لو جنيدي لو شريطي لو من هذا الداير توه!
بقلم رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل
بداية نقول لمن لايعرف اللهجة العراقية الريفية الدارجة بان الاول معناه الشرطي والثاني الجندي فهي مفردات جاءت بصيغة التصغيير اما الثالث هو شرطي المرور وذلك وفقا لما جاءت به الحكاية. يُقال ان أمراة عراقية سؤلت عن وظيفة ابنها من احدى جاراتها فلم تكن متأكدة منها فذكرت ماأقتبسناه لمقالنا هذا! لكن حينما تحققت الجارة من المقصود من عبارة "من هذا الداير توة" حتى تيقنت ان جارتها انما عنت مهنة شرطي المرور على اعتبار انها مهنة لم يعهدها العامة من الناس فالمعروف عند البسطاء منهم الشرطة والجيش فقط!
شرطي المرور وفي كل الدول العربية هو شرطي المرور تصهره حرارة القيظ صيفا حتى تقلب معدته الخاوية اصلا وتصك برودة الشتاء اضلاعه حتى يصاب بالارتعاشي أسوة بالطيور الداجنة. بالطبع من كان حاله كذلك لايعرف معنى "الانقلاب" لا على الدستور ولا على القانون ولا على الدولة الا اللهم الانقلاب على الذات ليصبح رجلا بمستوى الالة التي يعيد صاحبها روتينها اليومي بشئ قليل من الزيت! حال شرطي المرور في العراق لم يتغير ولاأظنه سيتغير لسبب بسيط هو ان هذه المهنة صاحبها متعوس وعلاجه ميئوس، أولها واسطة واخرها اعتقال!
على سيرة الاعتقال فان بعض القنوات الاعلامية قد "علست" تقارير برأيي المتواضع مصدرها واحد وان اختلفت عناوينها. المهم ان هذه التقارير او هذا المصدر قد ذكر ان الحكومة العراقية قد باشرت في اعتقال سبعا وثلاثين وعلى رواية اربعين ضابطا من "كبار الضباط" وهنا نؤكد على كلمة كبار وذلك لاشتراكهم في محاولة "انقلاب" ونضع تحتها ثلاثة خطوط على حكومة المالكي!!!
شخصيا أضحكني هذا النوع من التقارير لانه اقرب الى النكتة منه الى الحقيقة لاسباب موضوعية عديدة اهمها: اذا ماتجاوزنا المصدر المشار له بعبارات من قبيل "مصدر امني رفيع المستوى فضل عدم الكشف عن اسمه" او "مستشار كبير رفض الكشف عن اسمه"، فأن التقرير يتحدث عن قادة كبار ولكن ماان راجعنا قائمة المعتقلين حتى وجدنا رتبهم تتراوح بين ملازم ورائد ولاادري في اي عرف عسكري يمكن اعتبار هؤلاء من كبار الضباط، هذا اولا! ثانيا يروي التقرير ان ثلاثين من هؤلاء هم من ضباط شرطة المرور والمعروف ان شرطة المرور في كل دول العالم والعراق ليس باستثناء هم دائما وابدا خارج دائرة المخابرات والامن والجيش والمحاصصات فكيف باستطاعة هؤلاء التدبير لانقلاب على الحكومة؟! اما ثالثا فان المعروف عن شرطة المرور في العراق انهم من اصحاب الدخل المحدود وطلباتهم من الحكومة والمواطن على قدر المستطاع ولاتتعدى الرشوة وكل من موقعه وحسب رتبته! والسبب الرابع هو الربط بين عملية تدبير الانقلاب المزعوم وبين "حزب العودة البعثي"، صراحة لو كان هذا الحزب يخطط لانقلاب على الحكومة من خلال ثلاثين شرطي مرور فمن موقعي المتواضع اقول ان هذا الانقلاب ماهو الا مهزلة لن يحدث ولو كان هؤلاء في دولة الصومال الشقيقة التي لايحكمها احد اليوم!
حقيقة أكاد اشفق على تقارير سيناريو "الانقلاب" على حكومة المالكي التي تظهر بين الفينة والاخرى وكأننا امام حكومة استبدادية دكتاتورية يحكمها شخص واحد مكروه من كل فئات الشعب وأطيافه وليس امام حكومة منتخبة يشارك فيها كل موزائيك الشعب العراقي من سنة وشيعة واكراد وتركمان بما فيهم البعثيين واتباع مايسمى "حزب العودة". الامر الاخر المثير للسخرية هو التركيز والتأكيد على تسمية الحكومة العراقية المنتخبة باسم "حكومة المالكي" وكأن المالكي هو الذي اختار وزراءه تبعا للكفاءة والاحقية وليست حكومة محاصصة قدم كل حزب وطائفة مرشحه بما فيهم دولة رئيس الوزراء المالكي وبالتالي اطلاق صفة حكومة المالكي مثيرا للسخرية ومادة للتهكم!!!
عودة الى سلك شرطة المرور المساكين الذين وصلتهم حمى الانقلابات وهم نيام لينطبق عليهم المثل القائل "تجيك التهايم وانت نايم" في وقت احوج مايكون فيه هؤلاء الى تحسين احوالهم المعيشية ومساعدتهم في كف يد السؤال والرشوة ليجد البعض منهم موقوفا بتهمة "الانقلاب" وكأني بلسان حال ام الولد تقول للانقلاب رجالاته وهم "لو جنيدي لو شريطي لو من هذا الداير توه"!
التعليقات (0)