عندما ثار سبارتاکوس برر الثورة بمقولته الشهيرة:(لن نخسر سوى القيود)، وهذا الکلام کان يحمل في طياته الکثير من المعاني البليغة و العميقة التي کانت تلمح الى حقيقة موقف الانسان عندما يصل الى نقطة اليأس و اللاعودة،إذ ان سبارتاکوس و الالوف المؤلفة من العبيد الذين کانوا تحت أمرته، قد تيقنوا من أن قتالا ضاريا قد يفضي الى مرج او سلة مليئة بالغذاء او الى ميتة سريعة، هو أفضل بکثير من حياة قاسية لاخير او امل فيها سوى حصد العبرات و الالام و المصائب وتحمل ثقل القيود.
وقطعا فإن منازلة اليائس او الذي لم يبق من أمل لديه او ثمة أمر ما قد يساوم او يراهن عليه، هي أصعب بکثير من مقارعة ثمة أمرء يحدوه أمل وضاء بالحياة و يحمل في يديه العديد من الخيارات المتباينة، ويوم أحرق طارق ابن زياد السفن أمام جيشه وأطلق مقولته(البحر من ورائکم و العدو أمامکم وليس لکم والله إلا الموت او الشهادة)، فإن کلامه لايختلف من حيث الهدف او المعنى او القصد عن مقولة سبارتاکوس بل وان کلاهما يکادا أن يصبا في ذات المجرى، ومن هنا کان النصر المبين الذي حققه ابن زياد، مثلما تمکن جيش سبارتاکوس وان لم يحرز النصر من تکبيد عدوه خسائر فادحة لم يکن يتصورها مطلقا.
تنظيم القاعدة و مختلف التنظيمات و التجمعات الارهابية و المنغلقة على نفسها، تحارب بنفس المبدأ السابق الذي أشرنا إليه، وان ماحققته او تحققه من نتائج مرتبط اساسا بنبذها لحياتها و واقعها الراهن وانها تغامر بوجودها من أجل إحداث التغيير الجذري الذي يقلب کل الامور رأسا على عقب و يعطيها مناها و غاية أملها.
اليوم، و العالم يشهد فصلا او مرحلة جديدة و نوعية الى حد ما من الصراع بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة الامريکية و إيران، فإن العديد من المؤشرات و المراقبين و اوساط نافذة في الهرم الحاکم بإيران، يؤکدون من أن طهران ستقاتل کسبارتاکوس او کطارق بن زياد او حتى کهنيبعل، وانها تهدد کشمشون بتهديم معبد المنطقة(المهم جدا بالنسبة للغرب)، على رأسها و رأس جيرانها المتوجسين قلقا و رعبا من هذا الاحتمال المهول.
يقول الشاعر الايراني المتصوف الشيخ ابو سعيد ابو الخير: (العاشق و المجنون و المتيم أنا، الشهرة و الاسطورة و الفضيحة أنا،
الکافر و عابد الوثن و الخائف أنا، کل ذلك و مائة مرة اسوأ من کل ذلك أنا.)
النظام الديني المتشدد في طهران يکاد ان يکون کهذه الابيات الشعرية(من حيث معناها الظاهري)، إذ أنه يصور نفسه أحيانا کعامل او واسطة خير ومنفعة للمنطقة برمتها کما انه أيضا لا يتوانى مطلقا عن إطلاق مختلف أشکال و الوان التهديدات و التحديات مصورا نفسه کوحش اسطوري من الصعب جدا قهره، و يسعى عن طريق قنواته المتعددة الى الايحاء بثمة سيناريوهات إستثنائية ترسم مشاهدا مرعبة جدا سيما لاولئك المتنعمين على الضفة الاخرى من الخليج (الفارس ـ عربي!)، وطبعا فإن هدف القادة الايرانيين من وراء ذلك حث قادة و حکومات هذه الدول على عمل مابوسعهم من أجل الحيلولة دون حدوث کارثة لايعلم عقباها سوى الله وحده(کما تؤکد اوساط نافذة من النظام الايراني)، لکن السؤال الکبير جدا هو هل حقا أن رجال الدين الحاکمين في طهران کشمشون او سبارتاکوس او طارق بن زياد؟ هل حقا انهم سيحرقون الارض التي تحت اقدامهم و اقدام اعدائهم؟ هل سيقلبون المنطقة رأسا على عقب و يجعلون عاليها سافلها؟!
البغل الذي يحملونه أحمالا ثقيلة أکثر من طاقته و قدرته، يلجأ للإنتحار بإلقاء نفسه و حمله من المنحدرات الحادة جدا، لکن هل ترى بأن النظام الايراني الذي طفق الغرب يحمله أثقالا متعددة بحيث من الممکن جدا(برغم مزاعمه و ادعائاته المختلفة)أن ينوء تحت ثقل وطئتها و يعاني الامرين منها، سيرضخ في النهاية للمطالب الغربية و يقوم بإيصال الاثقال الى النقطة المحددة، أم سينتحر إنتحارا بغليا مشرفا و ينهي عذابه و معاناته و يکبد بميتته أعدائه شر خسارة؟!
ان من تعود على حياة الرغد و النعمة و الدعة و شرب کأس السلطة حتى الثمالة(کما هو الحال مع آيات و حجج الله في طهران)، ليس من السهل جدا ان يفکروا بالتعامل و التعاطي باسلوب و منطق شمشون و سبارتاکوس، صحيح انهم يقولون ذلك، لکنهم کالشعراء الذين وصفهم القرآن الکريم(يقولون مالايفعلون)، ولأجل ذلك فإن الحالة هنا ستتغير إذ لن ينتحر البغل مطلقا!!
التعليقات (0)