لن يغيروا ما بأنفسهم. لا يمكن للتغيير أن يتم دون إرادة خالصة في تجاوز معيقات الواقع، و التطلع إلى المستقبل بأدوات و آليات تقطع مع أنماط التفكير الجاهزة و المتوارثة بين الأجيال.
لكني _حين أنظر إلى الواقع العربي_ أعجب حقا لأشخاص يعلكون الكلمات و يستعملون كل أنواع الاستعارات الخطابية، وهم يتحدثون عن التغيير و عن ضرورة الإصلاح. ويحذوهم في ذلك أمل كبير يذكرني بالآمال التي كان يعقدها سيزيف وهو يحمل الصخرة على ظهره متوجها بوثوقية إلى قمة الجبل التي لا يستطيع إدراكها على أي حال... سيزيف المسكين كانت تعترضه عوائق موضوعية، لكنه حاول تجاوز الصعاب في كل مرة. المهم أنه لم يستسلم. إذ في قصته جانب إيجابي هو الإصرار على الوصول. هو عند سيزيف إذن إصرار فعلي وواقعي من خلال تجربته المتكررة مع حمل الصخرة وتسلق الجبل. ذات الإصرار موجود أيضا عند بعض أشباه المثقفين في العالم العربي. هؤلاء الذين نذروا حياتهم للعويل، و هم يشحذون الهمم للنهوض و تجاوز الواقع البائس. إنهم مصرون على التغيير. لكنه ليس ذات الإصرار السيزيفي على العمل و تكرار التجربة. إنه إصرار الكلمات. ولا شيء غير الكلمات.
في كل التجارب الحياتية تنتصب مجموعة من العوائق التي تقف حجر عثرة أمام الوصول إلى التغيير المنشود. وهذا ينطبق على الأفراد كما الشعوب. لكن أخطر هذه الموانع هو العائق الذاتي. وذلك هو الحال تماما في الواقع العربي. و في كل الحالات لا يمكن للتغيير أن يتم بدون ألم. وهو يحتاج إلى صبر كبير و وقت طويل، لكنه قبل هذا و ذاك يحتاج إلى استعداد ذاتي. و عندما ننظر إلى عقلية الإنسان العربي عموما، نفهم مكمن الخلل بالضبط. إذ مازالت مجموعة من المشاهد تفرض نفسها بقوة، وذلك من قبيل: طبع التسلط و رفض الآخر و الإنفراد بالقرار و فرض الوصاية...و النخبة التي من المفروض أن تحمل لواء التنوير و تخوض غمار التغيير، ليست مستعدة لاتخاذ أول قرار في هذا الشأن. وهو بالضرورة أهم قرار على الإطلاق. إنه الاستعداد الذاتي لتقبل التغيير. وهذه هي المفارقة العجيبة التي تؤثث المشهد العربي.حيث تعلو أصوات الكثيرين بالصراخ و لغة الحماسة، لكنهم في نفس الوقت يقدمون أمثلة صاخبة للانغلاق و التسلط و الأنانية. يتحدثون عن الأمل و الخير في المستقبل، وينسون أن بذرة هذا المستقبل لابد أن تغرس هنا و الآن. لكنهم لا يغرسون إلا التعصب و التقوقع حول الذات و فرض الرأي الواحد و تغييب التسامح والحوار و الاحترام المتبادل. و هذه هي البذور التي يأملون منها خيرا يانعا لمستقبل الأجيال القادمة.
هؤلاء لن يغيروا ما بأنفسهم لأن الدافع إلى إبقاء الوضع كما هو عليه متجذر في أعماق عقولهم. وهم يقولون ما لا يفعلون. و يواجهون الواقع بالكلمات و الأماني لا بالقرارات الفعلية و السلوك العملي. محمد مغوتي.02/07/2010.
التعليقات (0)