الشبيبة الاستقلالية
المؤتمر الوطني الحادي عشر
بوزنيقة 6,5,4 يونيو 2010
تقديم:
تخوض الشبيبة الاستقلالية اليوم امتحانا جديد على درب النضال والكفاح من أجل تحقيق المجتمع التعادلي المبني على القيم الديمقراطية ببعدها الإنساني والتراكمات التي حققها الشعب المغربي عبر سنوات من الصراع والممانعة، تطرح الشبيبة الاستقلالية في هذه الأرضية خلاصات النقاش الصادق والصريح والشجاع والذي استمر زهاء ثلاثة أشهر من الاشتغال والذي حاول ملامستة أبرز التحديات التي تواجه الشباب المغربي اليوم، وبكل تأكيد أن الإحاطة بكل التحديات في محطة المؤتمر الوطني الحادي عشر للشبيبة الاستقلالية تبقى طموحا مشروعا، غير أن الواقع يفرض فرز التحديات الأصلية والمفصلية والتي بدون مسائلتها وتفكيكها وتقديم الإجابات لمعالجتها، لا تقوم لباقي التحديات قائمة ومن تم يصعب معالجتها، إذا فإن منطق الأولوية هو الذي حكم منهجية اختيار التحديات المطلوبة من الشبيبة الاستقلالية إعطاء مواقف منها.
إن الشبيبة الاستقلالية وهي تخوض في قضايا الوطن الراهنة بالصدق والصراحة التي تربت عليها في مدرسة الوطنية الصادقة " حزب الاستقلال "،تعتبر أن الوطن اليوم بحاجة إلى كل أبنائه، وبحاجة إلى القيم الوطنية الرصينة المشدودة إلى هموم شعبنا في تفاصيله الأكثر دقة،إن الوطن اليوم يجتاز مطبات سياسية شديد الصعوبة، وأن التهاون في العاطي الجدي معها سيصيب الديمقراطية الناشئة في مقتل،وهو ما لايرضي الشبيبة الاستقلالية التي عاشت دائما في ضلال شعار حزب الاستقلال الخالد " مواطنون أحرار في وطن حر "،لذا فإن الشبيبة الاستقلالية سوف تستمر في القيام بدورها كاملا بما يمليه الواجب الوطني وما تمليه التزاماتنا مع الشبيبة المغربية والشعب المغربي.
إن عنوان أرضية المؤتمر تعتبره الشبيبة الاستقلالية رسالة لمن يهمهم الأمر،فهو نداء للجميع بجعل مختلف التحديات رغم صعوبتها،فرصا لتحقيق النجاح وتمكين أبناء شعبنا من دولة ديمقراطية قوية بمؤسساتها ومشروعها الحضاري والمجتمعي،في ظل تحولات عالمية لاتؤمن بالكيانات القزمية والدول المترددة والخطابات الرمادية المنغلقة والسياسات العمومية التي تقوم على مصالح الأشخاص واللوبيات،إنها مرحلة فاصلة في تاريخ بلادنا ولايمكن السماح فيها بالارتداد إلى الوراء وإعادة التاريخ في صورة المأساة ...لايمكن أن يكون محكوما على شعبنا بالعودة دائما إلى المربع الأول،فإما أن يتحقق التراكم الضروري في ظل الاحترام الكامل لكل الفاعلين ولحق شعبنا في لعب دور الحكم وإما أن نفسح الباب مشرعا لبدائل تأتي على الأخضر واليابس ...
إن الطبيعة تأبى الفراغ...
1. تحدي الوحدة الترابية
2. تحدي الإصلاح الدستوري والسياسي
3. تحدي التربية والتكوين
4. تحدي البطالة والهجرة
5. تحدي التحولات الاجتماعية القيمية والهوية الوطنية
6. تحدي الحكامة الحزبية
• تحدي الوحدة الترابية:
1. تعتبر الشبيبة الاستقلالية السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية موضوعا غير قابل للنقاش وموضع إجماع وطني، وتعتبرها قضية مفصلية لبناء اتحاد المغرب العربي، وتعتبر أن الشباب المغاربي هو الضحية الأولى لسياسات النظام العسكري الجزائري،إذ أن الواقع الحالي يجعل تكلفة اللامغرب عربي ثقيلة على الحاضر، وتحمل مخاطر على المستقبل خاصة في ضوء المعطيات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء التي تحولت إلى مرتع للجماعات الإرهابية وهو مايهدد استقرار شعوب المنطقة بكاملها.
2. أهمية الدبلوماسية الشبابية وضرورة مدها بالإمكانيات اللازمة للدفاع عن القضية الوطنية في كل المحافل الدولية.
3. الاعتزاز بالأدوار التي قامت بها الشبيبة الالية في مختلف التظاهرات الدولية والمواقع القيادية التي استطاعت اختراقها في عدة منظمات دولية وإقليمية.
4. ضرورة العناية بأطر الدبلوماسية المغربية من حيث التكوين السياسي والوطني بدل استمرار المقاربة التقنية للعمل الديبلوماسي.
وترى الشبيبة الاستقلالية لما راكمته من تجربة في الدبلوماسية الموازية أن المنظمات الشبابية الوطنية استطاعت صد أطروحات أعداء الوحدة الوطنية في كل المحافل الدولية واللقاءات الشبابية وأن تدافع عن المصلحة العليا للبلاد، حيث حققت الشبيبة الاستقلالية نصرا كبيرا في المؤتمر الأخير للفدرالية العالمية للشباب الديمقراطي، حين أبدى مناضلوا الشبيبة الاستقلالية صرامة وحزم شديدين في مواجهة أعداء الوحدة الترابية أثناء انعقاد المهرجان الأخير للشباب العالمي خلال شهر غشت من سنة 2005، وفي غيرها من المحطات القارية.
إن الشبيبة الاستقلالية وهي تناقش في مؤتمرها الوطني الحادي عشر قضية الوحدة الترابية، تحيي عاليا الروح الوطنية لإخواننا في الأقاليم الجنوبية الذين يؤكدون كل يوم تشبثهم بمغربيتهم بمساهمته اليومية في الحياة العامة هي مناسة أيضا لمناشدة الرأي العام الدولي وخاصة المنظمات الحقوقية والمفوضية العليا للاجئين، إلى الإسراع بفك الحصار على إخواننا في مخيمات الحمادة وإعمال مقتضيات القانون الدولي ذات الصلة بوضعية المحتجزين في تيندوف وترتيب الجزاءات اللازمة على النظام الجزائري عن كل الممارسات التي تتعارض والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما تدين كل الممارسات الانفصالية التي تتحرك تحت يافطة حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية وتحيي مجلس الأمن الدولي لتفطنه للعبة القذرة التي حاول الانفصاليون توريط الأمم المتحدة فيها .
كما تحيي الشبيبة الاستقلالية مناضلي حزب الاستقلال في الأقاليم الجنوبية على كفاحهم اليومي من أجل إحقاق الديمقراطية ودولة المؤسسات ضدا على من يحاولون عبثا التلاعب بتماسك القبائل الصحراوية، والاعتداء السافر على الوحدة الوطنية لتحقيق مكاسب سياسية صغيرة.
• تحدي الإصلاح الدستوري والسياسي:
إن الشبيبة الاستقلالية وهي تؤكد على أهمية الإصلاح الدستوري والسياسي، والنقاش الذي يحظى به، تعتبر أن هناك العديد من المسلمات التي يجب الانطلاق منها لتجديد بلورة مواقف منظمة الشبيبة الاستقلالية بخصوص مطلب الإصلاحات الدستورية والسياسية.
الإصلاحات الدستورية:
تؤكد منظمة الشبيبة الاستقلالية بأن النظام الملكي الدستوري الديمقراطي الاجتماعي لا يشكل بالنسبة لمناضليها موضوعا يقع حوله الاختلاف بل إن النظام الملكي يعتبر صمام أمان وضامنا للاستقرار، لكن الشبيبة الاستقلالية كانت دائما تطرح إشكالية توزيع السلط من خلال هندسة الدستور الذي يخصص أبوابا بالتتابع للحديث عن الملكية والبرلمان ثم الحكومة ورغم الاختلاف حول طبيعة هذا التوزيع هل هو أفقي أم عمودي، فإن آلية توازن السلط تمارس في النظام المغربي من خلال "إمارة المؤمنين" ومن خلال التأويل التقليدي بمنح المؤسسة الملكية صلاحيات واسعة. فالملك هو الممثل الأسمى للأمة الذي تتمركز السلط على مستواه ويوزع الوظائف بين البرلمان والحكومة.
وهذا ما يدعو إلى طرح إصلاحات دستورية تلعب دورا فعالا في تنشيط وعقلنة العمل السياسي والمدني، وفي تكييف النص القانوني مع تطورات الواقع، ومع الأهداف العامة لخدمة المواطن، وتوفير احتياجاته المستمرة والمتطورة في جل المجالات التي وجدت مؤسسات الدولة من أجلها،عكس ما يحدث في المغرب خلال التجارب السابقة التي تجعل الإصلاح الدستوري بمثابة منحة عسيرة الولادة تستخدم لإحداث انفراج مؤقت لتحقيق توازن سياسي في ظل واقع اقتصادي واجتماعي كان ينذر بحدوث أزمات. واستهدفت مشاريع الإصلاحات الدستورية السابقة خاصة بالنسبة لدستور 4 شتنبر 1992 و 13 شتنبر 1996 توسيع صلاحيات الجهاز التشريعي وتقوية الجهاز الحكومي دون أن تنجح في الواقع العملي إلى ترسيخ الاستقلالية بين السلط والتوازن بينها.
الإصلاح السياسي :
تعتبر الشبيبة الاستقلالية أن الانتقال إلى مجتمع ديمقراطي تحترم فيه إرادة المواطنين هو اختيار استراتيجي، وآلية صلبة لتحقيق التنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية،الاجتماعية والثقافية وذلك بترسيخ الصرح الديمقراطي القائم على دولة المؤسسات السليمة والنزيهة، التي تحظى بثقة الشعب.
لقد عملت الانتخابات الجماعية لسنة 2009،على تكريس واقع تبخيس العملية الانتخابية ومناسبة لبعث رسائل التيئيس في صفوف المواطنين وابتذال السلوك الانتخابي وتمييع الحملات الانتخابية وفسح الطريق أمام نخب جديدة من تجار المخدرات والمضاربين العقاريين وأعيان الانتخابات وخلق " مهن " جديدة عبارة عن وسطاء إفساد العمليات الانتخابية، أمام العجز الكلي والحياد السلبي للإدارة الترابية التي آن الأوان كي ترفع يدها عن الانتخابات بالنظر إلى سجل طويل عريض من الممارسات التي تصيب جوهر العملية الديمقراطية في مقتل.
لقد شكلت تجربة التناوب التوافقي فرصة تاريخية لبلادنا قصد تجاوز سياسات الحكم المطلق في الفترة السابقة، وما رافقها من خرق سافر لحقوق الإنسان بجميع مستوياتها والتي انعكست على تخلف الاقتصاد الوطني وضعف ثقة المستثمرين الأجانب مما افرز بالنتيجة مزيدا من الاحتقان الاجتماعي برعت الآلة المخزنية في اللجوء إلى مؤسساتها القمعية قصد إخماده، إن تحليل الشبيبة الاستقلالية في مؤتمريها السابقين للحالة السياسية لبلادنا،خلص إلى اعتبار كل التوافقات التي تغييب المرجعية الدستورية وتنبني على اعتبارات شخصية وعاطفية ولا تعالج اختلالات السلطة في بعدها البنيوي وتحدد بدقة حدود السلطة والمسؤولية، لايمكن أن يحالفها النجاح لأن هذه المنهجية استعملتها الحركة الوطنية بعيد الاستقلال والنتيجة كانت هي مساهمة بسيطة من موقع ضعيف في تدبير الشأن العام،إلى جانب من تعاونوا مع المستعمر وهو ما ساهم في خدش صورتها أمام الرأي العام وجعل منها استثناءا ضمن حركات التحرير العالمية،إننا اليوم نعيش أزمة ثقة عميقة في العملية السياسية التي عرفها المغرب منذ 1998، وعودة المخزن إلى تنشيط ممارسات كانت تعتبر إلى حدود 2007 ضمن الذاكرة المؤلمة والسوداء لشعبنا، حيث أصبحت بلادنا اليوم أمام حقيقة صارخة تشبه انقلابا أبيضا على تجربة التناوب التوافقي وكل التنازلات التي قدمتها الحركة الوطنية .. وهنا تمتلك الشبيبة الاستقلالية فضيلة الصدق والصراحة لكي تسمي الأشياء بمسمياتها،لا كما درج عليه الجميع إلى اليوم من إطلاق أسماء ونعوت، فالوضع الحالي وميلاد الفديك الجديد لا يعبر سوى عن تعطش شديد للسلطة من قبل جيل جديد من "الحاشية" ممن لا عمق جماهيري لهم اللهم التعلق بأهداب النظام السياسي، وهو ما سيقود المغرب في ظرفية دولية مختلفة تماما على ما كان سائدا أيام الحكم المطلق، حيث أصبح العالم مكشوفا وأن حركة استفزازية لانفصالية،استطاعت أن تعبئ جزءا واسعا من الرأي العام الدولي، إن إستمرت المقاربة الحالية فإن البلاد سوف تسير دون تأمين إلى السكتة القلبية، إن التسخينات الجارية توحي بان هناك انبهارا بتجارب عربية متخلفة اعتمدت على حزب الدولة إلى جانب تعددية شكلية مهمتها الأساسية هي خدمة حزب الدولة عن طريق المناولة السياسية، وهو ما بدأت بعض الهيئات السياسية ببلادنا تتمرن عليه ..إن الشبيبة الاستقلالية وهي تستعرض هذا الواقع السياسي المتخلف تؤكد على أن مثل هذه الممارسات تتناقض جوهريا مع الأفق الذي كان مرسوما لتجربة التناوب التوافقي وهو ما من شأنه أن يشيع الشك واليأس في العملية السياسية، وهنا تنبه الشبيبة الاستقلالية من مخاطر الدخول في نفق اليأس الذي من شأنه أن ينتج حراكا بخلفيات دينية وعرقية وإثنية ولغوية وجهوية، تغيب صوت العقل وتنتصر للشوفينية والتطرف والنزعة الشمولية وهو ماسيجعل الكثير من الثوابت موضع مسائلة وتشكيك، لأن الطبيعة تأبى الفراغ واستنساخ التجارب الفاشلة التي قادة بلادنا إلى عنق الزجاجة.
في ظل هذا الواقع الذي تعيشه بلادنا ترى الشبيبة الاستقلالية أن من بين أسبابها هو بطئ دوران النخب في مؤسسات الدولة والمؤسسات الحزبية والنقابية، لذا تطالب الشبيبة الاستقلالية في إطار تعزيز مكتسب تمثيلية الشباب في المؤسسات الحزبية واختبار الإرادة السياسية الحقيقية للدولة، بتخصيص دائرة وطنية للشباب لولوج البرلمان خاصة الغرفة الأولى على غرار الدائرة الوطنية للنساء، إذ إن الشباب والنساء هما عامل الجذب الذي يمكن أن يرفع من مستوى المشاركة السياسية ببلادنا، والقيام بنفس الشيء على مستوى الجماعات المحلية لاستقطاب الشباب قصد المشاركة في تدبير وإيجاد الحلول على المستوى المحلي .
• تحدي التربية والتكوين :
تعتبر الشبيبة الاستقلالية أن فئة الشباب هي الضحية الأولى بلا منازع لأزمة المنظومة التعليمية بالمغرب، فالأرقام المسجلة على هذا المستوى تعكس بوضوح حجم الاختلالات الكبيرة التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي، و هكذا فإن نسبة التمدرس ما تزال ضعيفة بالرغم من المجهودات التي بدلت في العشرية الأخيرة، كما أن معدلات الانقطاع عن الدراسة ما فتئت ترتفع وهو ما يجعل نسب التمدرس رغم ارتفاعها مقارنة بالسنوات الماضية بدون جدوى عملي .
و رغم تدخل الدولة للقيام بإصلاح المنظومة التعليمية، فان هذا الإصلاح ظل محكوما بالنقائص التالية:
ـ مخططات تعليمية غامضة وفي غالبيتها مستوردة من سياقات وطنية مختلفة عن السياق المغربي.
ـ إهمال التعليم العمومي و تفويت بعض أضراره للقطاع الخاص.
ـ عدم الربط بين المؤسسات التعليمية و حاجيات المجتمع.
ـ غياب القطاع الخاص خاصة عن مجال البحث العلمي .
وهكذا ظلت الدولة في تقدير الشبيبة الاستقلالية بدون منظور شمولي كفيل بإيجاد الحلول الملائمة لأزمة المنظومة التعليمية بالمغرب و يبقى الميثاق الوطني للتربية و التكوين فقط محاولة لتدبير أزمة التعليم بالمغرب،بدل تأهيل الإصلاح الحقيقي الذي ينطلق من معطيات الواقع المغربي لا من إملاءات المؤسسات الدولية.فضلا عن انعدام البنيات و الإمكانيات الكفيلة بتنفيذ بنوده، و يبقى الشباب أكبر متضرر من سياسة الدولة في تدبير ملف بالغ الأهمية مثل ملف التعليم و التكوين و التأهيل المهني، و النتيجة المباشرة لكل ذلك هي تعريض آلاف الشباب لآفة البطالة.
تتخوف الشبيبة الاستقلالية من أن يكون مصير المخطط الاستعجالي الذي جاء بدون نقاش وطني واسع، هو مصير الإصلاح الجامعي في ظل الارتباك الواضحة في التنفيذ. إضافة إلى سيادة مظاهر أخرى تؤشر على أن الوضع لا يزال يراوح مكانه، في وقت تشير فيه عدة دراسات أن التعليم الجامعي يعيش موتا سريريا، يعكسه ضعف المردودية، وبطالة الخريجين، وتكاثر نسب الفشل الدراسي،ولذلك تحتل الجامعات المغربية مراتب متدنية ضمن الجامعات على المستوى العربي والقاري والدولي.
وهو ما فوت على بلادنا فُرَصَ الاستفادة من التطورات الدولية المعاصرة في تحديث الأدوار المجتمعية للجامعة المغربية وتوسيع آفاقها، وتعظيم عوائدها في عملية التنمية البشرية والنوعية.
فبعد خمس سنوات من تفعيل بنود الإصلاح الجامعي على المستوى البيداغوجي سجلت فوضى عدم انتظام المواسم الدراسية حيث لا تتوفر لا المدة ولا الأجواء المناسبة لتلقي واستيعاب المناهج الدراسة بشكل متكامل وصحيح ويتعرض الطلبة لتعسف كبير في طريقة جدولة الامتحانات التي تميزت بارتجالية كبيرة، وهكذا تهاوت شعارات الإصلاح الجامعي على التوالي، فلم تحقق الجامعة المغربية تعليما حداثيا يوفر للطلبة تكوينا عصريا يمكنهم من ولوج سوق الشغل ولا هي حلت مشاكل اكتضاضها ومشاكل الامتحانات والتسجيل والطرد، بل على العكس من ذلك فقد تفاقمت مشاكلها.
وتسجل الشبيبة الاستقلالية أنه في عز تطبيق الإصلاح الجامعي تراجعت القدرة الاستيعابية للمؤسسات الجامعية، وبدأت تتضاءل تدريجيا فرص الإدماج المهني لخريجي الجامعات في سوق الشغل بالنسبة للقطاع العام والخاص، وتشكلت قطيعة تدريجية بين الجامعة والمحيط الاجتماعي، وانحسر دور التعليم العالي، فلم يعد قادرا على الاندماج الكامل في النسيج المجتمعي وتوجيه الفكر والممارسة، أو بمعنى آخر لم يستطع أن يؤدي دوره المنوط به في النهوض بالفكر والبحث العلمي وتأطيرهما وهنا تتساءل الشبيبة الاستقلالية عن الجهة المستفيدة من عزل الجامعة عن دورة الصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي؟.
• تحدي البطالة والهجرة:
لقد شكلت التحولات الاقتصادية العالمية منذ ظهور منظمة التجارة العالمية، واحدة من المراحل المظلمة في تاريخ الإنسانية،إذ أن الشركات المتعددة الجنسية والمسيطرة على مجموعة كبيرة من الأنظمة السياسية في الغرب عملت بكل الوسائل على تقليص دور الدولة الوطنية في مايتعلق بالمجال الاقتصادي ومحاولة تعميم نماذج دولية على مختلف دول العالم، إن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعرفها العالم اليوم ليست إلا حصيلة أولية للسياسات النيوليبرالية التي بشر بها المحافظون في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي وهي نفس المرحلة التي فرض فيها على الاقتصاد المغربي وصفات التقويم الهيكلي التي كانت لها نتائج كارثية على المستوى الاجتماعي وهددت استقرار النظام السياسي .
إن المؤتمر الحادي عشر للشبيبة الاستقلالية وهو يناقش الظرفية الاقتصادية العالمية وانعكاساتها الآنية والمستقبلية على الاقتصاد الوطني بما تحمله من نتائج اجتماعية وسياسية،يؤكد على أن الشباب هو أكبر ضحية للسياسات الاقتصادية المنتهجة سواء في الحاضر حيث ارتفاع معدلات البطالة الحقيقية أو في المستقبل نتيجة الأعطاب والفساد الذي رافق تدبير مدخرات المتقاعدين والتغير الملاحظ في البنية الديمغرافية لبلادنا حيث تراجع معدل الخصوبة وارتفاع معدل الحياة عند الولادة،وإن كانت هذه المؤشرات مهمة بفضل الجهود المبدولة في السياسة الإنجابية وتطور الولوج إلى الخدمات الصحية،فإنه يطرح تساؤلات جدية أمام التراجع في التوظيف في القطاع العام والخاص،فكيف يمكن لشباب اليوم أن يطمئنوا على مدخراتهم في الوقت الذي تعلن فيه صناديق التقاعد عجزها عن الوفاء بإلتزاماتها في المستقبل،وكيف يمكن للشباب الذي يعاني من طولة فترة البحث عن شغل أن يؤمن تقاعدا مريحا في وقت يلتحق فيه في سن متقدمة بعالم الشغل.
إن الشبيبة الاستقلالية تلح اليوم وأكثر من أي وقت مضى على معالجة الإختلالات المجالية التي تضعنا أمام مغربين واحد يسير بسرعة تعادل ما هو موجود بأوربا وآخر بسرعة تقارن ببلدان جنوب الصحراء، هذه الإختلالات تتناقض جوهريا مع ما هو معلن بالنسبة للجهوية الموسعة التي لا يجب أن تبقى شعارا بلا مضمون إذ لا يكمن قيام جهوية موسعة في ظل الفوارق الكبيرة بين مختلف المناطق والجهات،إذ ترى الشبيبة الاستقلالية أن ورش الجهوية الموسعة يجب أن يسبقه تأهيل حقيقي لمختلف الجهات للإضطلاع بالتحديات التي ستواجهها مستقبلا وذلك بخلق جهات أقطاب بناء على خصوصية كل منطقة بشكل يتيح التكامل بين الإقتصادات الجهوية في أفق خلق اقتصاد وطني قوي ومتراص قادر على المنافسة الدولية وحماية البلاد من التبعية التي يمكن أن تتحول من المستوى المالي والاقتصادي إلى ما يكمن أن يمس بالسيادة.
لقد بينت الأزمة المالية العالمية أننا قد لا نستفيد من طفرات الإقتصادات الكبرى ولكننا يجب أن نكون مستعدين دائما لتقديم نصيبنا في حالة الخسارة،لقد مكنت الرؤية المحافظة للمالية ببلادنا من تجنب الخطر الأكبر الذي خلفته الأزمة المالية العالمية،غير أن هذا الوضع يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى الإيمان باقتصاد السوق في بلادنا والبحث الجدي عن مكاسب في السوق الدولية، فإذا كانت القاعدة العامة هي أن الرأسمال جبان فإننا لايمكن أن نطمئن لاقتصاد بهذا الحجم الكبير من الجبن،فالقطاع الخاص هو الذي يجب أن يصنع الفارق خاصة في رفع الناتج الداخلي الخام أو تقليص معدلات البطالة،لقد عملت الحكومة الحالية ضمن إجراءات مواجهة الأزمة العالمية على إعادة تنشيط الدور الاستثماري للدولة ودورها في التشغيل،وهو ما تعتبره الشبيبة الاستقلالية مهما لكنه غير كافي في ظل استمرار قطاع خاص متواضع وغير مبادر ولازال يلتصق باقتصاد الريع والمنافسة المرتبطة بالنفوذ السياسي للعائلات والمجموعات الاقتصادية،كما أن دور الدولة يجب أن يظل محوريا خاصة في بعض القطاعات الاجتماعية التي لايمكن أن يتم رهنها بمنطق الربح والخسارة خاصة التعليم والصحة والثقافة وهي مجالات تهم بالأساس الشبيبة المغربية .
إن المؤتمر الحادي عشر للشبيبة الاستقلالية يؤكد أن الأوراش الكبرى التي تعرفها بلادنا تعتبر جوابا هيكليا على تخليات استمرت سنوات طويلة، وهو ما تعتبره الثمن الاقتصادي والتنموي لغياب الديمقراطية ودولة الحق والقانون لمدة طويلة من تاريخ بلادنا، لذا فإن الشبيبة الاستقلالية تعلن إطلاق مبادرة وطنية هي عبارة عن مليون ساعة عمل تطوعية من قبل منخرطيها، بمختلف الأوراش الكبرى التي تعرفها بلادنا عبارة عن لقاءات صيفية تحت اسم " سواعد من أجل الوطن " على أن تتضاعف بمعدل مليون ساعة كل سنة في أفق المؤتمر الوطني الثاني عشر،إن هذه المبادرة تهدف إلى دعوة الشباب المغربي إلى المبادرة في تقديم نماذج من المواطنة الراشدة المنتقدة لواقع بلادها والمستعدة في نفس الوقت إلى المساهمة الفعلية في تنزيل أفكارها ومطالبها على أرض الواقع والانتقال من الأدوار السلبية للانتقاد والشكوى إلى ممارسة راقية تشفع القول بالعمل،كما أن هذه المبادرة هي جواب الشباب المغربي على محاولات تيئيسه وتمييع توجهاته وتقديمه في صورة الفاشل المدمن أو الراغب في الهجرة بلا أفق وطني ومستقبلي .
إن استمرار التبعية للإقتصاد العالمي ينذر بمشاكل إجتماعية وسياسية لا قبل لبلادنا على مواجهتها في هذه الظرفية التاريخية، لذا يصبح من اللازم الرهان على الإقتصاد الوطني في بعده الداخلي من خلال تعزيز الطلب الداخلي والرهان على المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي يمكنها أن تواجه مختلف الأزمات بحكم محدودية ارتباطاتها الخارجية وبحكم أهميتها في التقليص من البطالة إذ أن دولة في حجم الولايات المتحدة الأمريكية تساهم فيها المؤسسات الصغرى والمتوسط ب87 في المئة من مناصب الشغل المحدثة و60 في المئة من الناتج الداخلي الخام، لهذا تعتبر الشبيبة الاستقلالية أن المقاولات الصغرى والمتوسطة هي خط الدفاع الأساسي عن الاقتصاد الوطني والعامل الأبرز للحد من تنامي البطالة خاصة في صفوف حاملي الشهادات، وتعتبر أن مختلف التجارب التي عرفها المغرب فيما يخص تشجيع الشباب على خلق مقاولات خاصة بما فيها التجربة الحالية " مقاولاتي" عبرت عن عجز كبير في فهم ذهنية الشباب المغربي وفي دعم النزعة المقاولاتية عند الشباب،خاصة مع استمرار نظام تعليمي متخلف يرتكز على التلقين والاستظهار وهو ما يرسخ قيم الإتكالية وغياب روح المبادرة والبحث عن الحلول الجاهزة والسهلة،إضافة إلى ذلك تؤكد الشبيبة الاستقلالية أن تخلف القطاع البنكي عن مواكبة البرامج الحكومية ذات الصلة يجعل هذه الأخيرة عديمة الفائدة ومجالا جديدا لتبدير أموال عمومية طائلة.
تحدي الهجرة
إذا كانت الهجرة هي تطلع نحو الأفضل وثورة ضد تكلس عقارب الزمان وطموح إنساني مشروع، ظلت ترتبط بكل المجتمعات على مر التاريخي وتشمل جميع شرائح هذه المجتمعات، نتيجة تفاعل عدة معطيات طبيعية وبشرية وسياسية، بل كانت الهجرات حاجة طبيعية إنسانية قبل خلق الدولة الوطنية وترسيم الحدود وخلق الحواجز بين البلدان والأقطار. إلا أن ارتباطها بفئة الشباب كان قويا بحكم حيوية ونشاط وقدرة هذه الفئة على التنقل.
إن الشبيبة الاستقلالية تنظر إلى موضوع الهجرة من كل الزوايا والدوافع السيكولوجية والاقتصادية بالغة التعقيد التي تحطم طموحات الشباب وتفوت على الوطن فرص الاستفادة من طاقات تهدر، ومنه فإن التوفر على حد أدنى من الشعور الوطني يثير الانتباه من المخاطر والمحاذر التي قد تجرها هجرة هذه الفئة على بلادنا إذ أنها ثروة لا تعوض.
إن انتشار البطالة وتوالي سنوات الجفاف وما نتج عن ذلك من زحف نحو المدن (هجرة داخلية) وعجزها عن استيعاب القادمين إليها مما أدى إلى تكريس انتشار هوامش وأحزمة الفقر وتنمية شروط التطرف والانحراف، كما أن هذا الواقع دفع بالعديد من الشباب إلى البحث عن آفاق أخرى خارج الوطن وخاصة بأوربا التي أشعل فيه اليمين المتطرف والسياسات اللبيرالية المتوحشة، أساليب التهميش والعزل والعنصرية تطارد من نجح من المهاجرين الشباب في الوصول إلى أوربا خاصة وتترصد في قنصلياتها وعلى حدودها القادمين الجدد،إذ أصبحت الهجرة حلما بعيد التحقيق وأغلقت أوربا حدودها ومعابرها على طول جنوب المتوسط وأصبح الوصول " للجنة " الأوربية ضربا من المغامرات الجنونية المحفوفة بالمخاطر والتضحيات وفي ضل هده العقبات ابتدع الفقر أساليب غريبة لاختراق الحواجز والحدود، وظهرت لأول مرة قوارب الموت أو ما يعرف اليوم بظاهرة الهجرة السرية تقف وراءها شبكات دولية متخصصة، تستفيد من هذه الظاهرة وتعمل على تنميتها وتوسيعها، محولة العنصر البشري إلى رقيق يباع ويشترى مقابل نقله إلى الضفة الأخرى أو التخلص منه في البحر ودفنه هناك أو تعريضه لعمليات التصفية الممنهجة التي تحاول إيقاف الزحف القادم من شمال إفريقيا وجنوب الصحراء.
إن الشبيبة الاستقلالية تعتبر أن قضايا الهجرة تحتل اليوم مكانة بارزة لما تمثله من حلول لدول المصدر والاستقبال والمهاجرين أنفسهم، ولكن مع تزايد مشاكل التنمية وغياب الحريات والاستقرار في العديد من دول الجنوب تزايدت أعداد الشباب الراغبين في الهجرة حتى بشكل غير قانوني بحتا عن فرصة عمل وحياة أفضل للدراسة أو للاستثمار لذلك بدأت تأخذ قضايا الهجرة اهتماما متزايدا من الدول المستقبلة كأوربا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية .
إن السبب الرئيسي للهجرة من الدول النامية وخاصة من دول الجنوب المتوسط إلى شماله سواء بشكل شرعي أو غير شرعي يكمن في الظروف الاقتصادية في تلك الدول. فالأعداد الكبيرة من المهاجرين المحتملين لا يملكون أية بدائل ملموسة لكسب العيش الكريم في بلدانهم مما يطرهم إلى البحث خارج أوطانهم. وتأتي سياسة الدول المستقبلة مرتكزة على تأمين الحدود وإنشاء معسكرات للاحتجاز طالب اللجوء والمهاجرين الغير الشرعيين بالإضافة إلى برامج الدعم المالي والتقني لحكومة الدول المصدرة للهجرة. لكن تلك المشروعات على الرغم من أهميتها إلا أنها لا يمكن أن تكون الوجه الوحيد للتعاون بين الضفتين فضلا على أن تلك البرامج قد تقود إلى انتهاكات لحقوق الإنسان و التضييق على الحقوق السياسية للمهاجرين بشكل عام وهنا تسجل الشبيبة الاستقلالية رفضها أن يتحول المغرب إلى مجرد دركي لحماية المياه الجنوبية للمتوسط.
لقد ظلت الهجرة تهدد الثروة البشرية لدول النامية، لكن ضيق الأفق ومحدودية الفرص في الوطن جعلت الهجرة ظاهرة و"قدرا" على المغرب كما باقي الدول، وإذا كانت أسبابها متعددة، منها الحروب والفقر المدقع، والأوبئة، فإن أسبابها مغربيا لم تكن سوى سعي أصحابها إلى مردودية أفضل وتحسين ظروف العيش، أو لإيجاد فرص عمل ذات دخل مرتفع بالمقارنة بما هو عليه بالمغرب بالنسبة للأطر والكفاءات، وهي طموحات مشروعة، إلا أنه لم تقابلها سياسات عمومية تستوعب كل الطموحات للاستفادة من خبراتها ومؤهلاتها لخدمة الوطن.
• تحدي التحولات الاجتماعية
القيمية والهوية الوطنية:
لم تكن الشبيبة الاستقلالية منذ تأسيسها إلى الآن منظمة جامدة فكرا ومؤسسة وتنظيما وممارسة، بل كانت ولا تزال منخرطة بوعي ومسؤولية في كل القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني و مختلف المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية وطنيا وإقليميا وعالميا،حيث تساهم من موقعها في إبداء الرأي والانخراط المساهم في إثراء النقاش الوطني من زاوية انتمائها الفكري والسياسي و تجربتها الشبابية الرائدة.
وإذا كانت الشبيبة الاستقلالية إطارا جماهيريا نصب نفسه للاهتمام بقضايا الشباب في مختلف التمظهرات فقد ظلت رمزا من رموز الدفاع عن الشباب المغربي وعن مواقعه المشروعة.
انطلاقا من هذا الإطار المرجعي كان لا بد لشبيبة حزب الاستقلال أن تثير أكثر الأسئلة إلحاحية وراهنية، مستقرئة الواقع المغربي في شموليته وتغيراته الاجتماعية والقيمية بأبعادها الأخلاقية والدينية والثقافية والسلوكية، ليس بإعطاء بدائل جاهزة أو نموذج نمطي ولكن بخلخلة هذا الواقع وقراءته قراءة متأنية قابلة للتناول من أكثر وجهات النظر اختلافا،في ظل واقع لم يعد يعترف بالحدود ولا المسافات أو الهويات الخالصة والذات المنعزلة والفكر الجامد، بل بالقدرة على التأثير والاستقطاب والاستلاب والتبعية وتكريس قيم جاهزة تقتحم الخصوصيات في ظل استقالت المؤسسات المجتمعية من لعب دورها التوجيهي والتأطيري لتنشئة جيل متوازن محافظ على هويته وقيمه الاجتماعية والثقافية والدينية،جيل متسلح بأدوات التحليل ومنهجيات المقارنة قادر على الاختيار و لعب دوره في التنمية في أبعادها الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.
إن الشبيبة الاستقلالية و هي تؤمن بدورها و رصيدها وتجربتها تفتح نقاش التحولات الاجتماعية و القيمية لتسائلها و تسائل المتغيرات التي ساهمت في بلورة و تشكل جيل ذو قناعات مهزوزة لا يستمد أفكاره و تصوراته و نماذجه من شخصيات أثرت و ساهمت في الدفع بمسيرة البشرية إلى الأمام، بل من " شخصيات " تصنعها وسائل الدعاية من عالم الرياضة والموسيقى والسينما على شاكلة الوجبات السريعة وتبني نجاحات مثل السراب بما يقتل في الشباب والأجيال الصاعدة فضيلة الكفاح والصبر والالتصاق اليومي بقضايا الأمة والمساهمة بالرأي والفعل في الأسئلة الملحة التي تفرضها التحديات هنا والآن .
إن انفلات القيم له أسبابه الموضوعية و نماذجه المتخيلة و تجلياته السلوكية ساهمت فيها بقسط وافر سوء توظيف الوسائط التواصلية الحديثة، كما أفرزت العولمة واقعا جديدا ومنظومات قيمية جديدة متنوّعة تصدر من مختلف مصادر المعرفة والإعلام والتثقيف الشيء الذي أدى إلى الانقلاب على المفاهيم السائدة و العلاقات و السلوكيات مما أنتج تشكل ذهنيات خاصة و نماذج خلقت لذاتها قيما جديدة تظهر على مستوى السلوك والذوق واللباس والهوايات ومختلف الجوانب التي تغطي حياة الشاب حيث لم يعد للرقيب التقليدي سلطة في التحكم فيها و السيطرة عليها و هي تفصح عن نفسها في المواقف و الاتجاهات والسلوك اللفظي و الفعلي والعواطف التي يكونها الأفراد نحو موضوعات المثيرة للاهتمام لكن بدون حس نقدي و التي تساهم في خلق فوضى فكرية ترسم خريطة أجيال بكاملها و التي لم تعد تجد في بيئتها و مجالها و رواد البشرية في الفكر و العلم و السياسة ما يثير اهتمامها، حتى أضحى الشاب لا يعرف من هو؟ و ماذا يريد؟ و ما دوره في المجتمع ؟ فيتبنى واقع افتراضي يتجسد في عدد من الهويات النمطية التي تعبر في نظره عن نموذج استثنائي للسلوك الاجتماعي الذي يقتدى به، وبالتالي يكون وعيا مزيفا لا يتطابق و الشروط الموضوعية لثقافته و بيئته الاجتماعية، في وقت تساهم فيه المؤسسات الإعلامية العمومية و خاصة المرئية في تكريس هذه الازدواجية و التيه عبر تقديم نماذج و شخوص مهزوزة تخاطب الشباب و خاصة المراهقين و الاتجاه بالشباب إلى اختيارين لا ثالث لهما إما تبني هذا النموذج أو رفضه و الارتماء في غياهب التطرف و رفض الجميع.
إن الإعلام (إلى جانب مؤسسات أخرى) اليوم و خاصة الإعلام العمومي الذي لا يرتهن منطقيا إلى لوبيات الإشهار، مطالب اليوم بأن يساهم في تكوين أجيال مواطنة تعتز بانتمائها المجتمعي و الإنساني منخرطة في قضايا الأمة حاملة لمشعل التغيير عبر تأثير الصورة حيث من المفروض أن تساهم في الرقي بالذوق العام و زرع بذور النقد العلمي و مناهج التحليل و القدرة على المقارنة و الاختيار والإعتزاز بالهوية الوطنية في تعددها.
• تحدي الحكامة الحزبية :
تعيش بلادنا اليوم تحولات عميقة تسائل العقل السياسي المغربي في أبعاده الاقتصادية،الاجتماعية والثقافية من خلال عدة أسئلة جوهرية تمس صلب النضال الديمقراطي الذي قاده حزب الاستقلال مع باقي القوى الوطنية.
لقد شكلت تجربة التناوب بالنواقص البنيوية التي رافقت بدايتها وخاصة على مستوى الإصلاح الدستوري، والتي كانت الشبيبة الاستقلالية سباقة إلى تعداد نواقصها و نقط الضعف فيها والتي استمرت وتطورت أو أريد لها أن تتطور في اتجاهات تخل بجوهر التعاقدات والالتزامات التي تحملها كل طرف في المرحلة،متنفسا جديا وتحولا تاريخيا جعل المغرب ينتبه إل قضايا التنمية والرفع من جودة العيش بالنسبة للساكنة وتعبئة الإمكانيات المادية اللازمة لتدارك التفاوت المجالي والتنموي بين عدة مناطق في المغرب وخاصة مابين البوادي والحواضر.
لقد حافظ المخزن على نفس منطق التحليل مع بعض التوابل الحداثية التي لم تستطع أن تغير من طبيعته رغم كل التنازلات والتعاقدات القائمة والتي مست مصداقية عملنا الحزبي والسياسي الذي دفع للواجهة قصد الدفاع عن تجربة كان بالإمكان أن تدفع المغرب إلى أفق أوسع مما هو عليه الآن مما يجعلنا نطرح سؤالا جوهريا، هل كانت هناك فعلا إرادة حقيقة للقطع مع الماضي بالنسبة للمخزن ؟ أم أن ظروف الانتقال كانت فقط منهجية استنفدت دورها وفتح اليوم المجال لأحزاب إدارية " نيولوك" في استنساخ ساذج لتجربة الفديك بطريقة عصرية ومتدرجة؟ أم أن الأمر يتعلق بتواجه الإرادة العليا في الدولة مع جيوب المقاومة التي استفادة من التسامح المفرط للحكومات المتوالية وتضخمت مع موجة الخوصصة وعاد بها الحنين إلى اقتصاد الريع خاصة مع الخطط الحكومية التي أعطت الأولوية للبنيات التحتية والتعمير والتهيئة الحضارية والسياحية مما أنعش القطاع المالي الذي أصبح يحقق أرقام أرباح فلكية لاتنعكس مطلقا على الواقع الاقتصادي بمضمونه الاجتماعي؟ أم أن الأمر ببساطة هو جشع البعض وتعطشه للسلطة،ولتذهب كل التوافقات التي تصنع استقرار البلاد إلى الجحيم .
إن كل هذه الوقائع التي تعيشها بلادنا تفرض على حزبنا الذي يتصدر المشهد السياسي عدة مسؤوليات تاريخية حاسمة، منها مايرتبط بالذات الحزبية ومنها ما يرتبط بباقي الفاعلين والقوى السياسية و المؤتمر الوطني الحادي عشر للشبيبة الاستقلالية مناسبة لطرح خلاصات نقاش طويل وصريح بين مناضليها موجهة إلى كافة المناضلات والمناضلين الاستقلاليين في القيادة والقاعدة،وذلك في شكل سبع ملاحظات :
1. إن الحزب مطالب بتطوير إعلامه ومده بالإمكانيات الضرورية للتصدي لكل الحملات الممنهجة لبعض خصومه، ومطالب بالاستمرار في خط الوضوح أيا كان موقعه أو مخاطبه خاصة في هذه الظرفية الدقيقة التي يساهم فيها في تدبير الشأن العام من موقع الوزير الأول .
2. وضع سياسة واضحة وعصرية للعلاقات العامة ومن خلال سياسة للأبواب المفتوحة تمكين المهتمين والمواطنين من التعرف عن قرب على حقيقة الواقع الحزبي وعلى مواطن القوة وعن استعداد الحزب تقبل كل الملاحظات والأفكار التي من شأنها أن تطوره وترفع من مهنية أعضائه.
3. مراجعة ثقافة ما يمكن تسميته بالمجتمع المدني الحزبي من منظمات وجمعيات حزبية،حيث يحرم مناضلونا من استكشاف الآفاق الواسعة لما يمكن أن يحققوه داخليا وخارجيا،مما يحرم عددا كبيرا من المناضلين من الدخول في آفاق واسعة لديهم مايكفي من الكفايات لاقتحامها كما يحرم منظماتنا الموازية من عدة موارد مالية كان من شأنها أن تطور أدائها وتفتح لها آفاقا واسعة وانتشارا أكبر في ربوع البلاد.
4. إن انحصار التأطير الإيديولوجي بين التيارات الإسلامية واليسارية والنزعة التغريبية يجعلنا نتسائل عن مصير الخطاب الوطني والنزعة الوطنية التي نحتت مفهوم الإنسية المغربية المرتكزة على الإسلام والعربية والأمازيغية التي يجب أن يتحمل الحزب مسؤوليته في الدفاع عنها والنهوض بها باعتباره مؤتمنا على كل القضايا الوطنية بدل تركها بيد المتصهينين الجدد والشوفينيين الذين لايهمهم استقرار الوطن بل يبحثون فقط عن الظهور الإعلامي،والتعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي تحولت بفعل الكسل الفكري داخل الحزب إلى مجرد كلمات بلا مضمون ثقافي وسياسي واجتماعي مواكب للتحولات الوطنية والدولية،إن هذا الموضوع يجب أن يحضى بالأولوية في المرحلة المقبلة لأن التطورات التي تعرفها طرق المعلوميات تجعل كل الخطابات قادرة على الانتشار وحيث أن الطبيعة تأبى الفراغ فإن الساحة في غياب تأطير للوعي الوطني الموجود وللنزعة الوطنية المدفونة في قلوب المغاربة، فإن الخطابات العدمية سواء من اليسار أو اليمين سوف تجد لها مجالا وأنصارا.
5. أهمية الطبقة الوسطى في التركيبة البشرية للحزب، فهذه الفئة عرفت أكبر نسبة من الممتنعين عن التصويت وهي ظاهرة خطيرة تطرح علامات استفهام عميقة وجوهرية عن المستقبل الديمقراطي لبلادنا وعن مستقبل العمل السياسي برمته في غياب الطبقة الوسطى التي لا تحتاج سوى إلى تعميق التواصل معها بطرق علمية لإستعادة دورها كاملا في الحياة العامة للبلاد بدل ترك نخب جديدة من تجار المخدرات والمضاربين العقاريين وأشباه المثقفين والأعيان المزيفين،يصنعون مستقبل المغرب .
6. إن الحاجة اليوم ملحة لإعطاء نفس جديد للمجلس الوطني عبر تمكينه من مراقبة فعلية للجنة التنفيذية في إطار توازن السلطات وهيكلة من لجانه القطاعية بما يشبه اللجان الموجودة في البرلمان وخلق أخرى تعنى بالقضايا التنظيمية والإشعاعية للحزب مع خلق منصب رئيس المجلس الوطني في المؤتمر القادم ومكتب للمجلس الوطني ينحصر دوره في المراقبة وتقديم الاقتراحات دون التدخل في التدبير اليومي للحزب وفي التنظيمات الموازية والفروع والروابط المهنية التي تبقى من اختصاص اللجنة التنفيذية في التدبير والرقابة المباشرين.
7. إعادة الاعتبار لمؤسسة علال الفاسي من خلال تمكينها من الأطر اللازمة وخلق مركز للدراسات التعادلية تابع لها ومراكز بحث أخرى متخصصة والبحث عن شراكات مع مؤسسات مماثلة وطنية عربية ودولية والبحث عن مصادر لتمويل دراسات وأبحاث جامعية حول حزب الاستقلال من خلال تقديم منح ومساعدات تقنية للطلبة المغاربة وتشجيعهم على تحويل حزب الاستقلال إلى مادة للبحث العلمي مما سوف يمكن الحزب من كم هائل من الدراسات التي تتناوله بالدرس والتدقيق وتكشف نقط قوته وجوانب الضعف فيه،كما يجب التفكير في خلق "مؤسسة الاستقلال للتنمية" وتختص بتدبير موارد الحزب المالية وتطوير هذه الموارد بخلق مؤسسات اقتصادية ببعد تنموي وإجتماعي إحياءا للوقف الإسلامي، تمكن الحزب من موارد مالية قارة تضاف إلى المنح الهزيلة للدولة وتمكنه أيضا من المساهمة في التنمية البشرية وتطوير الأداء التدبيري للحزب وعصرنة إدارته وتمكين أطره الإدارية من المستجدات في التدبير الإداري الخاص بالمنظمات غير الحكومية سواء من الناحية الإدارية أوالمالية.
على مستوى المشهد الحزبي الوطني:
ينص الفصل الثالث من الدستور المغربي على:
"الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم ونظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع".
فالأحزاب السياسية تلعب دورا مهما في تأطير المواطنين وتنظيمهم، والعمل على تمكينهم من امتلاك الآليات في تدبير الشأن العام الوطني نتيجة التنافس على مستوى البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحظى بثقة المواطنين إذ لا ديموراطية بدون أحزاب سياسية وتعددية حقيقة .
إذ لم يدخر حزب الاستقلال جهدا في المساهمة وبفعالية في تخليق المشهد الحزبي، والتصدي للبلقنة السياسية، والعمل على تأهيل الأحزاب السياسية، واعتبار الأحزاب السياسية الوطنية الجادة، التي تتمتع بمصداقية على المستوى الوطني، ضرورة لإرساء قواعد الديمقراطية الحقة.
ولهذا تعامل شباب حزب الاستقلال إيجابيا مع إصدار قانون ينظم الأحزاب السياسية على مستوى التنظيم الداخلي والمالي والذي حرص من خلاله المشرع على ضمان تمثيلية للشباب والنساء في مؤسسات الأحزاب بنسب مهمة وهو ما حرص عليه الحزب بشكل غير مسبوق،وهنا تسجل الشبيبة الاستقلالية تضامنها مع عدد من الشبيبات الحزبية التي لم تتمكن من إعمال هذا المقتضى داخل أحزابها وهي مناسبة لمناشدة كل الأحزاب السياسية المغربية التي لم تفعل هذا المقتضى في قوانينها الأساسية على تدارك هذا الوضع بشكل مستعجل .
ومنظمة الشبيبة الاستقلالية وهي تؤكد على أهمية هذا القانون في المنظومة التشريعية الوطنية، تعتبر أن هناك أحزابا سياسية غريبة عن المشهد السياسي طفت على السطح بقرار مخدوم ومصنوع في دهاليز الإدارة . وأصبحت هذه الأحزاب تمارس التمييع السياسي بادعاء عقلنة المشهد الحزبي والدفاع عن مجتمع الحداثة والديمقراطية، في الوقت الذي لا تعدوا فيه هذه الكائنات الطفيلية أن تكون رقما في أجندة سياسية معينة لأشخاص أرادوا أن يتملكوا سلطة القرار السياسي، والانفراد بتدبير شؤون البلد وفق مقاس معين.
لهذا تحرص الشبيبة الاستقلالية على ضرورة إعادة النظر في بعض مواد القانون المنظم للأحزاب السياسية، وذلك بالتنصيص على تجريم ظاهرة الترحال السياسي الذي وإن ورد في نص المادة 5 فإنه بقي غامضا.
"... غير أنه لا يمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشح لهذه الانتخابات".
فالمادة بقيت غامضة ولم ترق إلى مستوى المنع الذي يترتب عنه جزاء ومتابعة في حالة مخالفة هذا المقتضى القانوني، هذا الغموض هو ما خلف لنا في الساحة السياسية أحد الوقائع الفريدة على مستوى الديمقراطية في العالم ككل،إذ لأول مرة تعرف الإنسانية بروز حزب أول في البرلمان لم يشارك أصلا في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 ومع ذلك يحدثوننا عن المجتمع الحداثي الديموقراطي،وهنا تتساءل الشبيبة الإستقلالية إذا كانت هذه هي صورة المجتمع الحداثي الديموقراطي،فكيف ستكون صورة المجتمع التقليدي الديكتاتوري؟؟؟ .
التعليقات (0)