مواضيع اليوم

لن أبعث تهنئة بالعيد القومي المصري!

لن أبعث تهنئة بالعيد القومي المصري!

هذا العام لن أبعث تهنئة للمصريين بعيدهم الوطني؛ فلن يردّ أحد، ولن تتحرك عضلة في الوجه، فالمصريون مشتاقون لعصر الملك والاستعمار البريطاني، حتى أن أكثرهم يعتقد أن الاحتلال البريطاني كان سيغادر قناة السويس طواعية احتراما منه لحرية الشعب المصري!

لن أبعث تهنئة فهم لا يُحمّلون القوى الاسرائيلية والفرنسية والأمريكية والبريطانية مسؤولية التعاون الرباعي لهزيمة مصر في نكسة 1967!

لن أبعث تهنئة فلو فعلت، لتلقيت شتائم قذرة من الاخوان المسلمين والوفديين وجواسيس الموساد في أرض الكنانة.

لن أبعث تهنئة فقد غادرتْ الروحُ الوطنية المصريين، رغم أنها عادت لثمانية عشر يوما في 25 يناير 2011، وهزّت الدنيا، وأخجلتْ الآباء الذين صمتوا ثلاثين عاما، فوصفوا غضب أبنائهم الأنبياء الصغار بأنها وكسة!

لن أبعث تهنئة فالأرض والجُزر والنهر الخالد وخيرات مصر تُباع (على عينك يا تاجر)، وكأن المصريين ضيوف على بلدهم.

لن أبعث تهنئة فذاكرة المصريين السمكية لا تحتفظ بجرائم السادات ومبارك وطنطاوي ومرسي والسيسي، إنما تتذكر فقط جمال عبد الناصر.

لن أبعث تهنئة فالخائفون لا يفرحون بالتهنئة، واقتحام أرانب صدور المصريين(إلا القليل)، ومصر تعيش، أقصد تموت كما لم تمُتْ طوال تاريخها.

لن أبعث تهنئة فالوطن تدعوش، والمشروع القومي تم اغتياله، والمصري يقوم برشوة السماء فيتحدث في الدين وعن الدين تسعة أعشار يومه؛ ويفعل عكس ما يأمر به الدين.

لن أبعث تهنئة فالمصريون أعلنوا الحرب على الثقافة والكتاب والقراءة، واكتفوا بمتابعة حوارات، أكثرها وهمية، قيل لهم بأنها حدثت في الصحراء منذ مئات الأعوام.

لن أبعث تهنئة فقد غرق المصريون في عالم الفتاوى الفجّة التي يُطلقها مخابيل جهلة عن كل شيء تافه ومنحط وسخيف، فانشغلوا بمعرفة طعام العفاريت، وكيفية تجنب رؤية الجن لعوراتهم في الحمّام، وأدعية في كل دقيقة تجنبهم العمل الجاد، هذا فضلا عن كراهية مقيتة للمرأة.

لن أبعث تهنئة فالمصريون أهالوا التراب على تاريخهم الوطني، ومعاركهم ضد الفساد والاستعمار والقوى الخارجية المناهضة لنهضة مصر؛ وهُمْ مشغولون بعبقرية رئيسهم، وفلسفته العوجاء، وإعلامييه الحمقى، وأحفاد أبطال العبور الذين تحولوا إلى البزنس.

لن أبعث تهنئة فالمصريون يتبنون رؤية الاستعمار في نكبة 48، ومؤامرة الاخوان المسلمين 54، وحقارة وقذارة العدوان الثلاثي على بلدهم الآمن والناهض 56، ولا يتذكرون الوحدة المصرية/السورية 1958، ويرون الالتزام القومي بثورة اليمن هزيمة خارجية 1962، ويتعاطفون مع المؤامرة الاخوانية الثانية 1965، ويسخرون من السد العالي، ومن الميثاق الوطني ومن بيان 30 مارس، ويعتبرون تحالف كل قوى الشر ضدهم في يونيو 1967 هزيمة ناصرية ونكسة لا تقوم بعدها لمصر قائمة، فانتقام الغرب من دعم الكونغو والجزائر وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وعدم الانحياز وباندونج وشراء السلاح من تشيكوسلوفاكيا وانتصاب السد العالي ودعم المقاومة الفلسطينية .. يغمض المصريون أعينهم عنها.

لن أبعث تهنئة لشعب لا يفتخر بعيده القومي والوطني، ويتحسر على الحرية في عهد الملك المدعوم من الاستعمار.

لن أبعث تهنئة فالعقل المصري توقف عند 1970، وكل الجرائم التي حدثت بعد ذلك والبيع والقروض والتنازل لا أهمية لها.

لن أبعث تهنئة فالمصريون يتذكرون سجون عبد الناصر في فترة الاخوان والتجسس وحروب الصهيونية ضدنا، لكنهم يبصقون في وجه من يقول لهم بأن أبناءَهم الأحرار محشورون بعشرات الآلاف في سجون ومعتقلات امام أعينهم.

لن أبعث تهنئة قبل أن يعود المصريون مصريين كما كانوا طوال تاريخهم، وتنبت من جديد مشاعر الوطن الموحد، والأمة ذات التاريخ المشترك.

لن أبعث تهنئة قبل توقف جهل مقارنة الأديان والمذاهب والعقائد، فالصراع العربي بين أبناء الأمة العربية أشد من مؤامرات الاستعمار.

لن أبعث تهنئة قبل عودة المصريين للتعرف على تاريخهم الحديث، لا متابعة معارك الصحراء المجهولة.

لن أبعث تهنئة قبل أن يتوقف المصريون عن أحاديث وحوارات ونقاشات ومعارك الجهل الديني.

لن أبعث تهنئة قبل أنْ يتساوى المسلم والقبطي في كل الحقوق والواجبات، وتتساوى الكنيسة والمسجد!

لن ابعث تهنئة قبل أن يحتقر المصريون الوشاة والمتعاونين مع أجهزة حماية الديكتاتور!

لن أبعث تهنئة قبل أن يقتل المصريون فئران الخوف التي تلعب في صدورهم، وضفادع الرعب التي تجعلهم يخشون خيالهم.

هذه هي المرة الأولى التي خلال أكثر من نصف قرن أرفض فيها تهنئة أبناء شعبي بعيدهم الوطني الذي يعتبرونه عارًا وفضيحة ونكسة، فتستريح كل القوى المعادية لمصر، وينام نتنياهو، ويُشخّر حتى تسمعه جولدا مائير في قبرها.

هذه ليست تهنئة، إنما بكاء ولطم على الوجه، وتحريض لايقاظ كرامة من يستطيع أن يقرأ المقال كله، ويبكي مثلي!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 23 يوليو 2023



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات