مجموعة قصصية ترتكز على الحدود الذاتية و التصنيف الايبستيمي ، تعتمد النقد الفلسفي في أبعاده المجازية و التوظيف الواقعي للأشياء ، القاص يرتب عتبات مجموعته تحت عتبة كبرى (العنوان الرئيس) مستلهما من الواقع المعيش مختلف الصور التي اصطنعتها قيم مزيفة تدعي الحياد و الموضوعية ، مسالمة في ظاهرها مخادعة في باطنها ، و هو الموقف الذي رسمه القاص منذ البدء ليستفز به مختلف العوالق و العوائق التي رسخت في مجموع سلوكات الأفراد (لوحات واشية) العتبة الحقيقية التي تحيل إلى التلوين الشفاف و استفحال الزيف الذي بات ممارسة استنادية في تغيير معطيات الطبيعة و استبدالها بقيم ارتبطت بمحيط مستلب اجتماعيا و ثقافيا ، مشروع القاص يبحث عن الحقيقة المفقودة في عالم لا تجمع عناصره إلا أدوات الصدمة و الافتكاك و الاختلاف و السخرية و الضجر و الحزن ، و مشاهد إنسانية عقيمة تحمل(وظيفة مرجعية للصور المشار إليها…ترمي إلى تمثيل العالم)1 ، في شكل صور سردية (أكثر تجريدا بالنظر إلى المستوى الخطابي فهو يسعى إلى إعطاء شكل لانتشار الوضعيات و الأحداث و الحالات و التحويلات في الخطاب)2 العتبة الأولى (لوحات واشية) قصة قصيرة جدا ، ترتيبها السابعة والخمسين من بين سبع و سبعين قصة قصيرة ، القراءة الأولى لهذا الإسقاط تحيل إلى الاختيار النموذجي لتداخل الأشياء و ترابط المعطيات داخل حيزين زمنيين ، فيزيائي وهو مشهد الشخصية الأولى (جلس في المقهى ، يشاهد الرجل يقود ولده ماسكا يده)3 ، و زمن نفسي ، بداية الاضطراب و القلق و توقع المفاجأة ، باعتبار خصوصية المكان و تكاثف المثيرات أحدثت متغيّرا مختلفا ملفتا (تملّص الطفل من يد والده ، اختفى بين السيقان الطويلة للزبائن)4 ، تكرّر مشهد الطفل ثمان مرات ، بداية و نهاية في مقابل ورود اسم الوالد و الرجل سبع مرات في مواضع مختلفة ووظائف نفسية متطورة من حيث قوة الموقف و حدّة الشعور (الوالد غاب عن نظر الولد بين الأجساد الكثيرة ، الطفل نظر في كل مكان ثم شهق)5 ، هذا التوازي في توزيع المعاني يحمل أكثر من دلالة ، إذ يعمق في مقدمتها مدلول الزمن و القلق و التفكير (راح يفكر في اختلاف الزمان في لحظة واحدة قد يشاهد وجهيها و يجمع المترادف منها …)6 ، فأطوار الزمن تنتظم و الحركة السردية وفق وتيرة معتدلة في طرح تصور مبهم ، تركه الكاتب لنهاية النّص لاجتلاب مقومات الأشياء التي غابت منذ البداية ، محدثا بذلك ما يسمى بالصراع و الصدام ، و هذا الذي جعل الكاتب يعتمد التوصيف و تقريب مختلف زوايا الأشياء و عناصر المحيط لتمكن المتلقي من إدراك الحقيقة و بالتالي إشراكه في العملية الاستنتاجية المنطقية و ربما يتوصل بذلك إلى الغاية دون الاستعانة بتوقعات الكاتب نفسه و المعادلة التالية توضح المخطط الذي رسمه الكاتب:
جلس / شاهد / يقود / تملص / اختفى / غاب / نظر / شهق / أحس / نسى / سمع / تفصلهما / فتح / وقف تناول / راح / يفكر / يشاهد / يجمع / تختلق / التقطها / قُتل / دفن / جمع / وضعهما / طأطأ / أخفى / بحث / ينعدم / يحمل / تكثر / يجد / يعلّق /
صورة النّص كلها متحركة تحيل إلى وجود تناثر و تنافر في تلاقي أجزاء الأشياء و تباعدها بالرغم من الطبيعة التي تجمعها ، و لكنها على نسق مقصود لذاته ، و كثرة الأفعال مع قلة الأسماء دلالة على حيوية عناصر الموضوع و اعتماد وظيفة الاستنطاق ليتحقق ما يسمى بالمستوى الفاعل في تقارب مرتكزات الصورة المنتجة المعتمدة على النظرة الشمولية ، (فالتلفظ في أغلب الأحيان كنشاط لفاعل يتكلم ، يكتب ، يلفظ خطابا …تتحول إلى “تحقيقات” في الفاعل : من المتكلم ؟ من أين يصدر الكلام ؟ ما هي الملابسات و ظروف الخطاب و تبليغه ؟ ما هو قصد المتلفظ ؟ )7.
الفاعل الحدث ردّ فعل
الشخصية النشاط الذهني و السلوكي التحول الشعوري
الولد / الوالد فاعلية أولى ( التفكير) فاعلية ثانية (الاضطراب)
ثنائيات متقاربة و متناقضة .
ـــــــــــــــــــــــ
()- قاص جزائري
1- السيميائية أصولها و قواعدها ، ت : د. رشيد بن مالك ، م و تق : عزالدين مناصرة ، منشورات الاختلاف ، ط 2002 ، ص 112
2- المرجع نفسه ص 113
3- لوحات واشية ، ص 92
4- المصدر نفسه ، ص 92
5- المصدر نفسه ، ص 92
6- المصدر نفسه ، ص 92 ، 93
7- المرجع نفسه ، ص 124
التعليقات (0)