مواضيع اليوم

لن أسميكِ امرأة، سأسميك كل شيء

رأفت الظاهر طه

2009-12-04 19:30:39

0

بسم الله الرحمن الرحيم

لن أسميكِ امرأة، سأسميك كل شيء - محمود درويش


أحترت من أين أبدأ و فكرت كثيرا و حاولت أن أغير و أبدل أولى مقالتي في هذه المدونة و لكن في النهاية قررت أن أكتب عن جدتي(الحاجة ثريا حميد – أم محمد) زوجة جدي المرحوم الحاج أحمد قمران عبد الكريم الظاهر – ياصيد – نابلس ...
أفلا تستحق أن يكون لها موضوع يعبر فيه عنها؟؟


جدتي هذه هي اكبر بكثير من غيرها بعمرها و عملها و صبرها و تضحيتها و حتى هي احيانا كثيرة اكبر من عدة مؤسسات حكومية كالمستشفيات او المجالس القروية مثلا .

جدتي الحاجة ثريا عمرها تجاوز الثمانون ربيعا و لكن عندما تسالها كما مضى من عمرك تقول الكثير و هو اصبح مع الايام قليل فلا بركة و لا رحمة بالوقت اليوم.

جدتي هذه ولدت في قرية سيريس جنوب مدينة جنين و من ثم تزوجت من جدي و هي في عمر صغير لا يتعدى الاربعة عشر عاما وهي السن المناسبة اليوم لدخول مدينة ملاهي او العاب او لتطلب حلوى من اباك او امك.

جدتي هذه و بعد هذا العمر المديد الذي اتمنى من الله ان يمد به اكثر و اكثر حتى نظل نستفيد من تجاربها الحلوة و المرة التي عانت منها على مر الزمن و السنون – تجارب في المقاومة و التضحية و مساعدة الناس و الوقوف ال جانبهم في السراء و الضراء و رحلات سفر و عناء
جدتي أم محمد و على ما يبدو وطأت قدماها اراض الحجاز و لبنان و سوريا و الاردن و فلسطين على فترات مختلفة و كانت تمضي اكثر من نصف السفر مشيا على اقدامها و جدي رحمه الله كان يرافقها.. لكن لماذا كل هذا السفر؟؟.


جدتي هذه : لو اردت سرد حكايتها لاحتجت لتاليف كتاب كبير و سوف يكون هذا الكتاب متضمنا بين صفحاته الكثير الكثير و مقسما الى اجزاء متعددة بحسب كل مرحلة من مراحل حياتها خاصة ما يتعلق منها بالجانبين الوطني و الانساني.


جدتي أم محمد: هي أم و لكن ليس ككل الامهات بل هي تختلف الشيء البسيط فهي أم لستة ذكور و لستة اناث (6+6) و جدتي لم تريد ان تذكر لي الا هذا العدد فهناك من مات و هو صغيرا و غير ذلك فلا تتذكرهم جيدا حتى تذكرهم... و ذريتها اليوم تصل الى الرقم ( 220 ذكرا و انثى)
فلا تكون المرأة أماً بولادتها بل بتربيتها لأولادها

أغلبيتهم يعيشون في فلسطين (ياصيد، سيريس، الجديدة، فرعطة، نابلس، كفر راعي ،بيت امرين، عصيرة الشمالية، مخيم بلاطة، بيت وزن، كفر قدوم، الجنيد، رام الله، الأردن) و هنا اكتب الاسماء لكي أقول بأن جدتي ام محمد تزور كل هذه الاماكن بمعدل مرة او مرتين كل عام دونما زيارات الاعياد و ذلك من باب صلة الرحم و أضيف انني مرات كثير أشفق عليها جدا و هي تحضر و تعد بالهدايا و غيرها من متاع و شراب و زيت و جبنة ... حتى انني اشفق عليها و اتفكر قليلا بها كيف تدبر امورها بكل هذا ... و هل ستفقد جزء منها او كلها فكيف تنقلها و نحن اليوم الواحد منا احيانا كثيرة لا يقدر ان يحمل كيسا او قد ينساه و يفقده

 

و بعد هذا الرقم (220) إرادة الله شاءت ان تتحقق .. فمن يعطي يأخذ و المعطي الله .. كريم حميد... أستشهد ابنها البكر(محمد= طعمه) في الجنوب اللبناني في سبعينات القرن العشرين حيث كان من القادة الميدانيين للكفاح المسلح لحركة فتح في لبنان. و لكن ستي (جدتي ) ذهبت و سافرت الى هناك كي تتأكد بنفسها و تسأل و تبحث، لاننا في فلسطين و خاصة في اريافها كنا نعاني من عدم توفر وسائل الاتصال و المواصلات كما حدثتني قائلة (يا ستي سبع أيام و أنا أمشي أنا و سيدك تا القيننا واحد من الثورة و أكد لنا نبأ استشهاد خالك محمد الله يرحمه - حبيبي)... و هنا تذكرت أنه
عندما تبكي المرأة ... تتحطم قوة الرجل ... فما بالك إن كانت جدتك
و في إنتفاضة العام 1987 أستشهد إبنها المدلل الصغير الثائر الكبير بعلمه و عمله في حينه فإسمه ( مجاهد أحمد الظاهر 6 -11-1988) و هو فعلا كان يحمل معنى اسمه، حيث كان لاستشهاده اثر عظيم في نفوس من عرفوه او كانوا يعرفوه حتى ان جدتي هذه مضى عليها و أن لم يكن "كل أهل بيتها" أنهم لم يذوقوا الطعام شهرا كاملا و ظلت نفوسهم تحب الماء و تتذكر الدماء الطاهرة فقط الا أن وجدوا أنفسهم بين ايات الله تعالى "إن الله مع الصابرين اذا صبروا".

فلم يخلق الدمع لامرئ عبثا .. الله أدرى بلوعة الحزن


فجدتي مثل العشب الناعم ينحني أمام النسيم ولكنه لا ينكسر للعاصفة
و تمضي الايام ... فيغادر ابنها سعد فلسطين الى الاردن في ثمانينات القرن الماضي و قد منعته اسرائيل من العودة الى اليوم (عاد في عام 1996) و مرة اخرى ترفض اسرائيل ان يقيم في الوطن او يحمل اي اقامة قانونية و من ثم عاد الى الاردن في عام 2003 ..... و اليوم عادت المعاناة من جديد و عادت معها معاناة جدتي في السفر الى الاردن فهي تسافر في كل عام مرة على الاقل...

ثلاث يعز الصبر عند حلولهـا

ويذهل عنها عقل كل لبيب

خروج اضطرار من بلاد يحبها

وفرقة إخـوان وفقد حبيب 
جدتي كبيرة بعملها و بعلمها فهي (ممرضة على الطريقة القديمة) اي انها كانت تعمل (داية) و مرات كثيرة باجر او بدون و على التساهيل .. همها دائما مساعدة الناس... حتى كثير من الاطباء و الممرضات استغربوا من طريقة عملها بكل هذا الفن المهني العظيم المليء بالامانة و الاخلاق معا ... و على الارجح انها سبب في اسماءنا جميعا ... خاصة الاسماء البلدية منها ...


جدتي هذه مشهود لها بالكثير و لكن اهم ما يشهد لها به هو محافظتها على (النظافة) نظافة ساحة بيتها (الحارة) فهي كل يوم جمعة يجب أن تكنس ساحة بيتها او الشارع الذي يمر من امام منزلها و ساحة المسجد العمري القديم و حتى أنك لا ترى كل بلديات العالم تقوم بأعمال النظافة و المحافظة على البيئة مثلها ... و أن مر الناس ووجدوا المكان ليس بالنظيف ففورا يقولون الحجة مسافرة او مريضة..


جدتي اليوم عجوز تقدم بها السن و لكن ذاكرتها لا تزال فتية فهي تستخدم الجوال و تقوم بالايداع و السحب من البنك ... تبيع و تشتري و تحسب و تعد الفلوس... تحرث و تزرع و تعمر ... و كان أخر مشروع لها تعميرها و استصلاحها لقطعة أرض بمساحة 25 دونم (السدرات) و زراعتها بالاشجار المثمرة و الزيتون حتى أنها بنت بها بئريين لجمع المياه!! فجدتي تقول زرعت لأجلس في الظل ...


جدتي ثريا: انها تتقن اعمال الطبيخ بدرجة خمس نجوم بمقاييس اليوم و تحضر الشاي و القهوة بطريقة تجعل من كأس الشاي ما يجعلك تقول هذا هو الشاي... زاكي و طعمه مميز...


جدتي : تشارك الناس أفراحهم و أحزانهم و لا تغيب عنها مناسبة ... حتى أنها من تجلس في المقاعد الاولى و هذا احتراما لها في المناسبات و الحفلات العامة ... خاصة الوطنية منه


جدتي : تتقن هواية الصيد و ركوب الخيل و حتى سياقة التراكتور ... و حتى اليوم تحب ان تبعث رسائلها بالمغلف العادي و أنا و غيري كثيرا ما نكتب و نقرا لها و لا تؤمن ارسالها من النقال او النت ... و أن لا تتقن استخدامهما في هذا المجال تحديدا.
 

جدتي: انا و جميع احفادها مدينون لها بالكثير و ان لم يكن الكثير من الناس فهي ام للجميع و جدة الجميع و حجة يحترمها و يقدرها الجميع... فهي ام الشهداء و الجرحى و الاسرى و أهل الخير ... أولادها و أحفادها قدموا تضحيات كبيرة و بقوا و لا يزالوا على العهد...

جدتي: ليست الألقاب هي التي تكسب المجد... بل الناس من يكسبون الألقاب مجدا و أنت منهم



 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !