لو أن لي رجعة
بقلم محسن العبيدي الصفار
فتح سعيد عينيه بصعوبة فلم ير شيئا احس بظلمة غير طبيعية تلف حوله فلايستطيع ان يرى اي شيئ, احس بالخوف ولكنه لم يسمع دقات قلبه على الرغم من السكون حوله , وضع يده على قلبه فلم يكن هناك اي نبض لم يشعر في حياته برعب كمثل هذا السكون والظلام , انتظر قليلا وفجأة انقشع الظلام ووجد نفسه واقفا في وسط مجلس عزاء فخم جدا , التفت حوله فرأى اولاده وزوجته الشابة وموظفيه الذين يعملون في شركته والكل قد أرتدى السواد , اطمأن قلبه عندما رأى الجميع سالمين واتجه نحو ابنه الكبير الذي يتحدث مع ابنه الاصغر وخاطبه :
- مرحبا يا ولدي كيف حالك ؟ ماذا تفعلون جميعا في هذا العزاء ؟ خيرا , من الذي توفي ؟
لم يجب الابن ولم يلتف اليه حتى بل استمر بالكلام مع اخيه قائلا :
- تعرف كم من الزمن وانا انتظر وفاة والدي يارجل ظننته لن يموت ابدا .
غضب سعيد وقال :
- عيب عليك ياولد تقول عن ابوك انه مات وهو على قيد الحياة , وانت الاخر كيف تسمح لاخوك بالكلام هكذا ؟
ولكن كلا الشابين استمرا بالحديث وقال الولد الثاني :
- معك حق ياأخي فأنا على علاقة مع النجمة زيزي وقد اقتربت علاقتنا من مراحلها الحاسمة ولكني لن احظى بمرادي قبل ان اشتري لها عقد الماس لايقل ثمنه عن نصف مليون دولار وبعدها سأقضي معها ليلة يحلم بها كل الشباب من أبناء الاغنياء .
لم يكن سعيد يصدق هذا الهراء فالتفت حواليه فوجد يافطة مكتوب عليها عزاء المرحوم سعيد وحيد فريد الذي وافته المنية يوم امس على اثر نوبة قلبية .
جن جنونه , مرحوم , اي مرحوم ؟ انا حي , الا تروني امامكم ؟ انا حي ولست ميتا . صرخ وصرخ ولكن احدا لم يسمعه والولدين مستمرين بالكلام فأجاب الابن الاكبر اخاه :
- هنيئا لك زيزي يا أخي, اما أنا فسأمارس هوايتي المفضلة في المراهنة على سباقات الخيل , صحيح اني لم اربح شيئا لحد الان ولكني احس بأن حظي سيتغير بعد وفاة والدي التي اعتبرها اسعد شيئ حصل لي .
عبس سعيد وكاد يبكي وهو يقول :
- اسعد شيئ في حياتك يا جاحد ؟ انسيت يوم دفعت كل تلك الرشاوي كي انقذك من السجن بعد دهست شابا وقتلته لانك كنت تقود باستهتار ؟ الم اجعل الطبيب الشرعي يكتب في تقريره ان الشاب كان ثملا ؟ انسيت نظرة امه وهي تبكي وتقول قتلتم ابني مرتين قتلتم جسده وشوهتم سمعته ؟ هل هذا جزائي ؟
ثم التفت الى الابن الاخر وقال :
- اما انت ايها العربيد ؟ انسيت زوج المرأة التي اعتديت عليها وكان يريد قتلك ؟ الم ارسل رجالي كي يضربوه حتى لم يقوى على نفس ثم وضعوا له الهيرويين في جيوبه وسلموه للشرطة وحكم عليه بالسجن مدى الحياة ؟ الم انقذ حياتك البائسة ؟ والان انت فرح بموتي كي تعطي نصف مليون دولار تعبت في جنيها لغانية مقابل ليلة واحدة ؟
لم يلتفت احد من الولدين اليه واستمرا بالكلام والضحك , نظر في الاتجاه الاخر فرأى زوجته الثانية تبكي بدموع حارة فحن قلبه وقال لنفسه :
- الحمد لله على الأقل زوجتي لديها من الوفاء مايجعلها تبكي علي بدلا من الضحك والسخرية مثل اولادي الجاحدين .
اتجه نحو الزوجة وشاهدها تتكلم مع امها وهي تذرف الدمع وتقول :
- والله يا أمي أن هذه الدموع هي دموع الفرح فقد تخلصت اخيرا من هذا الزوج العجوز البائس وسأستفيد من حصتي من الميراث وسأتزوج من الشاب الذي كنت احبه قبل زواجي من هذا الكبش العجوز المريض الذي لايقوى على شيئ وليست لديه من الرجولة سوى اسمها , وغدا ساشتري لحبيبي سيارة رياضية فاخرة كجائزة ترضية على انتظاره لي طوال هذه المدة .
شهق سعيد من هذا الكلام وقال :
- انا كبش عجوز ايتها الفاجرة ؟ ألم اطلق زوجتي وأم اولادي بعد عشرة 30 سنة من اجلك ؟ انسيت انك لم تكوني سوى موظفة عندي ومارست كل انواع الاغراء حتى اوقعتيني في حبالك ؟ والان تريدن الزواج من عشيقك بنقودي ؟ اي مصيبة هذه ياربي ؟ لاولد نافع ولا زوجة وفية ؟ ومالي الذي جمعته فلسا فلسا يصرف بالملايين على القمار وعلى الغواني وعلى عشيق زوجتي ؟ ماذا فعلت ياربي في حياتي ؟ اليوم أنا ميت وليست لدي اي نقود او قصور ولازوجة جميلة ولا اولاد اتباهى بهم وكل شيئ في حياتي قد ضاع ولا اجد حتى من يترحم علي ويذكرني بكلمة خير تشفع لي عندك ؟ هل انا بائس لهذا الحد ؟
تذكر انه بنى مسجدا من ماله ففكر هذه حتما تشفع لي ها , هاهو شيخ الحي الذي بنيت فيه مسجدي حتما هو الان يترحم علي ويدعو لي بالخير , ذهب الى حيث يجلس الشيخ مع عدد من الرجال فسمعه يقول :
- هذا الرجل بنى مسجدا على ارض مغتصبة من اصحابها ومن مال يعلم الجميع انه حرام وبناه على بعد 100 متر من المسجد الاخر ووسط حي سكني ومأذنته تشرف على بيوت الحي , وبعد ذلك يتوقع ان تترحم الناس عليه لبنائه هذا المسجد ؟ سأساعد صاحب الارض بكل جهدي حتى يتمكن من الحصول على حكم قضائي بازالة مسجد الضرار هذا فوالله لم يصل فيه مسلم واحد منذ بنائه الا من كان عابر سبيل ولاعلم له بتاريخه .
احس سعيد بالحزن فحتى مسجده الذي بناه وهو يحسب انه سيكون بطاقة دخوله الى الجنة لم يجلب له ولا حتى دعوة صالحة واحدة بل أن الجميع يفكر بهدمه والتخلص منه .
وفي غمرة حزنه ويأسه رأى شابا يرفع يديه ويقرا الفاتحة وعلى خده دمعة , استغرب سعيد وقال لنفسه من يكون هذا الشاب ؟ ولم تدمع عيناه لي بينما علائم السعادة بادية على وجوه اقرب الناس لي ؟ اقترب منه فسمعه يدمدم بصوت خافت :
- رحمة الله عليك ياسعيد فقد عملت عندك وفي احد الايام اعطيتني مكافئة دون ان اطلبها منك مكنتني من علاج ولدي المريض .
لم يصدق سعيد مايسمع فاللذين صرف عليهم الملايين لم يترحم احد منهم عليه بينما رجل اعطاه مبلغا بسيطا يترحم عليه ويسأل له المغفرة وتدمع عيناه من اجله ؟ في أي ظلال كنت أعيش ؟ في أي مستنقع بائس من الشرور كنت أغرق وانا لا اشعر ؟ يارب أنا أعلم أنه لاعودة عن الموت ولكن إعطني فرصة كي اعوض ما فاتني أعطني فرصة كي استحق ان اكون عبدا لك ؟ اعطني فرصة يارب يارب يارب يارب .
وبينما هو يدعو ويبكي ويتضرع اذا فجأة بنور الغرفة يسطع وخادمته تدخل عليه وتقول :
- مابك يا سيد سعيد ؟ لم تصرخ يارب يارب باعلى صوتك ؟ ستوقظ الجيران كلهم ؟ هل تريد حبة منومة ؟
قفز سعيد من الفراش وهو يتلمس جسمه وهو يقول :
- انا حي انا حي , اشكرك يارب اشكرك يارب على الفرصة اشكرك يارب اعدك يارب اني ساصحح كل شيئ اعدك يارب اني سأكون لائقا بالفرصة التي اعطيتني اياها اعدك يارب .
استغربت الخادمة وقالت :
- طبع انت حي ياسيدي ومن قال لك انك ميت ؟ هل تريد مني ان اعطيك شيئا يريحك ؟
نظر سعيد اليها وقال :
- بل انا من سيعطي كي يرتاح وينام بقلب قرير , لقد اخذت حبة موقظة بدل حبة النوم وقد ايقظتني عن الضلال الذي كنت فيه ومن اليوم وصاعدا سأرد كل حق الى صاحبه ولن يبقى في بيتي فلس واحد من مال الحرام حتى لو فقدت بيتي نفسه وسأصحح كل ظلم بدر مني ومن اهل بيتي حتى لو قضيت بقية عمري في السجن او علقوني انا وأبنائي على حبل المشنقة ,
وخرج وهو يقول :
- استغفر الله ربي العظيم واتوب اليه , استغفر الله ربي العظيم واتوب اليه .
قصة خيالية
التعليقات (0)