مواضيع اليوم

لن أترك عملك يذهب سدىً يا أبي ...

عبدالله بولحيارا

2010-11-20 06:19:48

0

لن أترك عملك يذهب سدىً يا أبي ...

السلام عليكم.

تقديم:-1
6 نوفمبر من كل سنة يحتفل المغاربة بكل مشاربهم, في كل القرى والمدن, وحتى خارج الوطن, بالعيد السعيد, عيد عبر ولا يزال يعبر عن البعد الوحدوي للأمة والقومية المغربية, عيد جعلنا نفتخر بأن رجال المغرب ونسائه ما زالوا وما زلن, يسعون ويتوقون إلى الحرية والإنعتاق, إنه عيد المسيرة الخضراء المظفرة.

نداء:-2
الجميع في هذا الوطن العزيز, يتذكر كيف لبى الآلاف من الرجال والنساء, نداء القلب والوطن ورحلوا من بيوتهم تاركين أبنائهم وزوجاتهم وأهلهم, قاصدين الطريق التي تؤدي إلى الحرية, غير عابئين بما يمكن أن يشكل خطراً على حياتهم, ومستقبلهم.
يقول والدي " كنا شباباً يافعين, ولا أحد أجبرنا على خوض هذه المغامرة الخطيرة, كلما هناك أنني أعلنت جاهزيتي للخوض في هذه التجربة بدون أدنى تفكير, لقد لبيت نداء قلبي ووطني وملكي".
في16 أكتوبر سنة 1975 وبمدينة مراكش, أعلن الحسن الثاني عن أكبر مسيرة سلمية في التاريخ, لاسترجاع ما تبقى من أراضي المملكة المغربية, الخاضعة للإستعمار الإسباني, وبالتالي استكمال الوحدة الترابية.
جلالة الملك الحسن الثاني, وهو يخاطب شعبه الوفي:
"علينا أن نقوم بمسيرة خضراء,من شمال المغرب إلى جنوبه,ومن شرق المغرب إلى غربه,علينا أن نقوم كرجل واحد, بنظام وانتظام, لنلتحق بالصحراء ولنصل الرحم,مع إخواننا في الصحراء"
لم يكن على والدي إلا أن يلبي النداء, ويذهب إلى النصر القويم عند الله, ويصنع لنفسه مجداً كان يتمنى أن يصنعه قبل الإستقلال, كان يتمنى لو وُلد قبل الإستقلال بفترة, لأمكنه حينها أن يحارب الفرنسيين ويُخرجهم من أرضنا, وهو الذي يعلم علم اليقين, كيف كان أجداده من المقاومين الشرفاء, يدافعون عن أرضهم, وهو الذي مازالت صور محمد الخامس طيب الله ثراه, بجلبابه وطربوشه وتقاسيم وجهه البشوش, وجديته, وبالأبيض والأسود تزين جدران بيته,لكن الوقت خانه, فقد ولد قبل الإستقلال بسنتين.

الرحيــــل: -3

بدأ الناس أو نقول المتطوعون بمغادرة بيوتهم, وبدأت الحافلات والشاحنات والسيارات بالمسير, وهي تلتحف بالأعلام الوطنية الحمراء, والأعلام الخضراء نسبة إلى الفكرة والإسم "المسيرة الخضراء", كان على أبي أن يفعل كما فعله الرجال, من المتطوعين والمتطوعات, ويسير مع الركب إلى المصير المحتوم, حيث كان لزاماً عليهم أن يفعلوا ذلك.
إنه أمر حتمي ولا رجعة فيه, حتميته راهنية, وتترجمها الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية. حتمية جعلت من هذه الخطوة المباركة حدثاً تاريخياً بارزاً بامتياز, ولا يخفى على خافِ أن الأمر يُعد بحق مغامرة من نوع نادر.
كان المغفور له الحسن الثاني بارعاً, ذكياً, فطناً, يعرف كل كبيرة وصغيرة, ودرس الخطوة ببراعة, ومن كل الجوانب.

طرفاية :-4
طرفاية, هي الإنطلاقة الفعلية, طرفاية هي النقطة الأولى, كان خطاب صاحب الجلالة آنذاك أشبه بالأسطورة, قد حرك مشاعر كل المغاربة, وأحيا فيهم أملاً وقوة.
مقتطف من خطاب جلالة الملك الحسن الثاني وهو يخاطب أبطال المسيرة الخضراء:
5 نونبر 1975
"غداً إن شاء الله سنخترق الحدود..., غداً إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء, غداً إن شاء الله ستطأون طرفاً من أراضيكم, وستلمسون رملاً من رمالكم, وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز"
ثلاثمائة وخمسين ألفاً, من المتطوعين والمتطوعات, من المواطنين والمواطنات, وطأوا أرضهم, وطردوا آخر مستعمر إسباني, بالعزيمة والإيمان, وسلاحهم كان القرآن, والإيمان.
أتت الأوامر, وسُمح للمتطوعين في نقطة طرفاية بالدخول إلى الأراضي الجنوبية للمملكة, وتحريرها من البطش والغطرسة الإستعمارية الإسبانية.
كانت ليلة فريدة من نوعها, حيث كانت أعين العدو تراقبهم, فجائت أوامر بعدم إشعال الأضواء, ولا أي شيء يثبت الوجود في منطقة معينة, دخل والدي مع بقية المتطوعين بطريقة لا يمكن وصفها, فقبلوا أرضهم, وعانقوها, وصلُوا عليها, سجدوا لله حمداً وشكراً, وأنزلوا أعلام المستعمر الإسباني, ورفعوا أعلام المغرب, وسط تكبير و بكاء الفرح بالنصر, وزغاريد النساء.

الحـــــرية:-5
كان لهذا الحدث التاريخي وزنه وقيمته الخالصة, ما يزال والدي يحفظ أحداثه, خطوة بخطوة, وما يزال يتذكر أيامه ويحكيها, كما لو أنه عاشها قبل يوم أو يومين, بتفاصيلها و وبكل حيثياتها, أبى والدي إلا أن يكون رجلاً بين الرجال, ومتطوعاً وخادماً لوطنه, ومعتزاً مفتخراً به, محباً له, حاضناً له في السراء والضراء, ملتزماً بمبادئه, ومخلصاً لله ولوطنه, ومدافعاً عنه, من كل خطر يهدده.
لقد أبى الوطنيون الصادقون منذ القدم إلا أن يصنعوا لنا وطناً يحضننا, وطناً يجمعنا, وطناً ضحوا بالغالي والنفيس لأجله, وطناً جعلوا دمائهم رخيصة في سبيله, وطناً بنوه ودشنوه وصنعوه, بتنوعه, ولغاته, وأديانه, وأجناسه, وطناً جعلوه جنة فوق الأرض يعيش فيها أبناؤهم وحفدتهم, جنة أرغموا التاريخ أن يعطيها مكانة رفيعة عالية سامية, لم تستطع رياح الغدر الهوجاء أن تتسرب إليه.

9 نونبر 1975
أمر صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني أبناء الشعب المغربي, من المتطوعين والمتطوعات, إلى الرجوع إلى أهاليهم, سالمين, غانمين, منتصرين, نصراً من عند الله.
...عاد والدي, وبعض المتطوعين من أبناء القبيلة, إلى الأهل وسط فرح عارم, وزغاريد النساء باستقبال الأبطال, في ملحمة المسيرة الخضراء.

كان أبي بطلاً, كان شهماً مقداماً, لقد كان أسطورتي في صغري, ومثلي الأعلى في شبابي, لقد كان بطلاً وما يزال كذلك. يحارب الآن من أجل بناء بلده, وتنميته, أقصد بالبناء, بناء أسرة وتعليم أبناء وتدريسهم, وتلقينهم مبادئ الوطنية الصادقة, ليكملوا ما بدأه الأجداد الأولون.

ما يزال والدي يحن إلى تلك الأيام الخوالي, يصفها ببراعة, ويسرد أحداثها وشخوصها واحداً واحداً, دون أن ينسى أو يتغافل عن أحدها.
كانت حياته كلها حباً للوطن, وتفانياً في خدمته, هذا ما تعلمه من آبائه وأجداده, وكذلك علمني وعلم أبنائه أن يسلكوا الطريق ذاتها.

,, كنت دائماً تقول يا أبي, أن أجدادنا علموك أن المرء يقاتل من أجل ثلاثة:
,, الوطن , الشرف , الأسرة,,
,, لن أترك تعليمك لي يذهب هدراً يا أبي ... وسأسعى لزرعه في من يأتي بعدي,,
,, لن أرضى بالخيانة يا أبي..., وسأسعى لآجتثاثها من وطني...,,
,, لن أرضى بالذل يا أبي ...,,
,, لن أترك عملك يذهب سدىً يا أبي...,,

إنـــتــــــهـى ...
عبد الله بولحيارا
الولايات المتحدة الأمريكية
deelyara@gmail.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !