال الشيخ المجدد محمد رضا المظفر رحمه الله (كيف يجوز لهؤلاء النصارى واليهود أن يطمئنوا إلى عقيدتهم، ويركنوا إلى دينهم، قبل أن يفحصوا عن صحة الشريعة اللاحقة لشريعتهم كالشريعة النصرانية بالنسبة لليهود، والشريعة الإسلامية بالنسبة إلى اليهود والنصارى. بل يجب بحسب نظرة العقول أن يفحصوا عن صحة هذه الدعوى اللاحقة، فإن ثبت لهم صحتها انتقلوا في دينهم إليها، وإلا ح لهم في شريعة العقل حينئذ البقاء على دينهم والركون إليه) ــ عقائد الإمامية ص 99 ــ
فإذا صح لدى النصراني ما يعتقد به بعد أن بذل جهداً طيبا، فله البقاء على ما يعتقد، بل ذاك مذهبه الذي يجب أن يكون، وبالتالي، هل هو كافر بالمعنى الشرعي هنا؟
ولكن هل يعلم الشيخ رحمه الله تعالى أن فرص العودة إلى الأديان اليوم لفحصها ودرسها من أجل الوصول إلى الصحيح مسألة تعد في غاية الصعوبة و الحساسية، هناك ما لا يحصى من عوامل وأسباب الصدود عن مثل هذه المحاولة، صعبة، عسيرة، تقف دونها حوائل سياسية وفكرية ومعيشية، فكيف يكون المصير؟
هل أقول أن مصداق الكافر اليوم يعد من المشكلات الكبيرة؟
ترى هل كل المسلمين اليوم يملكون من أسباب القناعة بالإسلام ما يكفي؟
وهل نحن مسلمون إلا َّبسبب الانتماء الوراثي والجغرافي والتاريخي؟
ما هو ذنب من لم يولد في مثل هذه عائلة مسلمة، وفي بلد مسلم؟.( 1)
الواقع يقول أن هناك علم منفرد بذاته أسمه مقارنة الاديان وهناك علماء افنوا معظم سنوات عمرهم فيه ولم يصلوا الى نتائج تسعفهم بمحاكمة دين معين بشكل قطعي . وذلك لاسباب عديدة منها أتساع نطاق البحث ووعورته وتعقيده . فكيف بالانسان العادي البسيط المنشغل بمصاعب الحياة وتعقيداتها ؟
من اقوال النبي محمد الرائعة قوله:(لا فرق بين عربي وأعجمي الا بالتقوى)
ان هذا القول يضع التقوى معيار للقياس بدلا عن العرق , وكما نعلم ان فرض المحال ليس محال , من هذا المنطلق أود فرض الفرضية التالية :
لو فرضنا أن الله شاء أن يبعث النبي محمد الان وشاء أيضا أن لا يكون النبي محمد عربي وأختار له أن يكون من بلاد الصين , هل سيهتم العرب في معرفة الدين الأسلامي والأطلاع عليه ؟هل سيفكر العرب في اقتفاء أثر نبي صيني ذو ملامح اسيوية ؟ لو عكسنا كل ما في الأسلام من ضوابط على الواقع الصيني سيفرض على العربي المسلم بالضرورة الصلاة باللغة الصينية مثلا ؟ وبغيرها لا تقبل صلاته ! وسيفرض عليه قرائة القران باللغة الصينية , هل سيعتنق العرب الأسلام ؟ قد يقول قائل هناك ملايين الصينيين أعتنقوا الأسلام ما المانع من حدوث العكس ؟ في الواقع أن كل ما سبق يدور حول العقلية العربية الاسلامية وليس حول الاسلام أو الصين كما يتخيل البعض , فليس مهم دخول ملايين الصينيين في الدين الأسلامي وليس هذا محل نقاش , المهم هو مدى أهتمام العرب بعقائد الصينيين لو شاء الله أن يبعث خاتم النبيين الان ومن الصين .
سألت هذا السؤال لاكثر من شخص فضولا مني لمعرفة رد فعلهم الاول حين يطرق الى سمعهم الأفتراض السابق وطلبت منهم الجواب بصراحة وبدون تردد فكانت أجوبتهم مثيرة للاهتمام وتدعو الى التأمل , أحدهم قال لي ( الدين لا يعرف من جنسية النبي أو شخصه بل يعرف من محتواه ومبادئه) وقال اخر بشكل مباشر ( بالتأكيد لا بل أني أتعجب أن الاوربيين أعتنقوا المسيحية لنفس السبب) أما أكثرهم غرابة هو من قال لي ( من السهل أن أقرأ القران باللغة الصينية ومن السهل أن اصلي باللغة الصينية لكن قل لي كيف سأعرف من هو النبي ؟) هو يشير طبعا الى الملامح الاسيوية التي تجعلنا نرى كل الاسيويين متشابهين .
يصطدم عقل الأنسان بكثير من العوائق منها القومية ومنها عامل اللغة وغيرها حين يفكر في الأجابة على هكذا سؤال لكن من الصعب تكهن الواقع الفعلي لو كانت هذه النظرية حقيقة وذلك لمزاجية الانسان العربي التي تجعل من الصعب توقع سلوكه وخياراته . المزاجية هي من تحكم دول العالم الثالث وليس المبدأية , فالمسلم يجد أن من الضروري على كل أنسان الأطلاع على جميع الأديان للوصول الى الدين الصحيح ولا يجد ضرورة في أن يطبق هو هذا المبدأ كونه سعيد الحظ لأنه ولد مسلما .
فكرة أن عقيدتي هي الطريق الوحيد الى الله أو الطريق الأقرب الى الله فكرة تسكن في عقل الأنسان العربي مهما أختلف دينه الا ما ندر, حين يشعر الأنسان أن الاخر غير ملزم بما في عقيدته لأنه لا يعتقد بها , وحين يشعر الأنسان أن الاخر ( الديني – المذهبي ) يملك عقيدة متعبرة من الضروري تفهم معتنقيها قبل فهمها , سيكون في قمة الرقي والتحضر وفي صلب التدين .
وحين يفهم الأنسان أن المؤمنين بدين والملتزمين به يمثلون وجه من وجوه الحقيقة الراسخة في عقولهم وقلوبهم سنكون في مأمن من ثقافة ألغاء الاخر وتسفيهه و الضحك على عقله ورميه في جهنم .
المصادر :
1- موقع ايلاف – قراءة في ايات التكفير – غالب حسن الشابندر – الجمعة 17 يونيو 2005
التعليقات (0)