أرأيت هذه الأمة التي تنفق المليارات علي الكلام الفارغ وليس المليان ومع ذلك هي تستورد كل أجهزة الكلام ولا تستحي أو تختشي علي دمها والي جانب "الهلفطة".. تتكلم قليلاً فيما هو جاد ومفيد.. صحيح انها أمة الخطابة والفصاحة والحنجوري.. لكن الزمن توقف بها عند أمور الكلام فأصبحت الأمة البريمو علي مستوي العالم في "اللوك لوك" أو الرغي.
واللحظات القليلة التي تسكت فيها مرغمة.. تكون مشغولة بالمزاج خاصة التدخين.. أو شئون التسالي الأخري وهي في ذلك من استهلاك الي استهلاك.. حتي لو بلغت الهلاك.
وقد قال قائل منا وعلينا ان العرب ظاهرة صوتية.. وقال الفيلسوف المصري انها "فنجرة البق".. أو "طق حنك" ومع ذلك ينبغي ان ندرك بأن الكلام مستويات ودرجات ومنه ما يبلغ درجة القداسة.. ومنه ما هو أدني من النجاسة..
والنبي محمد صلي الله عليه وسلم.. حذرنا من ان نكب علي وجوهنا في النار من حصاد ألسنتنا.. وفي الموروث الشعبي يقال: لسانك حصانك..
وقال الشاعر العربي القديم:
عود لسانك قلة اللفظ
واحفظ كلامك أيما حفظ
إياك ان تعظ الرجال وقد
اصبحت محتاجاً الي الوعظ!
إنها كلمة
كم اشتعلت الحروب بسبب كلمة.. وكم تفشي الوئام بسبب كلمة اسمها السلام.
واللسان عنوان الإنسان ومفتاح شخصيته فالمرءمخبوء تحت لسانه.. وقد قيل تكلم يا هذا حتي اعرفك..
ونحن لا نتوقف عن الكلام.. وبالتالي نكشف عن انفسنا الدرجة العظمي من العبط والسبهللة التي نتمتع بها دون سوانا فالكلام اذا لم يدعمه التصرف والسلوك تحول الي شوشرة.
والكلام أدب.. فأنت عندما تتكلم مع مسئول أو ملك.. تراعي ألفاظك وتنتقي افضلها.. وتفكر ألف مرة قبل ان تنطق حرفاً واحداً.
ومع ذلك قد يتجاوز المرء في كلامه مع ربه وأذكر انني كنت في صلاة وجاورني شخص عند السجود يدعو الله بصوت مرتفع اسمعه بطريقة كانت تشوش تركيزي.. وكان يدعو علي شخص يضايقه أو ضره في شيء وسمعته يقول:
يارب انتقم لي من الواد محمود ابن محمود واحرق قلب أمه عليه وخليها تمشي منكوشة الشعر في الشوارع.
واستطرد في ذكر ووصف الواد محمود ولم يكن ينقصه إلا ذكر رقم تليفونه وعنوان بيته حيث يسكن مع أنه يخاطب السميع العليم خالق الكون كله..
طبعاً مثل هذا الشخص من الصعب ان تجادله أو تحاول ان تشرح له.. ولهذا وصفوا الكلام البليغ بأنه الأدب.
وفي عصرنا هذا تطورت التكنولوجيا ووسائل الحياة الحديثة وتدهورت أدبيات الكلمة في افلامنا ومسلسلاتنا وجرائدنا ومجلاتنا الأمر الذي يجعلنا نطالب بإعادة تأهيل الألسنة... وتدريبنا جميعا علي الكلمة الطيبة الفعالة.. ولن يأتي هذا.. إلا إن عرفنا متي نتكلم ومتي نصمت..؟.. فإذا الكلام موهبة.. لا يقدر عليها إلا المؤهل "البربنط" المؤهل لذلك.. بثقافته وقدرته علي الاقناع.. ويمتلك سحر البيان.
اذاً كان الكلام المفيد "نعمة".. فإن الصمت أيضا موهبة لا يقدر عليها إلا الفلاسفة الذين يعرفون ان سكوتهم في لحظة معينة يعني قمة الكلام والتعبير.. بدلاً من اسلوب البغبغة في الفاضية والمليانة ولهذا قررت ان اسأل نفسي واسألكم هل تمتلكون شجاعة الاستماع الي انفسكم؟
أرجوك حاول ان تتكلم.. مع نفسك لكي تدرك الي اي درجات من الخبلان وصلت.. ولن يقول أهلك عنك بأنك "لسعت" اذا ما وجدوك تفعلها.. وقل لهم انك تتدرب.. ودعهم يفعلون نفس الشيء وكيف نتحول من أمة "لوك لوك".. الي أمة "اقرأ".. التي تعرف متي تقول.. وكيف تقول وبأي أسلوب تقول وكيف نتكلم في كل مناسبة بما يليق بها فلا تخلط جدها بهزلها.. كمن دخل شادراً للعزاء لكي يلقي بنكتة بحجة ان المرحوم كان يحبها.
وهل يمكن والطبع غلاب ان نتعلم كيف نتكلم في المفيد فقط.. والأهم من هذا ان نتعلم كيف "نخرس خالص" اذا لم نجد ما نقوله..؟ "ياريت"!
التعليقات (0)