كنا في الأمس القريب نرى صالحا و قد اعتل غير صالح للحكم بالمرة، غير أن لأطباء و مشافي السعودية كلمة أخرى، فصالح مازال قيد التواجد يدير معركته بما أوتي من قوة، نظامه و فصائله و أهله يباشرون حربهم و يقارعون و يصارعون الثوار و من معهم من جند و قادة عسكريين، الأيام السالفة شهدت تدخلات عنيفة من قبل الحرس الجمهوري و عساكر محسوبة على صالح ضد الثوار المعتصمين، ثورة اليمن الشعبية تأبى إلا أن تستمر في سلميتها و خلوها من السلاح رغم وفرته و كثرته غير أن صالح و من معه لهم سبيل آخر عززه النموذج السوري حيث التقتيل و الإرهاب المنظم من قبل النظام وسط صمت دولي و تحرك محتشم لا يعدو أن يصل إلى خطابات تنديد و قرارات وعيد بعقوبات اقتصادية......
اللافت هو الدور السعودي في المعضلة اليمنية، فوجود صالح في المملكة و حديثه المتواصل من قصورها، و طرد السعودية لأحد أبناء الأحمر، و توارد أخبار عن مشاركة سعودية أمريكية للجيش اليمني في طرد القاعدة من زنجبار، و محاولة فرض المبادرة الخليجية، و اللقاء الأخير للملك عبد الله بالرئيس صالح في الرياض، وكذلك إتهام معارضين يمنيين السعودية بدعمها المباشر لعلي عبد الله صالح ضد موجة الرفض الشعبي له......كلها أمور تصب في خانة الدور السعودي الكابح لثورة اليمن، الثابت في دعم الرئيس علي عبد الله صالح، فلماذا كل هذا الدعم؟ و ماهي مصلحة السعودية في بقاء النظام اليمني الحالي؟
أظهرت الحرب السادسة بين النظام اليمني و الحوثيين و التي تدخل فيها الجيش السعودي بريا و جويا ضد عناصر الحوثية ، مدى العلاقة الاستراتيجية التي تربط الرياض بعلي عبدالله صالح، هذه العلاقة التي تتعدى كونها توافق نظامين على حركات مسلحة مرابطة على حدود البلدين، إلى كونها تحالفا ضد مد إيراني يجد شعبيته في حركات و أقليات شيعية متهمة بالولاء للدولة الإيرانية. صالح في هذه الحالة صمام أمان للمملكة ضد أي تمدد حوثي قد يؤثر سلبا إما بتواجد إيراني جنوب المملكة أو ظهور حركات إحتجاج و انفصال تطالب بها الأقليات الشيعية الإسماعيلية في نجران على الحدود مع اليمن أو الاثناعشرية في القطيف شرقا، من جهة أخرى و في حربها ضد القاعدة يمثل صالح و نظامه الحليف الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية و بالضرورة السعودية ضد الحركات السلفية المتطرفة، فالدولتين تريان إمكانية تحول اليمن إلى قاعدة إنطلاق هذه الحركات لضرب أهداف حيوية في المملكة أو خليج عدن أو في مناطق مجاورة يتواجد فيها الأمريكان في حالة غياب صالح و زوال نظامه.
من ناحية الأمنية تجد السعودية نفسها معرضة للمخاطر في حالة تحول اليمن إلى دولة فاشلة، إما بوجود كيانات مسلحة معارضة لها أو كذلك بتحملها لأثار أي حرب أهلية قد تقع من قبيل النزوح الجماعي لليمنيين إلى السعودية مثلا.....من ناحية أخرى تتخوف السعودية وتتوجس من نجاح الثورة اليمنية أصلا ولو لم تصاحبها المخاطر الأمنية السالفة الذكر، كامتعاضها من الثورة المصرية و التونسية و الليبية، فقد استقبلت زين العابدين، و ضغطت من أجل بقاء مبارك و عدم محاكمته، و لم تعترف إلى حد الآن بالمجلس الأنتقالي الليبي رغم عداءها لمعمر القذافي.....
النظام السعودي نظام شمولي مستبد لا يوفر لشعبه أدنى الحريات المعرفة في باقي الدكتاتويات، ونجاح الثورات العربية و تحول بلدانها إلى دول مدنية ديمقراطية تحكمها مؤسسات قانونية و دستورية و يتمتع فيها المواطن بالمساواة و العدل و بسقف حريات و حقوق أعلى.... ، أمر يحفز الشعب السعودي للمنادات و المطالبة بالحرية وبحقوق أكثر و بالمشاركة في الحكم و ممارسة العمل الديمقراطي.
النظام السعودي و كما أشارت لذلك صحف عبرية ( حسب جريد القدس العربي) يعيش عزلة كما تعيشها اسرائيل، مع الأخذ بعين الإعتبار طبيعة العزلة والفارق بينهما، لكن في الأساس هناك عزلة فرضها هذا الربيع العربي، و حكام الرياض مطالبون حقيقة بدفع عجلة الإصلاح و التغيير و لو قليلا نحو الأمام، لن تنفع سياسة المكرمات وزيادة الأجورفي كبح مشاعرأجيال تواقة للعيش في دولة مؤسسات و حريات.....لا محميات عائلية متوارثة، و لعل العامل القبلي و المناطقي قد يكون محفز لاي تغير في السعودية و قد يكون الوازع المبطن لتحرك مدني، العائلة المالكة و تشعبها في دوائر السلطة و ترهلها و إحساس باقي الشرائح الإجتماعية بالتهميش والغياب عن صناعة القرار قد يؤسس لأي حركات إحتجاج مستقبلية زيادة على العوامل الاقتصادية من بطالة و فقر و تقسيم لاعادل للثروات .......
من الغريب أن نجد حالتين متشابهتين قطر و السعودية، كلاهما يستخدمان الثروة و النفوذ لأهداف متعاكسة و تحت لافتة الإصلاح، السعودية في البحرين واليمن و قطر في ليبيا و في مصر و إن بتدخل أضعف لا يعلو على الرعاية الإعلامية للثورة المصرية، قد نتفهم الدور السعودي فهويتدخل من أجل مصالحه و يحافظ على ضمان استمرارية نظامه بخطوات استباقية، لكن يبقى الدور القطري محيرا، هذا الداعم لثورات الشعوب، أليس الشعب القطري أولى بثورة إصلاحية يقوم بها الأمير و تحول قطر إلى دولة مؤسسات دستورية و ديموقراطية؟
التعليقات (0)