مواضيع اليوم

لمن يموت لبنان؟

إدريس الهبري

2009-02-24 09:57:57

0

لا أحد ينكر أن الوضع السياسي في لبنان وضع هش و غير مستقر و مهدد بالانهيار جراء الهزات التي يمكن أن تحرك أرضيته بين الفينة و الأخرى، و مرد الهشاشة و عدم الاستقرار هو التشكلات الطائفية التي ينبني عليها المشهد السياسي اللبناني، و لعل لبنان بعد حرب أهلية طاحنة استطاع أن يخرج من عنق الزجاجة و يوقف حمام الدم عبر التفاف قواه السياسية حول اتفاق الطائف...
غير أننا اليوم نشعر بقوة الهزة التي ضربت لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري و ما رافقها من محاولات جادة من قبل أطراف بعينها لإلصاق التهمة بسوريا و منذ الساعات الأولى التي تلت عملية الاغتيال، من دون تقديم الأدلة و البراهين التي تدين دمشق حسب اعتقادهم أو حسب الخطة المرسومة من لدن من يملي عليهم الأجندة السياسية المفترض تنفيذها خلال مرحلة ما بعد الاغتيال...
و انطلق مسلسل تنفيذ القرار 1559، خرجت سوريا من لبنان، لكن باءت محاولات إقالة لحود و نزع سلاح حزب الله بالفشل، فتم اللجوء إلى إسرائيل من أجل القضاء على حزب الله بالقوة بعدما فشلت الجهود الحثيثة للقوى اللبنانية المنفذة للأجندة الأمريكية في لبنان، فقامت حرب الشهر و الثلاثة أيام، و بغض النظر عن سؤال النصر و الهزيمة في ختام هذه الحرب التي سال حولها مداد كثير، فإن أمريكا و فرنسا و القوى اللبنانية الموالية لهما تمكنوا من استصدار قرار نشر قوات دولية (1701)بتزامن مع نشر 1500 جندي لبناني في الجنوب...
و لبنان اليوم مقبل على مرحلة جديدة من مراحل الصراع القائم بين المحور السوري/الإيراني و المحور الأمريكي/الفرنسي، بعدما وافقت الحكومة اللبنانية على مسودة مشروع المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري،بعدما فشلت جلسات التشاور بشأن حكومة وحدة وطنية، و قدم وزراء حزب الله و حركة أمل استقالتهم من الحكومة إضافة إلى وزير البيئة يعقوب صراف...و بغض النظر عن دستورية قرار الحكومة اللبنانية بشأن المحكمة الدولية، فإن مسار الأحداث السياسية اللبنانية يأخذ منحى خطيرا ينبىء بالانقلاب على مكتسبات ورقة الطائف خدمة لأوراق واشنطن الكثيرة بالمنطقة...
و لعل اغتيال الوزير بيير الجميل أمس (الثلاثاء 21 نوفمبر 2006)يندرج ضمن سياسة خلط الأوراق اللبنانية و التسريع بمرحلة الفتنة الطائفية التي لا يمكن أن تكون غير حرب أهلية تأتي على الأخضر و اليابس في لبنان...
و من كان بالأمس يروم تأمل خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وحده سيكون اليوم مطالبا بقراءة و تأمل الخطاب في علاقته بواقعة اغتيال بيير الجميل، و أنا لن أنحو منحى سعد الحريري حين ذهب إلى القول بأن الاغتيال على علاقة بقرار وشيك من مجلس الأمن يصدق على المحكمة الدولية الذي وافق عليه مجلس الوزراء، بعد أن غادره الوزراء الشيعة، و حيث اعتبر أن "ثورة الأرز بلبنان تتعرض للهجوم" وهو التعبير ذاته الذي استعمله ممثل القوات اللبنانية أنطوان زهرة، و لن أنحو منحى رد الفعل الأمريكي الذي سار في الاتجاه ذاته إذ وصف الاغتيال بأنه محاولة للإطاحة بحكومة السنيورة، وترهيبها، متزامنا مع إدانة سورية شديدة...
فلمن يموت لبنان؟...لفائدة من ينجر لبنان إلى فتنة داخلية طاحنة؟...من باستطاعته التلذذ بسقوط كل هذه الرؤوس الكبيرة في لبنان؟...من يمارس فن القتل و يعشق الدم حد هذا الجنون السياسي؟...من يراهن على القذف بلبنان في أتون حرب أهلية تعيده إلى سابق عهده حيث الدمار و الموت اليومي هو الموجه لبوصلة الزمن اللبناني؟...
سوف لن يتردد المتحمسون لمشروع الرابع عشر من آذار و خطابه إلى تصويب أصبع الاتهام باتجاه دمشق...طَاحَتْ الصُّمْعَه عَلْقُوا الْحَجَّامْ...و سوف لن يتردد الضائقون ذرعا بالتدخل الأجنبي الأمريكي/الفرنسي في شؤون لبنان الداخلية، بعدما أزاحوا سوريا عن طريقهم و أخرجوا عسكرها من لبنان، من اتهام الموساد (المخابرات الإسرائيلية) بتدبير عملية الاغتيال...و لكل منهما مبررات ادعائه...
فالفريق المناهض لسوريا يستند في ادعائه إلى كون دمشق تحاول أن عرقلة سير مراحل إجراء محكمة دولية لمحاكمة المتهمين في قضية اغتيال رفيق الحريري، لأنها باعتقادهم متورطة في القضية، و على هدي الاعتقاد نفسه ينسبون لها كل عمليات الاغتيال الناجحة و الفاشلة التي سبقت أو أعقبت اغتيال الحريري...
فهل سوريا فعلا تجرؤ على القيام بمثل هذا العمل و في خضم كل المحاولات التي تسعى لتعبيد طريق المرور إلى دمشق؟...ما هي النتائج السياسية التي سوف تجنيها سوريا من وراء عملية اغتيال كهذه؟...هل حقا تستطيع سوريا أن تخاطر بما تبقى بيدها من أوراق رابحة في هذه المرحلة؟...هل صحيح يمكن لنظام في حجم النظام السوري أن يسلك مسلك العصابات الإجرامية؟...
إن توقيت اغتيال الوزير بيير الجميل له أكثر من دلالة في علاقته بالأحداث الراهنة التي يمر بها لبنان الآن، و لعل حدوث عملية الاغتيال مباشرة بعد انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، و بعد موافقة هذه الأخيرة على مسودة مشروع المحكمة الدولية، و بعد الخطاب الذي هاجم فيه السيد حسن نصر الله فؤاد السنيورة و حكومته، و أعلن عبره الاحتكام للشارع بهدف إسقاط حكومة السنيورة...لعل كل هذا يؤشر على أن هناك أياد خفية تحاول خلط الأوراق اللبنانية و صبت الزيت في النار...ثم إن دخول سوريا على خط محاولات إيجاد مخرج للأزمة العراقية بعدما انتهى الأمريكيون إلى ضرورة إشراكها رفقة إيران في بلورة تصور مشترك لحل الأزمة ببغداد و إخراج الجيش الأمريكي من المستنقع العراقي...لعل هذا التقارب الغير المعلن الذي حصل بين دمشق و واشنطن مرحليا على الأقل أقلق المستفيدين من حالة التوتر و عدم الاستقرار التي تسود العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية و سوريا، و عند هذه النقطة بالتحديد تدخل إسرائيل على الخط التي تسعى منذ البدء إلى تحييد دمشق من دائرة الصراع و لو مرحليا، كما تسعى بخطى حثيثة إلى إبطال أي دور سوري في منطقة الشرق الأوسط و الخليج بعدما تخلصت من نظام صدام حسين بالعراق...
فما المطلوب لبنانيا و في هذا الوقت بالذات؟
إن المطلوب من جميع الفرقاء اللبنانيين هو التحلي بقدر كبير من المسؤولية التاريخية خلال هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها البلد، مطلوب توحيد الصفوف و تجاوز الصراعات السياسية و الحسابات الطائفية، مطلوب أيضا الوعي بخطورة ما يحاك ضد لبنان من مكائد، مطلوب العودة إلى طاولة المشاورات و الحوار قصد التغلب على الأزمة، مطلوب أكثر من القيادات و الزعامات اللبنانية السياسية و الدينية ضبط الشارع و التحكم فيه بشكل يمنع حدوث انزلاقات قد تودي بالبلد إلى الهاوية و اللاعودة...



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !