قال لي صديقي محاولا المساعدة : " ارسم ، أخرج ما في جوفك عساك تستريح " .
وضع أمامي ورقة بيضاء وقلم ، بحثت في ذاكرتي عن شيء يبعث البهجة في النفوس ، ثم … تدافعت الصور لتكتمل اللوحة في مخيلتي ، الجو العام للوحة ليلي ، وفي الخلفية اكتست السماء باللون الأحمر .
في منتصف اللوحة طريق لا نهائي ، يستقيم حينا ويتلوى أحيانا ، على جانبيه تنتصب أعمدة إنارة أغلبها مطفأ ، وما ينير منها لا تتعدى دائرة ضوئه محيط قاعدته ، خلفها صنفين متباينين من المنازل ، فعلى الجانب الشرقي من الطريق تقبع بيوتا أنصاف متهالكة يلفها صمت لا يقطعه بين الحين والحين إلا صرخة ألم ، أشبه بشيخ هرم يحتضر ، يتأكد الناظر لها من الوهلة الأولى أنها كانت شامخة عظيمة في شبابها ، تم تشييدها على أسس متينة ، غير أنها قد أنهكها سكانها بأحمالهم الثقيلة على مر الزمان حتى كلت ، فجدار مائل ، وآخر طمع في الراحة فألقى بنفسه أرضا لتتناثر بقاياه هنا وهناك ، مخلفا بقية المنزل عرضة للانهيار ، ولا تخلو المسافات بين المنازل من قط جائع يبحث في التراب عن ما يسد به جوعته ، أو كلب عقور يجد ضالته في جيفة قط أراحه الموت من عنائه ( أو كاد ) فيلتهمه التهاما ( حيا كان أو ميتا ) .
على الجانب الغربي من الطريق تنتصب ناطحات السحاب في مدينة الشياطين ، حيث الصخب والضوضاء ، وكل الألوان عدا الأبيض ، تتطلع أشباحها بأعين مترقبة عبر الطريق ، حيث الجانب الآخر ، فقد أوشك هو الآخر أن يكون مدينة أشباح .
تركت القلم ، فليس في اللوحة ما يبهج .
التعليقات (0)