لولؤة الموساد شولا
كوهين
بقلم: المحامي والكاتب السياسي
سركوت كمال علي
شولا كوهين (شولاميت كوهين كشك) (1917 - 21 مايو 2017) الملقبة بلؤلؤة الموساد الإسرائيلي لعملها لسنوات في لبنان كجاسوسة لهذا الجهاز. لم تكن جاسوسة عادية، فهي تمكنت في خلال عملها من الوصول إلى مراكز القرار ونسج علاقات مع شخصيات سياسية وأمنية بينها وزراء ونواب إلى أن تم كشف أمرها وسجنها ثم سلمت إلى إسرائيل بعد حرب1967 في اطار عملية تبادل اعتبرت الأولى من نوعها قطعا بين البلدين.
تزوجت تاجراً يهوديا لبنانيا ثرياً هو جوزف كوهين والذي كان يعمل في أحد أقدم أسواق بيروت العتيقة، وقد سكنا وادي ابوجميل أو ما كان يعرف بحي اليهود. وصفتها الكثير من الروايات المحكية عنها جميلة، سمراء، ذكية، محدثة وتعرف كيف تنسج العلاقات.
استطاعت إسرائيل خرق الطبقة السياسية اللبنانية والمجتمع المخملي،عن طريق شولا كوهين .
ونقلا عن “مركز تراث المخابرات” أنها، عشية اعلان قيام دولة اسرائيل، حصلت على معلومات عن استعدادات عسكرية لبنانية وعربية للحرب ضد إسرائيل، وشعرت أن بإمكانها أن تساعد في المجهود الحربي للدولة الوليدة، فاتصلت شولا بمسؤولين يهود في الاستخبارات العسكرية وأعربت عن رغبتها بالانتماء إلى الجهاز، وعملت في الوحدة 504 للجهاز. وبعد تأسيس دولة اسرائيل، انتقلت إلى جهاز الموساد. وعملت خلال السنوات 1947-1961 في نقل معلومات عسكرية عن سوريا ولبنان.
قدمت إلى لبنان عام 1947 وعرفت عن نفسها أنها مندوبة لإحدى الشركات السياحية الأوروبية، استطاعت بعد فترة قصيرة أن تحظى بثقة واسعة في المجتمع اللبناني الحاكم، وتطورت علاقاتها مع كبار موظفي الدولة في لبنان، وعرضت خدماتها الجنسية عليهم وتمكنت من فتح عدة ملاهي جنسية لأغراض جنسية واستقبلت مسؤولين مرموقين في الدولة اللبنانية بينهم نواب ووزراء.
وقالت في مقابلة معها باللغة العبرية نشرت قبل سنوات إنها التقت جميع رؤساء أجهزة الاستخبارات اللبنانية والشرطة. وقالت “كنت ألتقي رؤساء، التقيت الرئيس كميل شمعون في ذلك الوقت، ورئيس حزب الكتائب اللبنانية بيار الجميل”.
وقالت شولاميت كوهين في المقابلات العديدة التي أجريت معها بعد عودتها إلى إسرائيل، إن زوجها لم يعلم طوال الوقت بأنها كانت تعمل جاسوسة وأنها هربت اثنين من أولادها السبعة إلى اسرائيل، وأقنعت زوجها بأنهما في إجازة وسوف يعودان. كما هربت أكثر من ألف يهودي من لبنان إلى الدولة العبرية.
في عام 1956 وسعت شولا أعمالها في الدعارة، وامتلكت عام خمسة بيوت دعارة انتقت لها الحسناوات والفاتنات من البغايا المحليات والأجنبيات كان أجملهن على الإطلاق فتاة تدعى "لوسي كوبليان" ذات الأربعة عشر ربيعاً واختصت بها كبار المسئولين دون غيرهم. فتمكنت من تصوير الكثير من الساسة والعسكريين وصانعي القرار في جلسات حمراء مع بغاياها , كما كانت هي نفسها لا تتوانى أن تكون حضنا دافئاً لجياع الكرامة واللاهثين لإرضاء أجسادهم وشهواتهم.
واستأجرت فيما بعد مطعما حولته إلى حانة أسمتها "رامبو باب" بشارع الحمراء ببيروت يلتقي فيه مجندوها لنقل أدق التفاصيل للجانب الاسرائيلي, وقد نجحت في تهجير آلاف اليهود العرب من لبنان وسوريا والعراق , وكان لتهريب المال حظا أوفر حيث ساعدها الضابط اليهودي "ادوارد هيس" معتمدين على وسيلة إشهار الإفلاس, فهرب بداية التاجر اليهودي اللبناني "ايميل ناتشوتو" بملايين الليرات التي سرقها من البنوك والتجار, ثم تم تهريب التاجر "ابراهيم مزراحي" التاجر الطرابلسي الشهير إلى اليونان ثم اسرائيل وبقيت خطيبته "ليلى مزراحي" في لبنان لتساعد شولا على تهريب المزيد.
كشف امرها بمحض صدفة وبعد سنوات عدة على عملها كجاسوسة. وقد تم ذلك عندما باشرت الدولة اللبنانية التحقيق في عملية تزوير طوابع بريدية، فتوصلت التحقيقات إلى اسم اللبناني محمود عوض. وضع عوض تحت المراقبة، فتبين ان له صلات متكررة بسيدة من سكان وادي أبو جميل تدعى شولا كوهين. وضعت الأجهزة الأمنية هاتف شولا تحت المراقبة فتبين ان اتصالات عوض معها مشفرة مما اثار المزيد من الشكوك. ثم طورت أجهزة المراقبة بان وضع جهاز تنصت في المنزل العلوي لمنزلها لتسجيل ما كان يدور من أحاديث بحضور شخصيات سياسية رفيعة. وبعد اسابيع من المراقبة، داهمت القوى الأمنية منزلها في صيف عام 1961 والقت القبض عليها وصادرت جهاز إرسال مشفر كان صلة وصلها مع الموساد الإسرائيلي.
اعترفت شولا خلال التحقيق بانها زودت الموساد بمعلومات أمنية وسياسية واقتصادية ومالية عن لبنان. وطلب القضاء العسكري انزال عقوبة الإعدام بها وقد خففت العقوبة إلى السجن عشرين عاما، وقد تولت الدفاع عنها شخصيات رفيعة وذلك خشية انكشاف امرها لان تلك الشخصيات وبعضها اعضاء في الحكومة، كانت من الذين يترددون عليها في خلال سهرات الكيف التي كانت تقيمها. بعد الحكم عليها اتصلت الحكومة الإسرائيلية بلجنة مراقبة الهدنة التي تعمل على الحدود بين البلدين منذ عام 1949، وطلبت تدخلها لدى الحكومة اللبنانية للبحث في إطلاق سراح شولا مقابل الإفراج عن عدد من العسكريين اوقفوا عند الحدود. ودرس الطلب في الحكومة اللبنانية واقرت صفقة التبادل فسلمت شولا إلى عناصر لجنة مراقبة الهدنة وتسلم لبنان الجنود فيما يعتبر أول صفقة تبادل بين البلدين.
وقد حظيت شولا فيما بعد بتكريم متكرر من الموساد الإسرائيلي وكبار المسؤولين في إسرائيل مما يشير إلى موقعها في هذا الجهاز وحجم الخدمات الذي أدتها. وهي ربما تكون واحدة من أوائل الجواسيس الذين زرعتهم إسرائيل في لبنان. كما أنها واحدة من اكثرهم تاثيرا نسبة إلى طبيعة العلاقات التي نسجتها داخل الطبقة الساسية اللبنانية.
أما ابنها إسحق لفنون (سفير إسرائيل في القاهرة من نوفمبر 2009 حتى ديسمبر 2011) فهو من مواليد لبنان وقد رحل مع امه ووالده الذي سجن عند اعتقال شولا ثم أفرج عنه بعد ذلك بايام.
توفيت يوم الاثنين21 مايو 2017 في القدس في إسرائيل عن عمر يناهز 100 سنة.
وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت "وداع.. الجاسوسة الإسرائيلية رقم واحد في لبنان"، معلنة وفاتها في القدس عن مئة عام.
التعليقات (0)