ليس من الحكمة..ولا الانصاف ان يجابه فوز الاسلاميين في الانتخابات النيابية المصرية بكل هذا التوتر والانفعال..وليس من اللائق ابداء مشاعر الخوف او التوجس او التشاؤم من اي نتيجة يأتي بها الصندوق..فالامر من قبل ومن بعد كلمة الشعب وخياره الحر..وأس العملية الديمقراطية وجوهرها هو القبول بما تمخضت عنه الانتخابات وما عبرت عنه الجماهير وارتضته غالبيتها طريقا ومسارا واسلوبا للحكم..
والاهم..هو ان النتيجة التي تمخضت عنها الانتخابات لم تكن مما يمكن عده بالطارئ والمفاجئ-او الفاجع-..ولا بالغريب عن طبيعة وتركيبة المجتمع المصري ولم تحد عن الاشارات الكثيرة المتناثرة على طول وعرض المشهد السياسي العربي والتي تسرف بالتلميح على النشاط والدأب المتقادم لحركات الاسلام السياسي وتمدده وتشعب خيوطه وتشابكها في افق واسع فضفاض من العلاقات المعقدة مع المجتمع ..
يجانب الصواب كثيرا من يعزو التيارات الاسلامية الى نبت تساقى على هطل من تدخلات دول الجوار الجدب وما صنعته الجلاليب القصيرة وقضبان الاسر الطويل..كما انه سيكون من التساذج المؤسف النظر للاسلام السياسي المنظم على انه ناتج عرضي لما فاض من جيوب الوهابية او من مدخرات الثراء الصحراوي المتسلل في ساحات وبيوت وازقة المصريين..بل هو موجود في ضمير المواطن المصري الذي نبذته الانظمة الحاكمة والنخب السياسية في نفس الوقت ولم يجد الا حصيرة المسجد تحن على جبهته المتعبة..موجود في كل نظرة الى السماء وكل رجاء بغدٍ اقل وطأة وكل مفزع الى الوجه البكاء المتهدج الصوت بالدعاء..موجود في كل زاوية وتكية ومنبر مفتوح للناس بلا جزاء ولا شكورا..موجود منذ ان صحت الشعوب على قحطها مرمية على قارعة الوطن ومنذ ان استأثر الحكم بدنياهم تاركا لهم آخرة لا يملك مفاتيحها الا ذلك الشيخ القريب الهاش الباش المبتسم ولو على خصاصة والذي يعطيك دهورا من النعيم مقابل صوتك الذي استنكف السلطان ان يجعل له ثمنا..
والاكثر خطلا وارتباكا هو الظن في انها حديثة العهد بفئ القصور وظل السلطان..فلطالما كانت الجباه المعلمة بالسجود تتمطى تحت منبر الحكم زاعقة بفتاوى حرمة ان تقول أف للخليفة الحاكم برضا الله وحد السيف..ولطالما استفادت من عين النظام الحمراء وسوطه وابواقه على التيارات الليبرالية والعلمانية مقابل التواطؤ المقايض للمنبر والمسجد والحرية النسبية في التواصل مع فئات الشعب مقابل الزعيق بفتاوى ان لا ظل يومئذٍ الا لمن حفظ بيعة اولياء الامر..
عشرات السنين من تراكم القدرة على التلون والتلبس بكل ما يناسب الزمان والمقام والتقنع بدين محدثهم خصوصا ان كان من ذوي الشوكة والطول..وعقود من انتحال الوجوه والاقنعة تجعل من المنطق ان تمتد يمناهم الى الراية في خضم كل هذا الغبار والدخان واعقاب الجنود التي تملأ ميادين المحروسة..ولكن نفس هذا المنطق وهذا الغبار وهذا الدخان هو الذي سيجعلها تهتز في ايديهم مع اول تعارض ما بين صراخات المنابر ومطالب الناس بالحكم الرشيد..
ليس هناك من خيار ان يحكم الاسلاميون ام لا ..فلقد تكلم الصندوق..ولكننا نرى ان الشعوب بحاجة لأن ترى اللحى المخضبة بالدموع وهي تمر بمواكبها المظللة سريعا في شوارع المدن التي افتضتها الامال المضاعة..وان تكابد الحيرة في رؤية بقية الله في الارض يتنازعون المغانم التي افاءها الله والتفاهمات القديمة عليهم..والاهم..ان يسائلونهم عن الزعيق الضاج القديم عن القردة والخنازير والصراخ بانهم لن يعجزوك..وهل ستكون اجاباتهم عن معضلات العيش على الارض بقدر سهولة معرفتهم الدقيقة بدروب السماء..وكيف سيكون الاسلام هو الحل والغرب هو المفتاح في نفس الوقت..
القراءة السليمة للمسار الصحيح للاشياء تشي بحتمية ان تمر الشعوب العربية المنهكة من الاستبداد بمرحلة حكم الاسلاميين قبل ان تحظى بانعتاقها وتتحصل على فرصة اطلاق مشروعها الوطني المرتجى واي تنكب عن هذا الطريق لن يكون الا قفزة غير محسوبة في الفراغ وحرق لمسارات الثورة الشعبية المستمرة حتى ترث الشعوب الارض وما عليها..فثقيل على الثورات ان تمضي وهي مكبلة بمظلومية الاسلاميين وبكائياتهم على الحق المضاع والمحجة البيضاء التي سيقودون اليها العباد وخير الدنيا والآخرة الذي ادخره الله فيهم في محكم علمه القديم..
لسنا في محضر الحكم على النوايا..ولا في محل الافتراض المسبق بالاثرة واكتناز الحكم في القوى الاسلامية التي فازت بالانتخابات..ولا في موضع ان نتمنى لهم السوء..بالعكس..فان الوسادة قد ثنتها لهم اصوات الجماهير الحرة..ومن العدل ان يأخذوا فرصتهم في الحكم وان يثبتوا تمسكهم العلني بالديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان..ولكن على الشعوب ان تبقي يدها على زناد الساحات الثائرة وان تنام عن شوارد السادة الجدد بنصف اغماضة..فان فشلهم في الوفاء بتعهداتهم ..ونزاعهم المنتظر مع السلفيين ..وفشلهم في ايجاد تفسير واحد جامع لام متفق عليه للدين والشريعة والطريق الاقرب الى الله..ليس مما يمكن عده من الاضرار الثانوية ولا مما يتساقط من مسيرة الحكم العادل..
التعليقات (0)