لو كان الطالباني رئيسا مُنتَخَبا لما صافح أيهود باراك!
بقلم رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل
بداية لابد من التذكير بأن الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني رئيسا للعراق وليس لأي دولة ثانية او لقومية دون اخرى لذلك فأن الشأن عراقي بالدرجة الاولى وان مواطني الدولة العراقية من الملايين معنيون قبل غيرهم بأي دور او فعل يقوم به الرئيس او اي مسؤول اخر في الدولة. مصافحة الرئيس لايهود باراك لن تقدّم او تأخّر شئ بقدر ماهي احترام لمشاعر الملايين التي يمثّلها دولته او فخامته وما وصف نقدنا واستيضاحنا وهو حق كفله الدستور للجميع من البعض بـ "الضجة" الا نتيجة لقصور في الرؤية والتحليل. الغريب اننا معشر المنتقدين أوجدنا للرئيس مخرجا ولم نتّهمه بالخيانة ولا بأي لفض نابي لايليق بسيادته انما طالباه بالتوضيح فقط وهو اجراء طبيعي في المجتمعات المتحضّرة التي يُحترم فيها الانسان ولاقدسية او الوهية لاي مسؤول حكومي فيها ومع ذلك فقد جاءت الردود انفعالية من الطرف الاخر وموجة التشهير والتخوين لم تدّخر مفردة في قاموس البذاءة الا وحوته!
"سيادة المتحزّب" لم يدّخر جهدا في وصف كل من انتقد او اعترض من العراقيين على هذه المصافحة باننا " متطرفين ونكيل بمكيالين"! بينما ترقّى "الكاتب الاممي التقدمي" في فتواه فوصمنا بـ "النفاق"؟! لغة لاترقى الى أدنى مستويات احترام الذات فضلا عن الاخر في النقاش وتقبّل النقد ناهيك عن تسجيل استغرابنا بل واستهجاننا بكل اللغات الانسانية لتلك المحاولات البائسة لتكميم الافواه وقمع الرأي الاخر وكلّنا يعلم ان العراق الجديد من المفترض ان يعيش حالة من الانفتاح والارتياح وفترة مختلفة تماما عن فترة ماقبل "التحرير" والا فما الداعي والمبرر للتغيير؟
شط الخيال ببعضهم بعيدا فجمع كل الصور التي تجمع بعض زعماء الدول العربية مع بعض المسؤوليين الاسرائيليين وهي محاولة بائسة تدعو الى الاشفاق اكثر منها الى الرد المقنع الواعي الملتزم لاننا كلّما تحدّثنا عن حالة عراقية وشأن عراقي سارعوا الى ربطه بشكل غوغائي بحالة عربية اخرى قريبة الشبه مصوّرين النقد بشكل اخر اشبه الى "المعايرة" منه الى التقويم متناسين الخصوصية العراقية والهوية الاسلامية والرؤية الموضوعية لما يجري في الشرق الاوسط وما حالة فلسطين الا واحدة منها وليس الوحيدة كما يحاول جاهدا البعض تصوريها؟ ثم من قال ان مصافحة هؤلاء العرب للمسؤولين الاسرائيلين حالة صحية وتستحق الاستشهاد بها؟! لقد تناسى هؤلاء السادة ان هؤلاء المسؤولين العرب تربطهم باسرائيل معاهدات سلام وللبعض من دولهم تمثيل دبلوماسي الى حد السفارات وهو مايفتقده العراق الذي لازال وفقا لكل مقررات الاجتماعات العربية والتي وقّع عليها العراق ولازال مصادق عليها انه من الدول العربية التي لا زالت تعيش حالة حرب مع اسرائيل ولم يوقّع الطرفان اي معاهدة سلام حتى كتابة هذا المقال!
أيضا تناسى الذين تصدّوا للرد نيابة عن الرئيس الطالباني -الذي من المفترض ان يقدّم البرلمان العراقي استجوابا له وهو مالم يحدث- ان مسؤولي هذه الدول يمثّلون النظام الذي يحكم والذي جاء من خلال اما حكم ملكي وراثي او انتخاب مباشر لرئيس الدولة فيما هو قمة الهرم السياسي فيها وبالتالي فان البرلمان الذي ينظر لتصرفات هؤلاء المسؤولين لم ينكر الفعل وهو ماكان معكوسا في الحالة العراقية حيث لاقت مصافحة الرئيس الطالباني معارضة شديدة ليس على المستوى البرلماني والحكومي فحسب بل وعلى المستوى الشعبي والنقابي والمهني ومنظمات المجتمع المدني ومن غالبية الاطياف العراقية المكونة للتركيبة السكانية العراقية. فهل يستقيم في تلك الحال الاستشهاد بعلاقات بعض الدول العربية وبعض مسؤوليها وتطويعها لتبرير فعل رئيسنا؟! من المفترض ان من اراد ان يحكمنا عليه ان يلبي احتياجاتنا ويهتم لامورنا ولايضع مصلحة حزبه او طائفته او قوميته قبل مصلحة الوطن والمواطنين. واذا كنا ننظر الى الفعل بعين المصلحة الوطنية المجردة عن المصالح الفئوية الضيقة سنجد ان المؤيدين لفعل الرئيس الطالباني لايتعدون اصابع اليد الواحدة وهم اما من نسيج واحد او افرادا لايمثلون الا انفسهم بينما يمثل المعترضون قطاعات واسعة ومليونية من ابناء العراق.
يبدو ان عراق اليوم ووفقا لمنطق التوافقات السياسية واتفاقات الصالونات ومطابخها التي ازكمت رائحتها انوف الجيران والخلان قبل اي طرف اخر معني بالحالة والشأن العراقي ان أغلب المسؤولين في الدولة العراقية الجديدة لايعنيهم غضب الملايين او رغبتهم طالما انهم غير منتَخَبون بشكل مباشر وهم يعلمون ان المحاصصة ستأتي بهم مرة اخرى الى سدة الحكم حتى ولو بالضد من ارادة الشعب. في هذه العجالة أتذكر طلبا تقدم به رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفري مفاده ان يتم انتخاب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر من الشعب وقد اثبت هذا الاقتراح صحته لما له من مردودات ايجابية اولها ان "دولته" سيفكر ألف مرة قبل ان يُقدم على اي فعل لايوافقه فيه الشعب، فهل سيقره البرلمان يوما ما؟ شخصيا لا اتوقع ذلك من البرلمان الحالي مثلما لا اتوقع اي قرار ينازع الاحزاب الحاكمة سلطتها! "فتقطّعوا امرهُم بَينهُم زُبُراً كُلُ حِزب بما لديهم فَرحون * فَذَرهُم في غَمرتِهِم حتى حين"، (المؤمنون:53-54).
التعليقات (0)