لنا أخلاق فقدناها
خليل الفزيع
ثمة ظواهر سلبية تسربت إلى حياتنا الثقافية دون أن نلتفت إليها ونبحث عن أسبابها وأهدافها والظروف التي ساعدت على إشاعتها في الوسط الثقافي، وهو بطبيعة الحال ليس وسطا ملائكيا، ولكن يفترض توفر الحد الأدنى من الالتزام الأخلاقي حين التعاطي مع الشأن الثقافي، فالثقافة ترتفع بعقلية المثقف إلى درجة يصبح معها قادرا على تقدير الأمور، والنظر إليها بتوازن يستبعد هيجان العاطفة، ويتحاشى الانزلاق في وحل الإساءة للغير لمجرد الاختلاف في الرأي، وهو اختلاف في قضايا قابلة للاختلاف، فلم يكن الشأن الثقافي محل إجماع في يوم من الأيام.. وتتذكر أياما كان يسودها الود والبساطة والتفاهم وتبادل الرأي بمنتهى الحرية، واحترام الرأي الأخر مهما كان البون شاسعا بين ما تقول وما يقول غيرك.. تلك أخلاق فقدناها أو كدنا نفقدها.
هل جربت يوما أن تقول رأيك في وضع ثقافي معين، دون أن تمس شخصا بعينه، ولا شأنا بذاته، وإنما تبنيت رأيا ثقافيا بناء على قناعتك الذاتية، فماذا ستكون النتيجة؟
ستجد نفسك محاصرا بأصناف من الشتائم المقذعة المفتقرة لأبسط قواعد الحوار، بل والموغلة في البذاءة التي تترفع حتى الكلاب عن الولوغ في مستنقعها الآسن، لماذا؟
لأن رأيك لم يعجب فلانا من الناس، فاستعدى عليك أمة محمد لردعك عن موقفك.. سهام تأتيك من كل اتجاه، ونعوت تنهال عليك من كل حدب وصوب، فتنظر إلى كل هذا وتنحاز إلى الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.. إما إذا طرحت تلك الأسئلة الصعبة عن الأسباب والأهداف، فستجد أن الجهل وضيق الأفق والرغبة الشديدة في إقصاء كل الآراء من أجل رأي واحد، وغياب الممارسة المسئولة لحرية الرأي، والانغلاق المذهبي الأرعن.. في مقدمة تلك الأسباب، أما الأهداف فهي معروفة، وفي مقدمتها تكميم الأفواه، والسيطرة على الجو الثقافي، وفرض آحادية التفكير، وسد باب الرأي الحر.
وسواء كانت هذه أهداف أو نتائج لتلك الأسباب فالأمر سيان، لأن المحصلة النهائية هي ثقافة مشوهة عاجزة عن استيعاب المختلف.. ثقافة عرجاء غير قادرة على الوقوف في وجه التحديات، والتصدي للعراقيل والاحباطات، بل وتسهم في تمهيد الطريق لنمو الطفيليات السرطانية الضارة في واحة الثقافة التي يفترض أن تكون مزهرة بالخير والحب والجمال.. وساعدت على هذا الانحراف الثقافي منتديات على الشبكة العنكبوتية.. نذر أصحابها أنفسهم لكل ما هو قبيح وسيء، ولكل ما هو ضد فطرة الإنسان الخيرة، وأخلاقه النبيلة، وسمو غاياته، وذلك السلوك وجه آخر من وجوه الجهل الذي يعشش في نفوس ضعاف النفوس.. حين التعامل مع منجزات العصر إلكترونية، بعقلية ترسف في أغلال الاعتقاد بأنك إن لم تكن معي فأنت ضدي.
هل أنت مستعد للدخول في جدال عقيم وعلى هذا المستوى من التفكير؟
إن فعلت فلن تختلف في شيء عن تلك الكائنات شبه البشرية، لذلك عليك أن تمضي في سبيلك مدافعا عن رأيك وفكرك وقناعاتك.. وأنت تستمع إلى قول العقل وهو يحثك: دع الكلاب تنبح والقافلة تسير.
التعليقات (0)