كثيرون أنتقدوا المجلس الأنتقالي الليبي لأستعانته بالناتو في قصف قوات القذافي اللتي كانت تزحف بأتجاه بنيغازي اللتي حررها الثوار من قبضة الدكتاتور المجنون ، على اساس أن هذا أستقواءً بالأجنبي ، خاصة وأن هذا الأجنبي له سوابق معروفة في أحتلال ونهب ثروات معظم شعوب العالم ، ومساندة عدو الأمة الاول " الكيان الصهيوني " ، وجر الخراب على العراق ، وتقسيم السودان ، ومساندة الدكتاتوريات اللتي لازالت قائمة...
والآن عاد نفس النقاش ليدور حول أخلاقية وحكمة طلب المعارضة السورية من الناتو التدخل عسكرياً في سوريا ، (أنظر الى نتائج الأستفتاء في أيلاف الجريدة) ، وهل ما اذا كان مثل هذا التدخل سيكون في مصلحة الثوار السوريين ، أم أنه سيجر سوريا الى مشاكل معقدة كاللتي يشهدها العراق الآن ؟ .
قبل أشهر قليلة كان برلسكوني ينحني بكل ذلة ليقبل يد القذافي ، واليوم تقوم الطائرات الأيطالية بأمر من برلسكوني بقصف قوات القذافي ومخابئه بالأشتراك مع قوات الناتو .
السبب في تناقض الصورتين لايحتاج الى ذكاء لشرحه ، فالدول لاتفكر أبدا ألا بعقلية المصالح .
والساسة يضربون بالأخلاق والقيم عرض الحائط في كل يوم مادامت هذه الممارسات تصب في مصلحتهم ومصلحة بلدانهم .
لقد بينت تجربة الثورة الليبية حكمة الثوار في قرار عدم الموافقة على أنزال الناتو لجنوده على الأرض الليبية ، فمثل هذا الأنزال كان سيكلف ليبيا ما تكلفه العراق بعد اسقاط الطاغية .
وأذا كان هناك من يعتقد أن ليبيا ستدفع الثمن لاحقاً من سيادتها وملكيتها لقرارها حتى في مقابل الضربات الجوية ، فأن عوامل جديدة كثيرة مثل المناخ الديموقراطي الجديد اللذي سيتشكل في ليبيا ، وبروز أقطاب وقوى عالمية جديدة ، صاعدة كالصين والهند والبرازيل ، وحتى الأنترنت والفضائيات اللتي يمكن عن طريقها ايصال الصوت للشعوب الغربية المغيبة أعلاميا عن حقائق دور حكوماتها في مشاكل المنطقة ، كلها ادوات ستمكن الشعب الليبي من عدم السماح للناتو بالخروج من معركة ليبيا بغير كتاب شكر وتقدير للجهود اللتي بذلها لمساعدة الثوار فقط لاغير .
وحتى لو كان هناك أية أتفاقات سرية أبرمها المجلس الأنتقالي مع دول الناتو كما اشيع ، تمس بسيادة ليبيا كثمن لتدخله ، فان التراجع عن هذه الأتفاقيات المتعارضة مع المصلحة الليبية ، أو بعبارة أخرى ، أستخدام أسلوب الأستغلال الذكي والخبيث للناتو للخلاص من الدكتاتور ، فأن كل ذلك لن يشكل لليبيين أي حرج او عار على الأطلاق في العرف السياسي العالمي ، بل أنه الأسلوب السائد واللذي طالما أستخدمته حكومات الناتو ذاتها مع الشريف حسين ، وحين قسمت الوطن العربي الى دويلات متناحرة ، وحينما نكثت عهودها لتسلم أرض فلسطين وشعبها لقمة سائغة للصهيونية العالمية ...
بالتأكيد أنه ليس من الحكمة أبداً ، القول بعدم التعاون الأقتصادي والثقافي والعلمي مع الغرب في زمن أصبح فيه العالم قرية صغيرة كما يقال ، ألا أن أي تعاون من هذه الأنواع يجب أن يكون على قاعدة المصالح المتبادلة والعادلة اللتي تحقق مصلحة الطرفين ، وليس أهدارا لثروات الأمة وتنازلا عنها للآخر كما في صفقة الغاز المصري مع الكيان الصهيوني .
ولأن الناتو ليس مؤسسة خيرية كما قلنا ، وبأستخدام ذات المقاييس السياسية اللتي هي دولية بأمتياز ، فأن الأستعانة بالناتو يبقى حق لساسة المعارضات العربية والشعوب الثائرة على الدكتاتوريات ( أسوة بساسة الحكومات) عموماً ، وفي سوريا على وجه الخصوص ، مادامت الشعوب العربية غير قادرة على نجدة أخوتها الثائرة ، أما لأنها لاتمتلك المقومات المادية ، أو لأنها واقعة تحت سلطة دكتاتورية تمنعها من المساعدة .
ولكن في نفس الوقت على السوريين واليمنيين وغيرهم أن يعرفوا جيداً خبايا وقواعد لعبة الناتو هذه ، وأن لا يغفل ذهنهم ولو للحظة عن الحقائق السابقة اللتي أفرزتها عقود من السياسات الغربية في المنطقة ، وننصحهم نصيحة أخوية بدراسة التجارب العراقية والليبية والمصرية والتونسية والسودانية جيداً ، قبل الدخول في هذه اللعبة ، فأذا وجدوا انفسهم قادرين على أستغلال الناتو للتخلص من الدكتاتوريات دون السماح لهذا الناتو من أشعال الفتنة ، وتقسيم البلاد والعباد ، فما المانع من التخلص من بشار وصالح وغيرهم من عشاق الدماء والكراسي اللذين يطلقون الصواريخ وقذائف الدبابات على شعوبهم بالأستعانة بطائرات الناتو ، لنقوم بعد ذلك بالقاء خطاب شكر في أحتفال بسيط ، توزع بعده كؤوس تذكارية على أعضاء الناتو على أنغام الموسيقى الكلاسيكية ، ولا يهم بعدها أذا خرج أعضائه وهم غاضبون من عدم قدرتهم على قبض الثمن اللذي كانوا يحلمون به .
التعليقات (0)