لن تحرقوا أرواحنا
" ... على الإنسان الذي يريد أن يسود الآخرين أن يكون سيّد نفسه أولا... "
فليب ماسينجر
مقدر للإنسان أن يعيش حياته، و مقدر له أن يتمتع بحقوقه المختلفة، فالوزن الذي هو عليه رسم و لم يحسم بعد، و لكن تبقى لهذا الكائن المقدس القدرة على التغيير و التطوير، إن ما هو أرادها إراديا، و سعى إليها عبر خطة يضعها و يتخذها مسارا.
فالعملية تبدوا سهلة في بدايتها، لكنها في حقيقتها بالغة الصعوبة، و ما على الإنسان إلا فك شفرة هذه العملية العويصة قصد إقامتها على أحسن ما هو مطلوب منه. من حيث أن لكل عملية بداية.
فالتغيير يبدأ من اللحظة التي نفكّر فيه، ثم يترسّخ في اللحظة التي نؤمن به فعلا، و يتجسّد خلال عملنا في بنائه على أرض الواقع، و يتم حين نلمسه، و يلاحظه الآخرون.
إنها عملية واضحة الخطوات، و التي هي متّحدة الموضوع و العضوية، و أي إخلال في اي مرحلة، سيؤدي بالتغيير للانتقال من الهدف إلى الأمنية، و هذا لا يحصل إلا عند الفرد الضعيف ضعفا أكيدا، و إن كان هذا الضعف في حقيقته عامل تبرير لا تمكين مستقر في أيّ ذات تدعيه.
و في عصرنا، عصر العمال و الأفكار، نجد أن التغيير خطى خطوات جبارة، و لإدراكه ما على الإنسان إلاّ أن يقرر و يثابر، فالعمل على قدر المواقف و الظروف، و التي هي في تغيّر مستمر، مما يستدعي المرونة الكاملة و السريعة، من أجل استيعاب المتغيرات و دمجها في مشروع التغيير.
و الأبهى في كل هذا أن لهذه العملية أساسات موروثة و جاهزة، و هي متعددة الأجناس و الأولويات على حسب مسار العاقد على التغيير، لأنها عملية تسير وفق الطموحات، التي هي في الحقيقة غير محددة المعالم، و هذا ما يعقدها، و يجعل بلوغها ضربا من الجهد و نوعا من الأمل.
فقبل كل شيء، التغيير ليس هدفا كليا، لأن الكلي من الأهداف هو التبديل على نحو التطوير من الجانب الفكري، لدى فالتغيير في عصرنا ليس تغيير الملابس و الهاتف النقال، و إنما هو تغيير النمط التفكيري برمته من حيث الانطلاقات، و الجداول الترابية للفكر، و المتناسقة على هيئة الترتيب الجاد، فتدخل في صناعتها جملة من الأفكار، التي يلجأ إليها المغيّر على سبيل الإنقاذ لا الترويح. أي أنه صراع داخليّ قد ينتقل إلى الخارج بضربة واحدة.
و ما الإنسان إلاّ ينبوع أفكار، و لهذه الأخيرة سلطة تفوق كلّ السلطات التي عرفها التاريخ، و لها طبيعة لم يعهدها البشر من قبل رغم مرافقتها للإنسان منذ وجوده، و كثيرين جعلوها نقطة اختلاف الكائن المقدس عن غيره من الكائنات. لأنّ التفكير عملية تأخذ من كل جنبات و أجزاء الفرد، لتصله بنفسه و ما يحيط به على حد السواء. بل و قد تتمكن من التأثير فيه تارة، و الدفاع عنه تارة أخرى.
فالفكرة سلاح عابر للحدود و القارات، و هي من أخطر الأسلحة التي استعملها الإنسان، فقد تتمكن من السيطرة بفكرتك على شعوب بأكملها. فمبدع الأفكار الجديدة قادر على التغيّر كيف ما شاء، و متى يشاء، بل و قادر على تغيير من يريد تغييرهم، إذا ما أدرك ما يملك من قدرات، و وظفها بطريقة سليمة. فما ادركت اليونان حضارتها إلاّ بفكرة أنّ بلاد اليونان موطن للوغوس حر، و ما أدركت الإمبراطورية الرومانية قوتها إلاّ بفكرة أنّ روما مركز للحكم و التسيير، بقدرة السلاح و التدمير، و ما بلغت ألمانيا مجدها، إلاّ بفكرة أنّ الألمان جنس لا يقهر، و ما جعل أميركا في ريادة العالم إلاّ فكرة العالم الجديد التي تقوده افتراضيا و واقعيا.
فللفكرة سحر لم يبلغه حتى سحرة فرعون، و لها قوة لم تبلغها حتى الأسلحة المحرمة دوليا. و لها عنفوانها الذي لم يصله حتى جهابذة السياسة أو الدعاية و غيرهم من العباقرة. فهؤلاء أفكارهم هي التي رفعتهم درجات و جعلت منهم عباقرة و مبدعين.
فالجنس البشريّ قسمان: فئة رائدة و أخرى راكعة، و ما الفرق بينهما سوى الأفكار، فالرائد يبدع الفكرة الجديدة و المتميّزة، و الراكع يتبنى تلك الفكرة و يعيش على فتاتها.
" ... إنّ التفكير الابداعي يقتضي تحطيم أنماط التفكير القائمة، و ذلك للنظر إلى الأمور بطريق مختلفة ".
ادوارد دوبونو، طبيب. مؤلف كتاب "التفكير الجانبي"
بقلـــم: السيّد: مـــزوار محمد سعيد.
التعليقات (0)