مواضيع اليوم

لم يرد ...بوشرى إيجورك

ياسر العلام

2009-01-30 18:37:46

0

لم يَرُد

سألته عن معنى الكرامة فلم يرد، حاولت أن أفهم منه ما جدوى المناداة بالكرامة للجميع والاحتفال باليوم العالمي لحقوق الآدميين والتصفيق والتطبيل في يوم لسنا جديرين بالتغني فيه، فبقي مطبق الشفتين.
سألته إن كان يعلم أن المغاربة البسطاء يقفلون على كرامتهم في دواليبهم قبل أن يخرجوا صباحا إلى عملهم -إن كان لديهم عمل- ويبدؤون يومهم بأول درس في الدوس على الكرامة وهو ركوب حافلات -إن توفرت- لا تحترم إنسانيتهم، يتكدسون داخلها كسلعة مهربة إلى أن ينزلوا منها وهم يلعنون يومهم ووطنهم وحظهم العاثر.
هل يعلم أنهم يعيشون رعبا دائما خوفا من المرض، ليس لأنهم لا يؤمنون بالقدر خيره وشره، ولكن لأنهم يفزعون من دخول المستشفيات حيث لا تساوي كرامتهم حيوانا أليفا بعيادة بيطرية بدول أخرى تحترم كرامة الإنسان والحيوان على السواء.
هل يعلم أن صداعا نصفيا يصيبهم كلما اضطروا إلى الذهاب إلى إدارة أو مقاطعة أو أية مؤسسة خوفا من السلطة، والتي مازالت تتعامل معهم كقطيع وليس كمواطنين كاملي الحقوق، وأنه مازال هناك من يرتجف خوفا على كرامة مستباحة وهو يطلب وثيقة تافهة من حقه، آباء وأمهات بخيوط بيضاء تزين رؤوسهم يجلسون لساعات في انتظار الفرج أمام أبواب الإدارات والمراكز، على هامش الحياة وبمحاذاة الكرامة، حيث مقعد مريح وموظف مبتسم ووثائق تمنح في لمح البصر.
إنه الحلم، تلك الرؤى الوردية التي تزور الناس نياما، مدينة فاضلة حيث الكرامة في كل مكان، حياة سعيدة وروح مطمئنة وراتب غير مخجل.
أتراه يعلم أنه ليس من حق كل الناس الحلم؟ فهناك من لا ينام بردا، من لا ينام ظلما، من لا ينام جوعا، من لا ينام ألما.. فبيت من حجر ليس ككوخ من قصب، ووجه منظف بصابون معطر ليس كوجه مغسول بالدمع، الهوة عميقة جدا.
سألته لم نجيد التشريع ولا نحترف التطبيق، لمَ نتكلم كثيرا ونشتغل قليلا، لم لا يكاد المرء منا يدفأ ويغتني ويطمئن حتى ينسى وعوده وثورته ونضاله وقضاياه الكبرى، لمَ قدرنا اليأس والخيبة والأسى وسراب من الطموح ينجلي كلما أدركنا كم حلمنا وتمنينا وصدقنا وانتظرنا.
وكم صدمنا..
لم غيومنا عقيمة لا تمطر، غدنا ضبابه لا يتبدد، غناؤنا مواويل رثاء تدمي القلب، فرحتنا كاذبة، غبطتنا زائفة، حياتنا خالية مقفرة وباردة، لقمتنا عصية، أسئلتنا موجعة.
«الكرامة للجميع» ولمَ لا نحن، ألا نستحقها؟
لمَ نبكي المستقبل قبل الحاضر، لم نطرق أبوابا موصدة ونخاطب عقولا متحجرة ونقف أمام جدار عال نجهل كيف نتخطاه؟
باغتته بسيل من الأسئلة الحارقة كحمم بركان صحا فجأة، حاصرته بلا رحمة، فلم يرد.
كأنه لا يفهمني، كأنني أتحدث لغة معقدة، كأنني أهذي، فلا صدى لصوتي ولا أثر لكلماتي ولا حركة تصبرني وتعزيني.
لمْ يترك صمته..
ولن يخمد بركان أسئلتي..
لمَ لا نحن؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !